أفكار وآراء

الصين تطرق باب الشرق الأوسط

26 أكتوبر 2018
26 أكتوبر 2018

سمير عواد -

يزداد التقارب السياسي تدريجيا بين العالم العربي والصين بعد عقود طويلة اقتصرت على علاقات طيبة مع دول عربية محددة ومعدودة، إما لأسباب تاريخية أو سياسية . وتريد بكين استغلال مكانتها كأكبر بلد مصدّر للبضائع في العالم، حيث تتنافس مع ألمانيا على هذا المركز، والاستفادة من صعودها إلى مستوى قوة عظمى في تعزيز نفوذها السياسي بعدما نجحت في تعزيزه اقتصاديا مع جميع مناطق العالم ومنها العالم العربي.

وتبني بكين علاقاتها السياسية على قاعدة مصالحها بالدرجة الأولى. ومع بدء القرن الجديد، بدأت الصين تتراجع عن نظرتها السابقة لمنطقة الشرق الأوسط التي كانت تعتبرها من جهة منطقة غنية بالثروات الطبيعية وبموقعها الاستراتيجي، ومن جهة أخرى منطقة تسودها النزاعات، ولا تريد أن تكون طرفا فيها، ولا أخذ موقف لصالح إحدى القوتين العظميين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ولا التصادم مع أي منهما. وتركز بكين اهتمامها السياسي بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية على تأكيد دورها الإقليمي والدولي من خلال تطوير علاقاتها مع الدول الأخرى وتحسين سمعتها. وكانت الصين قد دخلت منطقة الشرق الأوسط عبر الأسلوب الذي نهجته في طرق أبواب العالم، قبل أن تركز نشاطها الدولي على التجارة وتصدير البضائع إلى كل بقعة في العالم.

وتوفر عوامل كثيرة قاعدة لشروع بكين في وضع سياسة خارجية خصوصا تجاه الشرق الأوسط في مرحلة تشهد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من هذه المنطقة، حيث تحل روسيا مكانها كلاعب رئيسي خارجي، بشكل متزايد وعلى نحو يصعب حل أي نزاع دائر في المنطقة بدونه. وكان لا بد أن تُظهر الصين نفسها في البداية أنها تنهج سياسة مستقلة، وقدمت الدليل على أن سياستها لم تعد قائمة على مبدأ إرضاء الجميع أو إثارة غضب أحد، عندما استخدمت حق الفيتو في الأزمة السورية مستعينة بهذا الحق الذي تضمنها لها عضويتها الدائمة في مجلس الأمن الدولي المسمى بنادي الكبار.

وخلافا لواشنطن وموسكو، كانت بكين ترى أن الأزمات والنزاعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط لا يتم حلها إلا من قبل دول وشعب المنطقة، وليس من قبل أطراف خارجية. وما زالت الصين حريصة على تفادي الدخول في منافسة علنية مع القوتين العظميين حول الأزمات والنزاعات الدولية وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط. بل على النقيض من ذلك، فإنها أظهرت تأييدها لبعض مواقف واشنطن إذ أنها لم تعارض غزو أمريكا للعراق عام 2003 ، وكانت تعرف أنه سيكون لها نصيب من مشاريع إعادة التعمير، كما انضمت إلى ما يُسمى الحرب المناهضة للإرهاب، وتقف إلى جانب موسكو في دعمها للرئيس السوري بشار الأسد. وفيما يتعلق بالنزاع الفلسطيني-‏ الإسرائيلي، فإنها تعتقد أن التفاوض هو الحل الوحيد لتحقيق التسوية النهائية، كما أنها أقامت علاقات متوازنة مع كافة الأطراف، بما يتناسب مع مصالحها في الدرجة الأولى. وفي ما يخص الملف النووي الإيراني فإنها كانت بين الدول التي وقعت على الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة ( 5+1) في فيينا في يوليو 2015 التي تعتبرها ضمانا لعدم سعي إيران لامتلاك أسلحة نووية.

