إشراقات

الإعلام ودوره في نشر الفضيلة

27 سبتمبر 2018
27 سبتمبر 2018

زهرة سليمان أوشن -

«في ظل هذه الموجات الإعلامية العاتية التي توجه الناس يمنة ويسرة، لا بد أن يكون للفرد المسلم دور في مواجهتها ومقاومة الرديء منها، ولا بد أن يكون واعيا تجاه هذه الوسائل، ولا يكون محايدا أو سلبيا، فدوره مهم وسلبيته ستعود وبالا عليه وعلى أسرته»

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون) سورة النور 19

هذه الآية في سورة النور التي وردت فيها حادثة الإفك وما صاحبها من محاولات لهز البيت النبوي الشريف وإشاعات بحق أمنا عائشة رضي الله عنها البريئة المبرأة.

وقد كان في السورة تسليط للضوء على أدواء عديدة للرذائل ووضع سبل الوقاية منها للفرد والمجتمع.

ومع الآية آنفة الذكر، ستكون لنا إطلالة طيبة معكم من خلال محورين أساسيين: «الأول الغوص في معاني وأبعاد هذه الآية الكريمة»، والثاني إسقاط فهمها على واقعنا المعيش من خلال التركيز على وسائل الإعلام ودورها السلبي والإيجابي وواجبنا تجاهها.

عند تدبرنا للآية الكريمة سنجد لها إيحاءات متعددة؛ فهي ترسم نفسية وسلوك بعض البشر وتضعنا أمام مآلهم التعيس لو استمروا على منهجهم المعوج.

فتحدثنا الآية أن هناك فريقا من الناس موجودون في دنيانا حبب إليهم وزينت لهم شياطينهم وأنفسهم الأمارة فوقعوا في نوع خاص من الحب، حب يتجاوز الخير والإصلاح، ويضرب صفحا عن البناء والتعمير، فتلك أمور لا تعنيهم ولا تخطر ببالهم، ولكنهم وجهوا قلوبهم إلى نوع عجيب من الحب هو عندهم أجل وأغلى، إنه حب إشاعة الرذائل ونشر الفساد، وقد أشربوا قلوبهم وغمروها بهذا النوع من الحب، فانعكس في واقعهم سلوكا يمارسونه في المجتمع دون حياء أو خجل.

فتراهم يسعون لتلويث مجتمع أهل الإيمان ويحاولون جاهدين خنق أجوائه الصافية وتكدير ينابيعه العذبة.

فيدمرون قيما مجتمعية راقية تقوم على العفة والفضيلة والاستقامة.

ولبشاعة جرمهم تعهدهم الله بعذاب أليم في الدنيا والآخرة، يتناسب مع الألم الذي سببوه لضحاياهم ويتجانس مع قسوة ما جنته أيديهم الأثمة وقلوبهم الحاقدة، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

وسبل إشاعة الرذائل في المجتمع متعددة وهؤلاء لهم طرقهم وأساليبهم المتنوعة التي يستخدمونها لتحقيق مبتغاهم، ولعلي في هذه الفسحة أذكر بعضها:

- تهوين سبل الرذيلة والسعي لتغير ثقافة المجتمع كي يتقبلها ويسكت عنها، ثم يتجاوز ذلك إلى التعايش معها والترحيب بها.

- عدم التحفظ في الحديث عن أعراض الناس والمساهمة في نشر وإذاعة الأخبار المتعلقة بخصوصيات الناس وزلاتهم.

- التدليس ورمي الناس بالباطل واتهامهم بما لم يرتكبوه وقذفهم بما لم يجنوه دون بينة أو دليل.

- الافتراء والكذب ونشر الشائعات لتشويه أهل الخير والصلاح.

- الاستهزاء بأهل الفضيلة وجعل العفة ثقافة تخلف وانغلاق والإقبال على الشهوات والرذائل ثقافة تحضر انفتاح.

وفي عصرنا الحاضر وهو عصر تطورت وتعددت فيه الوسائل الإعلامية خاصة وعامة، فضائيات ووسائط اجتماعية متنوعة.

في هذا العصر لا شك أن للإعلام دوره الخطير سلبا وإيجابا، بناء وهدما.

ونظرة سريعة لما يبث وينشر عبر وسائله تنبئك بأن له دوره في التأثير على أفكار الناس وتوجهاتهم بل وعلى قيمهم وأخلاقهم.

ولعلنا ونحن نتكلم عن هذا التأثر بهذه الوسائل نحاول أن نضع في نقاط أهم خصائصها في عصرنا الحديث.

- كثرتها وتعددها؛ ففي كل يوم تولد قناة تلفزيونية، بل ربما قنوات، ناهيك عن مئات ومئات الصفحات التواصلية التي تظهر في كل يوم حتى أصبحنا نشهد بلا مبالغة سيلا كبيرا من الوسائل الإعلامية.

- انتشارها الكبير وكثرة متابعيها من جميع الشرائح والفئات العمرية بغض النظر عن المكان والزمان والظروف الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية للأفراد.

- كثير منها تبحث عن الربح المادي، بغض النظر عن المبادئ أو القيم الأخلاقية النبيلة.

- التنافس الكبير بينها ومحاولة كل طرف تقديم رؤاه وأجندته للمتابعين، وربما تجاوز من أجل ذلك المعايير والضوابط المهنية والأخلاقية.

- التركيز من كثير منها على الكم وليس على الكيف وعلى الشكل وليس المضمون واتباع سياسة الإبهار والتشهير، والتهوين والتهويل غير المتوازنة في سبيل تحقيق ما تصبو إليه؛ إذ الغاية تبرر الوسيلة عند هؤلاء.

