أفكار وآراء

رواندا نموذج اقتصادي إفريقي واعد !!

23 أكتوبر 2018
23 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير  -

صحفي ومحلل سياسي -

عند الحديث عن النماذج الاقتصادية الواعدة في إفريقيا يقفز اسم جمهورية رواندا والتي تقع في منطقة البحيرات العظمي وبالتحديد في الجهة الشرقية بمساحة تقدر بأكثر من 26 ألف كيلو متر مربع وعاصمتها الجميلة كيجالي وسكانها يتجاوز عددهم 11 مليون نسمة، وشعار هذه الدولة الإفريقية هو الحرية والعمل والتقدم.

ويعني اسم رواندا أرض الألف تل ولعل الباعث الأساسي للحديث عن هذا النموذج الإفريقي الواعد هو ان رواندا عانت من حرب قبلية وعرقية طاحنة عام 1994 بين قبائل الهوتو التي تشكل 80 بالمائة من السكان وقبائل التوتسي التي تشكل 10 في المائة حيث نتج عن تلك الحرب العرقية مقتل أكثر من مليون إنسان.

ورغم تلك الحرب الأهلية المأساوية استطاعت هذه الدولة الإفريقية ان تنمو اقتصاديا وتنمويا وسجلت نموا متصاعدا حيث سجل النمو نسبة سبعة ونصف في المائة وهو رقم يتجاوز نسب النمو الدول المجاورة، وهذا النمو حسب منظمة دول تجمع السوق الإفريقية المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا هو الأسرع عالميا علي صعيد الدول النامية.

من الحرب إلى التنمية

من خلال شعار الدولة الرواندية، ومن خلال الاستثمار الأمثل للموارد البشرية، وأيضا تطوير المجالات السياحية والتعدين والزراعة، تسجل رواندا تقدما مذهلا على صعيد النمو الاقتصادي وأضحت عاصمتها كيجالي تعج برجال الأعمال من كل دول العالم، من خلال سياسة الانفتاح والتسهيلات الكبيرة في مجال الاستثمار والتجارة ولها رؤية 2020 والتي سجلت نجاحا كبيرا خلال السنوات الماضية.

رواندا تخرج من الحرب الأهلية المدمرة محطمة، ورغم ذلك استطاع الرئيس الحالي بول كاجامي، ومن خلال رؤية واضحة ان يجعل رواندا حديث الصحافة الغربية، حتى سميت بجوهرة إفريقيا الاقتصادية، وكما ان الناتج المحلي ينمو بشكل كبير سنويا، ازداد دخل الفرد بشكل ملموس خلال السنوات الأخيرة بمعدل ثلاثة أضعاف تقريبا، رغم ان رواندا لا تطل على السواحل بل هي دولة داخلية مقفلة ومن خلال الدول المجاورة في شرق إفريقيا تتحرك تجارتها بشكل كبير.

ان النماذج الناجحة ليست فقط في آسيا وأوروبا، بل هناك نماذج في القارة الإفريقية والتي تعد جنوب إفريقيا هي اكبر اقتصادياتها، ومن هنا فإن روندا أصبحت نموذجا من خلال خطة تعتمد علي الاستثمار البشري واقتصاد المعرفة والتكنولوجيا والثورة الصناعية الرابعة. ويركز الرئيس الرواندي بول كاجامي وحكومته على محاربة الفساد وهو العدو الأول في إفريقيا وبقية الدول النامية وأيضا من خلال الاستثمار فى القوى العاملة الوطنية علاوة على التركيز على قطاع الاتصالات.

لقد كانت الحرب الأهلية مدمرة لرواندا وكان الجميع يرى بأن هذه الدولة الإفريقية ذات المساحة المحدودة والعدد القليل نسبيا من السكان، سوف تعاني الأمرين بسبب الكراهية والأحقاد التي نتجت بين الهوتو والتوتسي في رواندا بسبب آثار الحرب الأهلية، ومع ذلك ومن خلال الاستقرار والدفع بعجلة الاقتصاد والتنمية انطلقت رواندا بشكل هادئ ودون ضجيج، حتى أضحت حديث المجلات الاقتصادية المتخصصة، وذلك بفضل ما يتحقق من أرقام نمو جيدة، وباعتبارها واحدة من اسرع الدول الناشئة نموا اقتصاديا في العالم.

السوق الإفريقية المشتركة

وعلى ضوء هذا النموذج الإفريقي الواعد متمثلا في جمهورية رواندا فإن إفريقيا لديها مستقبل كبير من خلال إنشاء السوق المشتركة. ودراسة نموذج رواندا كأحد المداخل الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي في ظل الإمكانات الطبيعية والبشرية التي تزخر بها القارة السمراء.

والذي يشاهد العاصمة الرواندية كيجالي يقارنها بالعواصم في أوروبا، من حيث النظام والنظافة والتقيد بالقوانين والحركة الاستثمارية من قبل رجال الأعمال من كل أنحاء العالم، حتى أصبحت مركزا أساسيا للأعمال. ومن هنا فإن النموذج الرواندي يمكن تحقيقه في دول إفريقية ذات إمكانات اكبر من رواندا ولعل دول مثل السودان ونيجيريا ومصر هي أمثلة في هذا الإطار، بشكل أو بآخر.