ومع صعودها كقوة اقتصادية سريعة الانتشار في مناطق العالم لا تجاريها دول أخرى لها نفوذ سياسي كبير، بدأت الصين تهتم بشكل متزايد بضمان مصادر الطاقة المتوفرة بشكل هائل في منطقة الشرق الأوسط ، حيث كل يحتاج إلى الآخر. الصين تحتاج إلى الطاقة ورأس المال وترى أنه يمكن الحصول عليهما من دول الخليج المنتجة للنفط، بينما العديد من الدول العربية تحاول منذ فترة اجتذاب الشركات الصينية لتفتح فروعا لها في أراضيها كي تكون يوما ما بديلا للشركات الغربية التي ما زالت حتى الآن أهم الشركاء الاقتصاديين لها، لكن قد تتغير الأمور نتيجة للمواقف السياسية، أو بسبب حدوث جمود اقتصادي عالمي، وسوف تستغل الصين أية ثغرة للإسراع في حجز مكان لها في العالم العربي ومنطقة الخليج بالذات.

تحتاج الصين للحفاظ على مكانتها كأكبر بلد مصدّر للبضائع في العالم لاستيراد نحو 50% من احتياجاتها من النفط، وسوف تضطر إلى زيادة هذه النسبة وتعتبر أهم مصدر للطاقة لتغطية احتياجاتها إفريقيا ودول الخليج. وقد أبرمت الشركة الوطنية الصينية للطاقة عقوداً مع كل من السعودية وإيران والجزائر وليبيا لاستخراج الغاز والنفط كما أبرمت عقدا مع قطر ينص على استيرادها الغاز المُسال خلال ربع القرن الجاري. ويصادف العام الجاري ذكرى مرور أربعين عاما على قيام علاقات دبلوماسية بين سلطنة عُمان والصين وبمناسبة الاحتفال بهذه الذكرى في مايو الماضي، تم الاتفاق بين الدولتين على تعزيز وتوثيق عرى الصداقة والتعاون في شتى المجالات بين البلدين، في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين .

والمعروف عن الصين الحديثة أنها تسعى إلى تعزيز علاقاتها حيث تضمن التزود بالطاقة. وعلى سبيل المثال فقد قام الصينيون ببناء شوارع سريعة في الجزائر وميناء بحري في السودان وشبكة لسكة الحديد في ليبيا. وبدأت شركات من دول الخليج منذ سنوات تفتح فروعا لها في الصين، ويصل عددها اليوم إلى بضعة آلاف، علاوة على اهتمام صناديق الاستثمار الخليجية بتوظيف مليارات عدة في الصين. ولم تعد الزيارات بين العرب والصين على أعلى المستويات نادرة كما كانت في الماضي.

وتتفادى الصين رغم التقارب الملحوظ مع الدول العربية في السنوات الأخيرة، التطرق إلى المواضيع السياسية، مثلما تفعل واشنطن وموسكو، واعتاد العرب على التحفظ الصيني، وبالنسبة لعلاقاتها مع إيران، رفضت بكين الضغط الأمريكي لتسير في ركاب واشنطن في مواجهة إيران التي للصين مصالح اقتصادية كبيرة معها، حيث ضمنت لنفسها التزود بكميات كبيرة من الغاز والنفط حتى بعد تطبيق واشنطن عقوباتها ضد إيران الشهر القادم .

ويُستفاد مما سبق أن الصين تعير أهمية في بناء علاقاتها مع دول العالم عامة والشرق الأوسط خاصة، بما يخدم مصالحها الاقتصادية وضمان أمن الطاقة، الذي يؤمن بقاءها منافسا تجاريا عالميا. وسوف تحافظ على تحفظها السياسي تجاه الأزمات والنزاعات، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، تاركة الدفة إلى واشنطن وموسكو، بينما تركز هي على التوسع الاقتصادي في العالم ، وتعتبر مبادرة الحزام والطريق للربط بين الصين وأوروبا وإحياء طريق الحرير القديم نموذجا بالغ الأهمية في هذا المجال . وهذا سيعزز العلاقات الصينية مع الدول العربية بشكل أكبر بكثير مما مضى .