الملف السياسي

حرب أكتوبر والتضامن العربي

15 أكتوبر 2018
15 أكتوبر 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي  -

أصبح الحديث عن أهمية التضامن العربي في المرحلة الحالية بكل تداعياتها السياسية وما تمر به الأمة العربية من تشرذم وخلافات وحروب من أكثر الأمنيات التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج مع أجواء الإحباط التي تسود الشارع العربي من تداعيات الحالة السلبية العربية في الوقت الراهن.

وما زال العرب يتذكرون أحد النماذج المشرّفة للتضامن العربي خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 والذي سطّر فيها العرب جيوشا وشعوبا ملامح من التضامن والنصر ضد الكيان الإسرائيلي حيث لا تزال تلك الصورة الإيجابية من صور التضامن جزءًا أصيلا من الذاكرة العربية بعد مضي أكثر من أربعة عقود ونصف العقد.

ويظل التساؤل قائما لماذا لا يكون التضامن خلال حرب أكتوبر دافعًا وحافزًا لاستعادة العرب لتضامنهم وحرصهم على مصالحهم التي تتناثر هنا وهناك بفعل اهتزاز الحكمة والتقييم الصحيح للأمور والدخول في خلافات وصراعات أضرت بالأمن القومي العربي وخسر العرب الكثير من مقدراتهم وسمعتهم الدولية بسببها.

مجالس التعاون

بعد حرب أكتوبر وتداعياتها ووصول التضامن العربي إلى مستوى يتماشى ونتائج الحرب بدأت مرحلة جديدة وهي مرحلة السلام من خلال اتفاقية كامب ديفيد والتي حدث بشأنها خلاف بين مصر ومعظم الدول العربية استمر عشر سنوات وبالتحديد حتى عام 1989 من خلال القمة العربية في المغرب والتي استعاد من خلالها بعض التضامن العربي وفتح صفحة جديدة من آفاق التعاون.

ولعل انطلاق مجالس التعاون العربية وهي مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي والاتحاد المغاربي شكل فرصة حيوية نحو انطلاق تعاون عربي إقليمي بين الدول العربية يؤدي في النهاية إلى منظومة التكامل الاقتصادي العربي، ومع ذلك لم يصمد من تلك المجالس وبعد عدة سنوات إلا مجلس التعاون الخليجي، حيث كان للحروب في منطقة الخليج أثر مدمر على استمرار تلك التجارب التعاونية علاوة على الخلافات السياسية بين بعض دول المغرب العربي، ومن هنا تبخر الحلم العربي في وجود تلك المجالس التعاونية والتي كانت أملا للشعوب العربية نحو التكامل والتضامن من خلال إيجاد تعاون حقيقي يفضي إلى الاتحاد العربي على غرار الاتحاد الأوروبي خاصة في جانبه الاقتصادي وليس من خلال الوحدة الاندماجية.

فالوحدة العربية وإن ظلت حلما إلا أن الظروف السياسية وفشل الوحدة بين مصر وسوريا في بداية عقد الستينات من القرن الماضي، وتعثر التكامل المصري - السوداني جعل من الصعوبة بمكان الحديث عن وحدة عربية متكاملة وبقي الطموح الشعبي بالتكامل الاقتصادي والتنموي بين الأقطار العربية من خلال وجود مجالس التعاون العربية والتي لم تنجح بعد سنوات من إنشائها ويستثنى من ذلك مجلس التعاون الخليجي الذي لا يزال صامدا منذ عام 1981 رغم التحديات التي تواجهه الآن بسبب الأزمة الخليجية التي نأمل أن تنتهي في أقرب وقت ممكن، وبما يحقق مصالح دول وشعوب المجلس.

وفي ظل المناخ السياسي المعقد الذي يلف الساحة العربية والضعف الذي يعتري دور جامعة الدول العربية، فإن الأمل الوحيد هو في دور المجتمعات المدنية في بلورة وإحياء الوعي العربي من خلال دور الجامعات ورجال الفكر والثقافة بعد أن فشل رجال السياسة على مدى أكثر من نصف قرن في بلورة التضامن العربي المنشود والبنّاء على نموذج حرب أكتوبر عام 1973.

التضامن العربي ضرورة

في ظل التحديات الكبيرة والخطيرة التي تواجه الأمة العربية وفي ظل عالم عربي يسوده الانقسام والتشرذم، يظل التضامن العربي على المستوى الفكري والثقافي ومن خلال المؤسسات العربية المستقلة هو المدخل الصحيح نحو بناء الوعي العربي أو استعادة جزء منه، على الأقل من خلال دور الجامعات ومراكز البحث والدور الأساسي للإعلام العربي والذي لم يستطع أن يلعب الدور التنويري في هذا الإطار وتفرغ لبث الفرقة والكراهية والتي أسهمت في الوضع السلبي الذي يعيشه العرب.

