1006617
1006617
المنوعات

مؤتمر «العلاقات العمانية البريطانية».. نقاشات ساخنة وتباين وجهات النظر التاريخية

09 أكتوبر 2018
09 أكتوبر 2018

يختتم فعالياته اليوم بعد نقاش 43 ورقة عمل -

تغطية ـ عاصم الشيدي -

تواصلت أمس في فندق كمبنسكي الموج فعاليات المؤتمر الدولي السابع «العلاقات العمانية البريطانية» الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية. وشهد اليوم الثاني تقديم 19 ورقة في المحور التاريخي والسياسي.

وتختتم اليوم فعاليات الندوة باستكمال مناقشة المحور السياسي والتاريخي والمحور الاقتصادي وكذلك الثقافي. وتقدم اليوم 11 ورقة.

وإضافة إلى تباين الأطروحات التي قدمتها أوراق العمل أمس فإن نقاشا ساخنا صاحب بعض أوراق العمل الأمر الذي لم يدع فكرة أو أطروحة تعبر دون تمحيص ودون نقاش.

ورغم تأكيد أغلب أوراق العمل على أن العلاقات العمانية البريطانية خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وهي الفترة التي تناقشها الندوة كانت في الكثير منها علاقات ندية إلا أن البعض طرح نماذج تاريخية لتحول تلك العلاقة إلى فرض سيطرة ونفوذ من الجانب البريطاني كما حصل بشكل خاص بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان في تقسيم الامبراطورية العمانية وكما حصل خلال فترة حكم السيد فيصل بن تركي.

ومن بين أوراق العمل التي قدمت في اليوم الثاني من أيام المؤتمر ورقة قدمها الباحث محمد اليحيائي وحملت عنوان: «المواقف البريطانية وأثرها على الوضع الداخلي في عُمان في عهد السلطان سعيد بن سلطان».

ناقش اليحيائي في دراسته العلاقات العمانية البريطانية في عهد السلطان سعيد بن سلطان لكن من زاوية تأثير المواقف التي اتخذتها بريطانيا حيال الأوضاع في عُمان، بما فيها الصراعات الداخلية، والحروب الخارجية التي خاضها السلطان سعيد دفاعا عن أراضيه وممتلكاته ضد القوى المنافسة.

واستشهد اليحيائي بلوريمر الذي قسم فترة حكم سعيد بن سلطان إلى مرحلتين، الأولى تنتهي عام 1829 وشهدت تركز اهتمامه على الوضع في عُمان والخليج، حيث عمل على تثبيت نظام حكمه والتخلص من خصومه ومنافسيه، أما المرحلة التي بدأت بعد العام 1829 وحتى العام 1856، فقد انصب كامل اهتمامه فيها على الجزء الأفريقي من الدولة العمانية، وفي الفترتين، سيكون للبريطانيين دور مؤثر.

ومنذ البداية وضع اليحيائي فرضية لبحثه مفادها أن مصالح عُمان ومصالح بريطانيا، في عهد السلطان سعيد بن سلطان، تلاقتا، وأن العلاقة بين الطرفين قامت على أساس تبادل المنفعة، لا على أساس تبعية طرف للطرف الآخر، وإن كانت القوة العسكرية والاقتصادية، إلى الجانب النفوذ في فارس والهند، أعطت البريطانيين اليد العليا في كثير من الأمور. ومن خلال هذه الفرضية حاول الإجابة على أسئلة من قبيل كيف أثرت المواقف التي اتخذتها بريطانيا من الصراع الداخلي والحروب والخارجية في عهد السلطان سعيد بن سلطان على الوضع الداخلي في عُمان؟ وهل عززت المواقف البريطانية من حكم السلطان سعيد، وساعدته على التخلص من خصومه الداخليين والخارجيين، أم هدفت فقط إلى السيطرة والتحكم في مسار الأحداث لتحقيق المصالح والأطماع التجارية والسياسية لبريطانيا؟ وكيف تعامل السلطان سعيد، أو كيف استفاد من تلك المواقف، ومن المكانة السياسية والعسكرية التي كانت تمثلها بريطانيا في الخليج، لتعزيز حكمه وفق ما جاء في نص البحث.