- قدرتها على الجذب والتأثير التي لم تعد اليوم خافية على أحد قد أخذت جزءا كبيرا من أوقات الناس؛ فنجدهم يقضون الساعات والساعات بين الشاشات والصفحات، فكيف بربكم لا يكون لها أثر على قلوبهم وعقولهم، ومن ثم على أفكارهم ومشاعرهم وسلوكهم؟

- الانتشار الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي أتاح للجميع النشر عليها والتصفح لها، وهي وسائل لا تخضع في الأغلب لمعايير المراقبة إلا المراقبة الذاتية، وينشر فيها الغث والسمين والحقائق والافتراءات، وقد اتخذها أصحاب النفوس المريضة ميدانا للتشويه والكذب وساحة لنشر الفضائح وتشويه الفضائل وبث وإشاعة الفواحش والرذائل.

إن كل ما ذكرناه من الخصائص والملامح التي حاولنا استقراءها من واقعنا حول وسائل الإعلام التي نشاهدها ونتصفحها، لا يعني أنه لا يرجى منها فائدة ولا يصدر منها نفع، وليس من الحكمة بمكان أن يكون موقفنا منها موقف العداء المطلق وغلق الأبواب دونها ومجانبتها كلها، ونبذها جملة وتفصيلا.

فهي وسائل محايدة فيها ميزات التقنيات العالية ولها تأثيرها سلبا وإيجابا حسب استخدامها ووفقا لفكر ومرجعية القائمين عليها، وإذا ما تحكم بها المصلحون من أهل الفهم والدراية فلا شك أنه سيكون لها تأثير واضح في نشر العلم والفضيلة والخير والرشاد، وستكون معاول بناء ونهضة ووسائل فلاح وبركة.

لذا لا بد لأهل الصلاح والإصلاح وأصحاب المثل والقيم أن يكون لهم دور فعال في مقاومة ومدافعة الغث الإعلامي السيئ بنشر القيم النبيلة وترسيخ هوية مجتمعاتنا الإسلامية القائمة على العفة والفضائل النبيلة، وعليهم الاستفادة من وسائل الإعلام وتقنياتها المعاصرة والإفادة عبرها للوصول إلى أكبر عدد من الجمهور والتأثير الإيجابي فيهم، والناس ولله الحمد فيهم الخير وفطرتهم لا زالت نقية، ومتى قدم لهم الطيب بشكل حسن في قالب جميل لا شك أنه سيلقى لديهم القبول والترحاب.

وفي ظل هذه الموجات الإعلامية العاتية التي توجه الناس يمنة ويسرى، لا بد أن يكون للفرد المسلم دور في مواجهتها ومقاومة الرديء منها، ولا بد أن يكون واعيا تجاه هذه الوسائل ولا يكون محايدا أو سلبيا، فدوره مهم وسلبيته ستعود وبالا عليه وعلى أسرته.

ولعلي في نقاط موجزة ألخص واجبات الفرد المسلم تجاه وسائل الإعلام:

- مقاطعة القنوات والبرامج التي تعمل على نشر الفساد وتدعو بشكل سافر إلى الرذيلة ونبذ العفة والفضيلة وتحقيرها والسخرية من أهلها؛ لأن مشاهدتها ومتابعتها تعد مشاركة لها في الإثم والبغي على الحق.

- استبدال الغث الخبيث بالطيب المفيد، ولله الحمد هناك العديد من الفضائيات في برامجها فائدة وإمتاع مع محافظتها على الضوابط والقيم الإسلامية والسعي لترسيخ الفضائل في الأجيال.

- المساهمة في دعم المناشط الإعلامية الطيبة التي تدعو إلى الفضيلة وترسخ ثقافة العفة في المجتمع، وذلك بالمال والحضور والمشاركة والنشر، كل حسب طاقته وقدرته. - تربية الأبناء على ثقافة العفة والحث عليها ومشاركتهم في اختيار المناسب من وسائل الإعلام بما يتناسب مع عمرهم وتوعيتهم بمخاطر الرديء منها، كل ذلك يتم وفقا لآلية تربوية حكيمة تقوم على الإقناع والحوار وإيجاد البدائل المناسبة، وليس على المنع والقهر، مما يقوي عندهم ثقافة المناعة والضبط الذاتي، ويعينهم على التمسك بمبادئ وقيم الإسلام التي تدعو إلى السمو الأخلاقي والقيمي.

- المشاركة الفاعلة في وسائل التواصل الاجتماعي ونشر ما هو مفيد ويدعو إلى الأخلاق الحميدة، ويتم ذلك بالكتابة الشخصية أو المساهمة في النشر أو تشجيع الأقلام الهادفة. - الحذر من إعادة نشر ما هو سيئ ومخالف لأوامر ديننا الحنيف ويدعو إلى الرذائل ويهوي بالإنسان إلى قاع البهيمية، ومقاومة الصفحات التي تدعو إلى الانحلال الخلقي وتنهج منهج الانحراف عن سبل الفضيلة.

- عدم الاستهانة بمشاهدة ومتابعة الأفلام ومقاطع الفيديو التي تحتوي لقطات فاضحة ومشاهد تخدش الحياء بل تنحر الفضيلة وتدعو جهارا نهارا للفحش من القول والفعل، فنحن مسؤولون عن وقاية جوارحنا وحواسنا من هذه الأوساخ القذرة التي لا تأتي إلا بالأسقام والعلل، والله في كتابه يقول لنا: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) الإسراء من الآية 36، وبداية الانحراف قد تكون بالتهاون في مشاهدة ما نظنه هيئنا وهو عند الله عظيم، والله في كتابه يحذرنا قائلا: (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر) النور من الآية21.