ويبدو لي أن الإعلام العربي وبسبب تداعيات سياسية من الأنظمة العربية كان له الدور المحرك للحالة الراهنة، إلى جانب غياب المهنية والانسياق وراء أغراض لا تخدم التضامن العربي، كما نرى الآن سبب إشكالات كبيرة، كما كان للإعلام الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي دور مدمر على صعيد تدمير التضامن العربي وإيجاد فجوة كبيرة بين المواطنين العرب، ومن هنا فإن الأمر يتطلب استعادة التضامن العربي، وهذا سوف يأخذ مجهودا ووقتا طويلا وربما يحتاج إلى أجيال جديدة حيث إن الجيل الحالي يصعب أن يتخلص من الرواسب الفكرية والتداعيات السياسية والتي أصبحت جزءا من النظام الرسمي العربي في غياب الإعلام المستقل والذي نراه في الدول المتقدمة.

التضامن العربي هو ليس فقط التعاون العربي والمشاعر المشتركة بين الشعوب العربية ولكنه أحد صمامات الأمن للأمن القومي العربي والذي أصبح مهددا في أكثر من قُطر عربي بسبب الحروب والصراعات والخلافات المصطنعة والتي أضرت كثيرا بصورة العرب وتعاطيهم السياسي والأخلاقي في العالم وتم استغلالهم بصورة مؤسفة.

كان الجميع يعوّل أولا على جامعة الدول العربية ولكن هذه الجامعة هي نتاج لمواقف الدول العربية الأعضاء، وأيضا من خلال ميثاق لم يعد يستوعب المتغيرات المتسارعة في العالم، كما أن مجالس التعاون العربية في مشرق العالم العربي ومغربه كانت نواة حقيقية لإيجاد منظومة تعاون يتحقق منها التضامن العربي من خلال تبادل المصالح والمنافع بين الشعوب.

إن المناخ العربي وإن كان في أدنى درجاته، يبقي هناك بصيص من الأمل من خلال الأجيال الجديدة ومن خلال استرجاع الوعي العربي واستنهاض الهمم وهذا لن يتأتى إلا من خلال تنشيط الدور الفكري للمؤسسات الفكرية، ومنظمات المجتمع المدني، واستقلالية دور الإعلام، وهذه الآليات هي التي جعلت الدول المتقدمة تعيش التناغم في مسألة الاستقرار والتعاطي حتى مع خلافاتها بشكل حضاري بعيد عن الصراعات والاقتتال، فثقافة الاختلاف موجودة والحوار هنا يكون سيد الموقف، ولكن العرب ومن خلال الواقع لم يستطيعوا إدراك أن قوتهم تكمن في تضامنهم ومصالح شعوبهم وأن الجانب الفردي لأي دولة مهما كانت قوتها الاقتصادية والبشرية لن تستطيع تحقيق الأهداف الوطنية أولا والإجماع القومي ثانيا، وأن التضامن العربي على غرار ما حدث في أكتوبر هو النقلة الصحيحة نحو عالم عربي يجد الاحترام والتقدير من الآخرين.

الخطوة الأهم

صحيح أن الصورة العربية حاليا هي صورة قاتمة وسلبية ومع ذلك فإن هناك نماذج كانت أسوأ من الحالة العربية، ولعل الغرب مثال واضح على ما نقول من خلال الحروب المدمرة وهي الحربان العالميتان الأولى والثانية اللتان حصدتا أرواح أكثر من 50 مليون إنسان وملايين الجرحى وتدمير أوروبا ومع ذلك تمت استعادة منظومة التعاون في الغرب خلال 50 عاما وكذلك الوضع ينطبق على حروب دول شرق آسيا والتي نراها الآن دولا صناعية متقدمة واليابان نموذجا في هذا الإطار. إذن يمكن العرب أن يعيدوا صياغة واقعهم المعاش وأن ينهضوا ويستعيدوا دورهم وتضامنهم وأن يستلهموا من تجارب الشعوب التي أصابها الدمار في حروب عالمية، كما أن المشتركات بين العرب لا تتوفر لكثير من الأمم والشعوب وهذه إحدى المسائل الجدلية التي يتحدث عنها المفكرون في الغرب ولا يجدون لها جوابا، فكيف لأمة عربية تجمعها لغة واحدة وقيم ودين وتاريخ مشترك لا تستطيع الاجتماع على كلمة سواء؟.صحيح أن الاستعمار الغربي كان له دور تخريبي ولكن بعد الاستقلال للدول الوطنية، كان من المأمول أن تحدث النقلة النوعية لإيجاد عالم عربي يتصدر المشهد الحضاري في العالم حيث إن كل المقومات موجودة من ثروات وعقول ومواقع استراتيجية ومع ذلك لم ينجح العرب على الأقل خلال العقود السبعة الأخيرة في صناعة الأمل لملايين الشعوب العربية وهذا أمر لا ينبغي أن يستمر مع الأجيال الجديدة وفي ظل التقنية وثورة المعلومات. إن التضامن العربي والتكامل العربي أصبح أمرًا ملحًا للمحافظة على الكيان العربي وللمحافظة على مستقبل الأمة العربية وأجيالها التي تتطلع إلى مرحلة أفضل وإلى آليات مختلفه بعيدا عن الآليات السابقة التي لم تستطع تلبية الطموح العربي الشعبي وحتى الرسمي، ولا يزال الأمل موجودًا لإيجاد انطلاقة عربية تكون استعادة التضامن والدور العربي من أولوياتها في ظل احتدام المنافسة الاقتصادية والعلمية بين دول وشعوب العالم.