وأشار الباحث إلى أن أول اتصال رسمي بين عُمان وبريطانيا يعود إلى العام 1645 وذلك في عهد مؤسس الدولة اليعربية، الإمام ناصر بن مرشد (1624- -1649)، حين أوفد البريطانيون أحد موظفي شركة الهند الشرقية في سورات، ويدعى « فيليب وايلد Phillip Wild إلى صحار لتوقيع اتفاقية تجارية، لكن مع مجيء الدولة البوسعيدية وفي عهد مؤسسها الإمام أحمد بن سعيد توثقت العلاقات أكثر، ولكن بقيت سياسة الإمام على الحياد في التعامل مع القوتين الأوروبيتين المتنافستين على السيطرة على مياه الخليج آنذاك، وهما بريطانيا وفرنسا. في المقابل اتخذت شركة الهند الشرقية موقفا محايدا من الخلافات التي ما فتأت تتفجر بين حكومة الإمام أحمد من جهة، والحكومة الإيرانية وبعض شيوخ ساحل عُمان من جهة أخرى غير أن هذا الموقف المحايد لم يمنع البريطانيين من تجديد طلبهم إقامة مقر لهم في مسقط، لكن الإمام أحمد رفض الطلب لكن ومع حلول العام 1773 شهدت العلاقات تقاربا أكثر بحيث أصبحت مسقط ميناءً تلتقي فيه السفن البريطانية المعتمدة في الخليج.

وفي 12 أكتوبر 1798 نجح البريطانيون في توقيع أول معاهدة بين البلدين وكانت مع السيد سلطان بن أحمد، والتي قطعت، في بنودها السبعة، الطريق على إمكانية إقامة أي وكالات تجارية لفرنسا وهولندا على الأراضي العمانية، وأي مناطق أخرى تابعة لحاكم عُمان. وفي 18 يناير 1800 تم تأكيد معاهدة 1798 بالتوقيع بين السيد سلطان ومبعوث شركة الهند الشرقية إلى مسقط الكابتن جون مالكولم بهادر على معاهدة أخرى، وذلك بسبب الشكوك التي ساورت البريطانيين حول وجود شكل من أشكال التقارب بين العمانيين.

ونتيجة لمعاهدتي 1798 و 1800، عينت بريطانيا مقيما سياسيا في مسقط هو الدكتور بوجل Bogle، الذي توفي بعد أشهر على تعيينه، فعُين بعده الكابتن دافيد .

وناقش اليحيائي المواقف البريطانية من الصراعات الداخلية موضحا أن بريطانيا تدخلت ثلاث مرات، تدخلا مباشرا، لمؤازرة حكم السلطان سعيد ضد عمليات التمرد ومحاولات الاستيلاء على الحكم من قبل أطراف من داخل أسرة البوسعيد. التدخل الأول حدث عندما قام السلطان سعيد برحلته الأولى إلى شرق أفريقيا عام 1829، وقد كلف ابن أخيه محمد بن سالم نائبا عنه، لكنه أيضا قام بسجن ابن عمه هلال بن محمد لأنه كان يخشى من طموحه في الاستيلاء على الحكم، وما أن اتخذ هذه الإجراءات وأبحر، حتى أشعلت جوخة بنت محمد شقيقة هلال قلاقل احتجاجا على سجن أخيها فاستولت على السويق. من جانبه قام حمود بن عزان بالاستيلاء على صحار التي كانت تحت حكم أبيه، ثم استولى على الخابورة ولوى وشناص، وباتت العاصمة مسقط مهددة. إزاء هذا التمرد الذي تقوده شخصيات من داخل أسرة البوسعيد، لم يجد نائب السلطان في مسقط وسيلة لمواجهته سوى اللجوء إلى حكومة بومبي التي استجابت بإرسال سفينة حربية رابطت أمام سواحل مسقط لحمايتها، وجهزّت سفننا أخرى للتدخل. وعند عودة السلطان إلى مسقط في مايو 1830 استغنى عن حماية السفينة الحربية البريطانية، مُفضلا التعامل مع الوضع بنفسه، فقام بالتفاوض مع حمود بن عزان على أساس أن يبقى الأخير حاكما على صحار مقابل دفعه جزية سنوية قدرها ثمانية الآلاف روبية إلى خزينة الحكومة، كما أنه أطلق سراح هلال بن محمد.

أما التدخل الثاني فحدث في مطلع العام 1832 عندما عادت تطلعات السلطان سعيد إلى شرق أفريقيا مجددا، فعهد بأمور الحكم إلى ابن أخيه محمد بن سالم وإلى ابنه هلال الذي عينه واليا على مسقط، كما عين سعود بن علي واليا على بركاء، وأبحر إلى ممباسا، وبمجرد إبحاره عادت القلاقل والانشقاقات إلى بيت الحكم، فقام سعود بن علي باعتقال نائب السلطان محمد بن سالم، وابن السلطان هلال بن سعيد، وتحرك حمود بن عزان للاستيلاء على الرستاق، عندها تدخل البريطانيون لحماية حكم السلطان سعيد من السقوط، فأبحر المقيم السياسي البريطاني في الخليج بقوة بحرية لحماية مسقط، وإنذار المتمردين بوجوب الخضوع للسلطان.

