الملف السياسي

الحق الفلسطيني باق رغم الإجراءات الأمريكية

22 أكتوبر 2018
22 أكتوبر 2018

طارق الحريرى -

,, يشكل قرار إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن حلقة من سلسلة إجراءات بدأت بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في مشهد إعلامي دعائي للرئيس ترامب وهو يوقع القرار رغم كل المناشدات العربية والإسلامية والدولية بعدم الإقدام على هذه الخطوة,,

يظل الصراع المزمن منذ عام إعلان دولة إسرائيل في مايو عام 1948 هو القضية المركزية في إقليم الشرق الأوسط بمكونيه العربي وغير العربي (أي إيران وتركيا) وطوال فترة الحرب الباردة كانت المسألة الفلسطينية في مواقف الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي السابق والغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية محل خلاف وتجاذبات بين الطرفين لكن الملف الفلسطيني أصبح بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في ملعب الغرب وانفردت الولايات المتحدة (القطب الأوحد) بالمساحة الأكبر منذ ذلك الوقت في الجهود الدولية للبحث عن حل لهذه القضية المعقدة ومع توالى الإدارات في ظل تغير رؤساء الولايات المتحدة كان موقع الملف الفلسطيني يتذبذب طبقا لتوجهات كل إدارة وبالطبع كانت مواقف كل رئاسة جديدة في البيت الأبيض تحافظ على قدر قد يكون متغيرا نسبيا لكنه مستمر في درجة الانحياز لإسرائيل.

بعد أن جاءت الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة حدث انعطاف حاد أطاح ولو شكليا بالتوازنات النسبية التي كانت تحافظ عليها الإدارات السابقة في التعامل بين طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتبنى الرئيس الأمريكي الجديد منذ البداية مواقف اتسمت بالانحياز التام لصالح الدولة العبرية وبدون مبالغة يمكن القول إن الإدارة الأمريكية اشتطت في ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية ووصل الأمر إلى ضرب عرض الحائط بالثوابت التي حافظت عليها القوى الكبرى شرقا وغربا في ملفات بعينها كان الجميع يتركونها لمقتضيات الحل النهائي بين طرفي الصراع وإمعانا في ممارسة الضغوط على القيادات الفلسطينية التي تتمسك بثوابتها قامت الولايات المتحدة في خطوة مفاجأة بإغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

لا يمكن اعتبار أن ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية أخيرا بإغلاق مقر المنظمة خطوة رمزية في مسار الضغوط المتتالية على الفلسطينيين للقبول بمطالب غير معلنة تسعى واشنطن بها لجعل الفلسطينيين يرضخون لها، وهنا يلح التساؤل في مناقشة الموقف الأمريكي وهو لماذا لا يمكن اعتبار أن إغلاق مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن خطوة رمزية بل خطوة تتسم بالتحدي والإكراه؟ المدخل الإجابة على هذا التساؤل تبدأ من تحديد موقع المنظمة في كل من المشهدين أولا الفلسطيني وثانيا الدولي:

أولا- موقع منظمة التحرير الفلسطينية داخل المشهد الفلسطيني:

تصنف منظمة التحرير الفلسطينية سياسيا باعتبارها الإطار الوطني الجامع للفلسطينيين على اختلاف مشاربهم ومواقعهم في الكفاح من أجل استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولقد أنشئت المنظمة كنتيجة لمقررات مؤتمر القمة العربي الأول الذي دعا إليه الرئيس المصري جمال عبد الناصر سنة 1964 لتعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني وتكون الجهة الرسمية المنوط بها المطالبة بحقوق شعب فلسطين وتقرير مصيره وطبقا لبيان المؤتمر العربي الفلسطيني الأول المنعقد بمدينة القدس في 28 مايو 1964 حتى 2 يونيو من العام نفسه جاء في البند الأول أن «منظمة التحرير الفلسطينية قيادة معبئة لقوى الشعب العربي الفلسطيني لخوض معركة التحرير، ودرعاً لحقوق شعب فلسطين وأمانيه، وطريقاً للنصر» وتنضوى تحت قيادة المنظمة كافة الفصائل الفلسطينية، عدا حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي بينما علقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة عضويتها.