ويبدو أن نموذج رواندا يحفز كثيرا من الدول الإفريقية، من خلال تنشيط منظمة دول تجمع السوق الإفريقية المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا بحيث تتوسع هذه المنظمة لتشمل دول جنوب الصحراء ودول شمال إفريقيا ودول غرب إفريقيا لتكتمل منظومة السوق الاقتصادية الإفريقية.

لقد استطاعت رواندا ان تسجل أرقاما مهما في مجال النمو الاقتصادي ودخل الفرد من خلال التركيز علي الموارد البشرية والتدريب والتركيز علي الاتصالات والتقنية علاوة على نجاح قطاع السياحة واستغلال المقومات التي تزخر بها، علاوة على ان قطاع الزراعة يمثل موردا هاما من خلال تحديث الزراعة علاوة على ان رواندا بها ثروة حيوانية لا بأس بها، ومن هنا فإن رؤية 2020 قد نجحت على الأقل في تخطي آثار الحرب والانطلاق إلى مناخ اقتصادي واستثماري واعد جعل رواندا مثار تعليقات إيجابية من الصحافة والإعلام الدولي، وبانها باتت جوهرة إفريقيا الاقتصادية.

رواندا والفرانكفونية

على غرار عدد من الدول الإفريقية فإن اللغة الفرنسية تعد اللغة الرسمية بجانب اللغة المحلية لسكان رواندا، علاوة على لهجات قبلية متعددة، خاصة لدى سكان الأرياف وعلى ضوء التحول الاقتصادي والاندفاع نحو تحقيق أرقام متنامية في مجال النمو الاقتصادي واستغلال الموارد البشرية وقطاع التعدين والسياحة والزراعة، وقبلها مجال الاستثمار الأجنبي أعطت رواندا الأولوية للغة الانجليزية باعتبارها اللغة الأهم في العالم وخاصة في الغرب لتخلع ثوب الفرانكفونية ولتتحول إلى اللغة الانجليزية كلغة اكثر انتشارا في عالم الأعمال والتجارة الدولية.

وعلى ضوء تعدد اللغات في رواندا أصبحت الأمور اكثر سهولة للمستثمرين من الغرب والشرق علي حد سواء، وتحاول رواندا انتهاج نظام ديمقراطي ومؤسسات دستورية وتشريعات تساعد علي إيجاد مناخ للاستثمار والانفتاح على العالم ومحو الصورة القاتمة عن آثار الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي.

وفي ظل هذا النموذج الإفريقي فإن إفريقيا ومن خلال الإصلاحات الدستورية وتبسيط القوانين وإعطاء المهارات للشباب والتركيز على التقنية ووجود رؤية على غرار الرؤية التي تطبقها رواندا بشكل جيد، فإن ظهور نماذج اقتصادية واعدة في إفريقيا خلال السنوات القليلة القادمة هو أمر ممكن، وخاصة ان رواندا ذات إمكانات محدودة على صعيد القطاعات الإنتاجية إذا ما قورنت بدول القارة الكبيرة كنيجيريا مثلا وهي الدول المنتجة للنفط ومن أعضاء منظمة الأوبك.

ان آثار الاستعمار والفساد والبيروقراطية وعدم وجود مؤسسات تشريعية فاعلة هي عوامل أثرت بشكل سلبي علي دول القارة الإفريقية خلال الخمسة عقود الأخيرة ومع تنامي مناخ السلام في اكثر من منطقة في إفريقيا، ومع ظهور النموذج الإفريقي الذي نتحدث عنه، فإن أهمية الإصلاح في الهياكل الاقتصادية والإدارية في الدول الإفريقية اصبح أمرا حتميا، خاصة مع وجود الأجيال الجديدة ووجود ثروات متنوعة وبكر في دول القارة، فضلا عن انحسار الصراعات والخلافات السياسية. ولعل دول القرن الإفريقي وما شهدته من مصالحات سياسية وآفاق للتعاون يعد خطوة أساسية نحو الدفع بذلك الإصلاح المنشود، ولعل نموذج رواندا يعطي حافزا لبقية دول القارة للانطلاق نحو تجربة اقتصادية وتنموية مدهشة.

ان القارة الإفريقية ومن خلال رؤية وإصلاح واضحين يمكن ان تكون نموذجا للعالم وتصبح رواندا هي النموذج المحفز نحو تلك الانطلاقة الاقتصادية وحتى على صعيد عدد من الدول العربية في شمال إفريقيا وبلاد الشام حيث ان النماذج الناجحة في جنوب شرق آسيا كانت بسبب النموذج الياباني في أعقاب الحرب العالمية الثانية والذي حفز دول آسيا لأن تنطلق وتصل إلى ما وصلت إليه رغم خروج عدد منها من حروب مدمرة كالحرب الكورية علي سبيل المثال

ان رواندا وهي تواصل مشروعها الإصلاحي في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية تسجل أرقاما مهمة علي ضوء تقارير صندوق النقد الدولي والمنظمات الاقتصادية وانتقلت عاصمتها كيجالي من عاصمة خافتة إلى عاصمة ريادة الأعمال والى نموذج مشرق لدولة إفريقية عانت الأمرين من خلال حرب أهلية قاسية لا يريد الروانديون تذكر نتائجها المأساوية، وهم يعيشون حلم بلادهم الذي اصبح واقعا إيجابيا يبنى عليه لمزيد من التقدم والعمل والحرية وهو شعار روندا.