أما التدخل الثالث فجاء إثر التمرد الذي أشعله مجددا حاكم صحار حمود بن عزان باستيلائه على الرستاق، وتهديده سمائل وبدبد، حيث قام المقيم البريطاني في الخليج بزيارة إلى مسقط، وبعث بإنذار مكتوب إلى حمود بن عزان بأن يوقف تمرده على حكم السلطان سعيد، وإلا فإن بريطانيا ستعامله معاملة العدو، لكن هذا الأخير لم يبال بالإنذار البريطاني حدث هذا التمرد أيضا فور مغادرة سعيد بن سلطان الثالثة إلى شرق أفريقيا في نوفمبر 1833.

ويرى الباحث أن هذه التدخلات وإن كانت قد عززت حكم السلطان سعيد بن سلطان ضد تهديد منافسيه من داخل الأسرة البوسعيدية، فإنها لم تتوقف عند ذلك، بل امتدت لتقف في وجه التهديدات الخارجية، التي مثلّها الوهابيون والقواسم.

كما تحدث الباحث عن المواقف البريطانية من الحروب والصراعات مع القوى الخارجية مثل الدولة السعودية الأولى والقواسم.

ووصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن السلطان سعيد بن سلطان استفاد من القوة البريطانية، العسكرية والسياسية، لصالح تعزيز حكمه وتقوية دولته التي ستصبح امبراطورية مترامية الأطراف، في المقابل حقق البريطانيون، عبر تحالفهم مع السلطان سعيد، أهدافهم في التحكم في حركة الملاحة في الخليج، والسيطرة على الموانئ الرئيسية في المنطقة، ومنع منافسيهم الأوروبيين من الاستفادة من هذه الموانئ، معتبرا أن العلاقة بين الطرفين كانت تقوم على التكافؤ وتبادل المنفعة، بصرف النظر عن النتائج والآثار التي ستترتب على هذه العلاقة.

وأثارت ورقة العمل التي قدمها الباحث الكويتي الدكتور بنيان سعود التركي عن «دور الهنود في الرّق وتجارته في سلطنة زنجبار والموقف البريطاني منه» جدلا كبيرا، خاصة وأن الباحث انفعل كثيرا حين فتح الباب للنقاش وطرحت أسئلة على سبيل محاولة تفنيد ما جاء في الورقة. بشكل عام حاولت ورقة بنيات أن تلقى الضوء على دور الهنود كجالية ضمن الجاليات التي تاجرت واستقرت في شرق إفريقيا، والموقف البريطاني تجاه ممارسة الهنود للرق وتجارته، وكيف تعاملت مع الجالية الهندية حيال هذا الموضوع. وبالغ الباحث في وصف دور الهنود حتى أنه أشار إلى سيطرتهم على السيد سعيد بن سلطان نفسه.

ورأى الباحث أن الجالية الهندية مارست تجارة الرّق وشارك التجار والأفراد الهنود في هذه التجارة المُربحة بشكل مباشر أو غير مباشر. كما تحدث عن دورهم الاقتصادي مركزا على دور ملتزمي الجمارك ووكلائه على طول الساحل الشرقي لإفريقيا، وما يحصلون عليه من أموال كضريبة لعبور الأرقاء والمُقدرة بدولار ماريا تريزا على كل مملوك يدخل مناطق السلطنة، كما تحدثت ورقته عن الدور النشط للهنود في تمويل العرب والسواحليين للتوغل في الداخل الإفريقي موضحا ارتباط تجارة الرقيق بتجارة السلاح والعاج.

وتحدث عن تغاضي بريطانيا عن دور الهنود في دعم تجارة الرقيق والعاج والسلاح والمكاسب الاقتصادية والسياسية التي جنتها من وراء تشجيع الهنود على الاتجار والاستقرار في سلطنة زنجبار العربية وبالذات الهنود البانيان الهندوس. كما غضت النظر عن تجار هنود وبريطانيين في الهند ولندن ممن كانوا ممولين للتجار الهنود في زنجبار. وأشار الباحث إلى أن محاربة الرق وتجارة الرقيق ما هي الا ذريعة استغلتها بريطانيا لإبعاد منافسيها وفرض نفوذها وهيمنتها.