ثانيا– موقع منظمة التحرير الفلسطينية في المشهد السياسي الدولي:

بناء على مقررات القمة العربية التي عقدت في الرباط 1974 صدر قرار باعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني وهو القرار الذي أدى إلى أن تتبوأ المنظمة مقعد مراقب في الأمم المتحدة والتحدث باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية، واعتبارا من إعلان استقلال دولة فلسطين في الجزائر عام 1988 قامت دول العالم بالاعتراف بها تباعا ومثلت منظمة التحرير الشعب الفلسطيني في المؤتمرات والفعاليات الدولية بدءا من مؤتمر مدريد حتى اتفاق أوسلو وبعده وبذلك تعتبر المنظمة حجر زاوية في بنيان العلاقات الدولية ومسارات التفاوض واتخاذ القرار الفلسطيني.

ومن المعروف أن مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن افتتح سنة 1994 إثر التوقيع على اتفاق أوسلو بين فلسطين وإسرائيل برعاية أمريكية حيث وضع شرط لاستمرار المكتب هو إصدار وزارة الخارجية الأمريكية موافقة كل ستة أشهر وذلك في أعقاب قرار من الكونجرس اسبغ صفة الإرهاب على منظمة التحرير الفلسطينية وصادقت جميع الإدارات الأمريكية السابقة روتينيا على بقاء المكتب عدا الإدارة الحالية التي رفضت في شهر نوفمبر الماضي استمرار التمديد للمكتب لحين صدور قرار بإغلاقه وهو ما تم فعليا في 10 من سبتمبر الفائت وما تبعه من إغلاق لحسابات المنظمة المصرفية، وتذرعت الحكومة الأمريكية في إقدامها على هذا القرار بأن قادة منظمة التحرير الفلسطينية انتقدوا الخطة الأمريكية للسلام حتى قبل الاطلاع عليها وامتنعوا عن التواصل مع الحكومة الأمريكية بشأن جهودها من أجل السلام.

يشكل قرار إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن حلقة من سلسلة إجراءات بدأت بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس في مشهد إعلامي دعائي للرئيس ترامب وهو يوقع القرار رغم كل المناشدات العربية والإسلامية والدولية بعدم الإقدام على هذه الخطوة ثم تلى ذلك قرار وقف كامل التمويل وتبلغ قيمته 365 مليون دولار الذي كانت تقدمه واشنطن لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى المعروفة بالأونروا الذي وصفته القيادات الفلسطينية بأنه بمثابة اعتداء سافر على الشعب الفلسطيني وتحد لقرارات الأمم المتحدة. و في تصريح دال للمناضلة حنان عشراوي قالت: «أثبتت الإدارة الأمريكية أنها تستخدم أسلوب الابتزاز أداة ضغط لتحقيق مآرب سياسية، لكن الشعب والقيادة الفلسطينية لن يخضعوا للإكراه والتهديد، كما أن الحقوق الفلسطينية ليست برسم البيع أو المقايضة» ورأي عشراوي يتكرر بالمعنى نفسه من جانب كل القيادات الفلسطينية ويتضمن التوجه الثابت لمنظمة التحرير الفلسطينية التي يمثل قرار إغلاقها من قبل الحكومة الأمريكية تعقيد لمحاولات حل معضلات الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، فهذا الإغلاق واقعيا يعنى أن واشنطن توصد باب الاتصال المباشر مع السلطة الفلسطينية، وإن بقيت القنوات غير الرسمية مفتوحة والرسالة التي تبعث بها الولايات المتحدة بعد الإغلاق، هي إما أن تقبلوا بتصورات الإدارة الحالية لحل القضية فيما عرف بصفقة القرن وإما عليكم أيها الفلسطينيون أن تتحملوا عواقب وخيمة.

الفلسطينيون كابدوا طويلا في سبيل حل الدولتين الذي أجمعت كل دول العالم على واقعيته وأهميته كحق للفلسطينيين في الحصول على الوطن القومى ذلك الوطن الذي قدموا كل ما يمكن من تنازلات وتضحيات للوصول إليه، ولم يعد لديهم ما يمكن أن يفرطوا فيه، ورغم أنهم يعرفون أن الأمريكيين هم الطرف الفاعل الأول في ملف الصراع، إلا أن الضغوط التي تمارس من الإدارة الحالية بلغت مدى من التحيز تتجاوز من وجهة نظرهم كأصحاب للقضية كل الحدود، حتى أن الوضع من المنظور الفلسطيني أصبح بمثابة إعلان حرب على جهود السلام.

ليس ما حدث بعد إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن إعلان بانتهاء جهود السلام العادل باعتبار أن الفلسطينيين والأمريكيين قد انقطعت بينهم خيوط التواصل فدائما ما يحمل مسار التاريخ تحولات ومفاجآت في مجرى الأحداث غير منتظرة ودائما ما ينتصر أصحاب الحق بالإرادة والعزيمة مهما طال الزمن.