tunis
tunis
أعمدة

تواصل - مكان الميلاد: تويتر !

02 أكتوبر 2018
02 أكتوبر 2018

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول :

يعرف أن ابن خالته قد فتح حساباً في «تويتر» فيتابع حسابه في لحظتها، وينتظر بالمقابل أن يتابعه ابن خالته بدوره لكنه لا يفعل، يلاحظ أن ابن خالته ذلك يكتب تغريدات لا يتفاعل معها غيره فحسابه مازال جديدا لكنه مع ذلك لا يتابعه، يخبر والدته عن ذلك التصرف ويقول : « هل يعتقد أنه أحسن مني حتى لا يتابعني في تويتر كما تابعته، أنا سألغي متابعته وسأعمل له حظرا أيضا كي يتعلم احترام أقربائه»، يفعل ذلك فعلا، فتتوتر العلاقة من يومها بينه وبين ابن خالته والسبب « تويتر » !

مشهد ثانٍ:

يظهر بأنه متصل في حالة تطبيق الواتس أب، يراسله صديقه عدة مرات لكنه لا يرد رغم حالة الاتصال التي تظهر تصفحه لتطبيق الواتس أب في وقت إرسال الرسائل، يكتب له صديقه عن أنه يحتاج المساعدة لأنه في الشارع، فإطار سيارته الأمامي قد انفجر ويحتاج من ينقله لتصليحه ثم العودة لسيارته لتركيب الإطار، لا رد من الطرف الآخر لعدم انتباهه للرسائل لأن طفلته هي من كانت تمسك بالهاتف وتشاهد من تطبيق الواتس أب بعض فيديوهات الرسوم المتحركة التي أرسلتها عمتها، في الطرف الآخر يواصل ذلك الصديق إرسال الرسائل الواتسابية لنفاد رصيده من الاتصالات ، يغضب من صديقه فيحذف كل الرسائل التي أرسلها له ثم يقرر أن يحظر صاحبه للأبد فبحسبه : من لا يقف معك في الضراء لا يستحق صداقتك، هكذا دون نقاش أو عتاب والسبب الواتس أب .

مشهد ثالث :

كان زميلها في السنة الأخيرة في الدراسة الجامعية، لفت انتباهها بنشاطه في مختلف الجماعات الطلابية التي تجمعهما عضويتها، أحبته وأحبها، تخرجا واتفقا على الزواج، أضافها في قائمة الأصدقاء في صفحته في «فيس بوك» وقبلت إضافته، حدث أهله عنها، لكن قبل قرارهم بخصوصها كانا في كل مرة يختلفان كان أحدهما يقوم بحظر متابعة الآخر له في «فيس بوك » ملغياً كل المشاعر والاتفاقات والوعود بضغطة زر وكأنه لم تكن بينهما معرفة واقعية وكأن كل تلك العلاقة لا تتعدى إضافة أو حظر في «فيس بوك».

لقد جاءت وسائل التواصل الاجتماعي بأهداف عديدة منها تسهيل عملية التواصل بين الأفراد سواءً كانوا يعرفون بعضهم البعض قبل ظهور هذه المنصات أو أن تعارفهم جاء عن طريق أدوات التعارف والتواصل التي تتيحها، وهناك من استفاد فعليا من مساحة التواصل هذه وحظي بالعديد من علاقات القرب التي أصبح يعول عليها الكثير في حياته، بينما في المقابل هناك من أساء استخدام هذه الأدوات في تلك المنصات لدرجة أفسد فيها علاقاته الواقعية التي كانت قريبة جدا.

إن بعض التفاعلات في علاقات القرب الواقعية بعد ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت بحاجة للتوقف عندها للتأمل وأحيانا للدراسة، فهناك العديد من الأشخاص الذين يعتبرون أن عدم متابعة أحد أقربائهم لهم في هذه المنصات بمثابة التقليل من شأنهم وشأن علاقة القرب العائلية التي تربطهم، فهم يرون أن من الطبيعي أن أول من يقومون بمتابعة حساباتهم في تلك الوسائل هم أقرباؤهم هناك حتى لو كان المحتوى الذي يقدمونه غير ذي أهمية بالنسبة لأولئك الأقرباء وكان ذلك هو السبب الوحيد لعدم متابعتهم، فيبدأون بعدها بالاستياء الذي يتحول بدوره من تلك المنصات إلى واقع التواصل الحقيقي دون عتب واضح أو مصارحة أومكاشفة أو حتى تلميح عن الأمر، مع أن السبب وراء ذلك الاستياء لا يعدو أن يكون عدم متابعة من الأساس في تلك المنصات أو إلغاء متابعة إن حدثت.

قرارات واقعية تبنى بين الأقارب والمعارف بناءً على التفاعلات القائمة في تلك المنصات دون الرجوع للحديث المباشر بينهم وكأنهم تعرفوا على بعضهم البعض عبر تلك المنصات وليس عبر مساحة من المعرفة الواقعية واللقاءات الحقيقية المباشرة التي كشفت لكل طرف في تلك العلاقة عمق ومتانة علاقته بالطرف الآخر.

تلك العلاقات الواقعية قد تنتهي أيضا بمجرد اختلاف في وجهات النظر في تلك الوسائل، أو حتى شعور بأن ذلك القريب لم يساند قريبه في حوار جمع الأول مع آخر معارض في تلك المنصات أو ربما بسبب توقع لدعم منشوراته بإعادة نشرها في حسابه أو حتى تواصل عبر تلك المنصات لم يرد عليه في توقيت التواصل، لا يحدث بعدها عتاب ولا حديث، فقط قرار بالابتعاد مباشرة لدرجة تشعر فيها أن البشر أصبحوا افتراضيين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ويبنون قراراتهم بناءً على مواقف تحدث في تفاعلاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي وكأن مكان ميلاد وحياة هؤلاء المقربين جدا واقعيا هو تويتر أو فيس بوك أو انستجرام أو غيرها من المنصات الإلكترونية.