كما قدم الباحث الدكتور محمد الشعيلي ورقة في المؤتمر حملت عنوان «مقاومة بريطانيا للنشاط الفرنسي في عمان في عهد السيد سلطان بن أحمد»

وأشار الباحث إلى أن بريطانيا وفرنسا كانتا بين أكثر الدول التي اشتد بينها التنافس حول عمان، حيث حرصت كل دولة على محاولة إقامة علاقات مميزة مع حكام عمان، بل وصل الأمر بهما إلى التنافس بينهما من أجل احتكار هذه العلاقات، وتغليب كل دولة مصالحها على حساب الأخرى، وتحييدها في ذلك، إدراكا منها بأهمية عمان في علاقاتها الدولية، مما أدى إلى وجود الكثير من المشاكل بينهما نتيجة هذا التنافس.

وأشار الشعيلي إلى أن رغبة الفرنسيين في وضع حد للنفوذ البريطاني المتزايد في المنطقة، وعدم السماح لبريطانيا من أجل احتكار هذه العلاقات، وبالتالي حرصوا دائما على وضع العراقيل من أجل تحقيق ذلك. وأشار إلى أن وصول نابليون بونابرت إلى مصر في إطار الحملة الفرنسية كان يعد في مقدمة الأحداث التي أدت إلى تحرك بريطانيا بشكل عاجل من أجل وضع حد للنفوذ الفرنسي ومحاولة تقدمه نحو عمان والخليج، إدراكا منها بأن هذا النفوذ سيؤثر بالطبع على مكانتها في المنطقة، لأن بريطانيا كانت تدرك جيدا بأن وجود علاقات بين مسقط وقوى أخرى، سيثير لها المتاعب وسيؤثر على قوة تواجدها وأولوية اهتماماتها. وأشار الباحث في بحثه أن سياسة حكام مسقط كانت تتغير على حسب قوة إحدى الدولتين أو ضعفها، وكذلك على الظروف التي كانت تحيط بعمان في فترة عهد السيد سلطان والأطماع الخارجية التي يمكن أن تتعرض لها خاصة من قبل بعض القوى الإقليمية في المنطقة من الأسباب التي دعته إلى توقيع اتفاقية سياسية مع بريطانيا عام 1798م، حتى وإن كان على حساب النشاط الفرنسي المتزايد والملحوظ، مما يعني بأن حاكم مسقط وضع المصلحة العليا لبلاده فوق كل اعتبار، وحاجته بالتالي لبريطانيا من أجل تحقيق ذلك.

كما تحدث الباحث عن شخصيات بريطانية لعبت دورا كبيرا في تحييد النفوذ الفرنسي في عمان ومنطقة الخليج، واستغلوا إمكانياتهم والصلاحيات المتاحة لهم من أجل خدمة المصالح البريطانية وعرقلة الأطماع الفرنسية بمحاولة اقامة علاقات مميزة مع حكام المنطقة، مثلما فعل جون مالكولم الذي كان في مقدمة الشخصيات البريطانية التي كان لها دور مؤثر في العلاقات العمانية البريطانية في عهد السيد سلطان بن أحمد وفي حماية المصالح المختلفة للإنجليز، وحجم الجهد الذي بذله من أجل إقناع السيد سلطان لتوقيع اتفاقية جديدة عام 1800م تؤكد على ما جاء في اتفاقية عام 1798م، وبالتالي فإن هاتين الاتفاقيتين كانتا من الوسائل التي اعتمدت عليها بريطانيا لمقاومة النفوذ الفرنسي في عمان في عهد السيد سلطان بن أحمد.

وتنوعت مواضيع الأوراق التي قدمت أمس فطرح الدكتور عصام السعيد ورقة حول «عمان في كتاب الرحالة الأثري الإنجليزي ديفيد جورج هوجارث» وناقشت الباحثة سعاد السيابية الدور السياسي للمقيمين والقناصل البريطانيين وأثره على العلاقات البريطانية العمانية في فترة السيد سعيد بن سلطان. وناقشت الدكتورة شرين فضل الله دور عمان في تقليص تجارة الرقيق إضافة إلى عناوين كثيرة أخرى.

وشهد معرض الوثائق المصاحب لأعمال المؤتمر زيارات واسعة أمس من قبل متخصصين وكذلك نظمت الكثير من المدارس رحلات لطلابها لزيارة المعرض.