994103
994103
إشراقات

المعلم .. ودور رائد في تعليم الطلبة وغرس القيم والمبادئ الأخلاقية في نفوسهم

27 سبتمبر 2018
27 سبتمبر 2018

الإسلام يحث على طلب العلم والاهتمام بشتى فنون المعرفة -

المرشدة الدينية: مروة بنت مرهون السيابية -

خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه اللسان الناطق والعقل الراجح ووكله مسؤولية الخلافة على الأرض، فالإسلام كان وما يزال يحفز الإنسان لطلب العلم النافع، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به».

العلم صورة من صور العبادة، فالمعلم يعبد الله تعالى إذا علّم الناس الخير، والمتعلم يعبد الله تعالى حين يسعى بعلمه نحو الحقيقة والخير، والميدان لهذه العبادة هو الكون بما فيه من مخلوقات الله تعالى، والإنسان محور مناط التكليف، فديننا الحنيف يؤكد على استمرارية التعليم مدى الحياة.

والإسلام يحث على طلب العلم والاهتمام بجميع مجالات العلوم وحقول المعرفة التي تقوي الإيمان بالله تعالى التي تفيد وتطور الفرد والمجتمع، وهذا ما تعبر عنه وحدة الإنسانية، يقول الله سبحانه وتعالى: (إنّ في خَلقِ السّمواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنّهارِ لآياتٍ لأولي الألبابِ الذّينَ يَذكرونَ اللهَ قيامًا وقعودًا وعلى جُنوبِهم ويَتفكرونَ في خَلقِ السّمواتِ والأرضِ ربَّنا ما خَلقتَ هذا باطِلًا سُبحانَك فَقِنا عَذابَ النّارِ).

إسلامنا يدعونا إلى إيجاد التوازن بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة، فقد قال تعالى: (وَابتغِ فيما آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخِرةَ ولا تَنسَ نَصيبكَ منَ الدّنيا)، إن أفضل استثمار على وجه الأرض هو الاستثمار في الإنسان، وأفضله وأخلده هو الاستثمار في عقل الإنسان، وأهم عامل لإنجاح منظومة التعليم هو المعلم، وإن الطالب بين يدي معلم قوي يستطيع أن يحصل على الحصيلة العلمية المطلوبة أضعافًا مضاعفة.

التعليم نشاط مهني مقصود ومنظم يقوم به المعلم عبر مراحل ثلاث هي: التخطيط والتنفيذ والتقويم، بهدف مساعدة المتعلمين على التعلم، وهو نشاط قابل للتحليل والملاحظة والتقويم بهدف التطوير المستمر، فالتعليم يتسع للتطوير والتغيير كلما دعت الحاجة إلى ذلك؛ لما له من ارتباط بواقع المجتمع وبتغيرات الحياة وبحاجاته ومشكلاته المتطورة. حتمًا التعليم يختلف في كل زمان ومكان، ويتطور بشكل مستمر، ولكن تظل أركان التعليم كما هي لا تتغير: الطالب والأسرة والمدرسة، فهم الأساس في منظومة التعليم، فإذا حصل خلل في أحد هذه الأركان سيحصل خلل بكل تأكيد في هذه المنظومة التعليمية، وحينها لن تتحقق الفائدة المرجوة. التعليم ذو أهمية كبيرة بالنسبة للإنسان وللمجتمع حيث إنه يسهم في بناء الفرد، وينمي الأخلاقيات السامية بداخله، ويمنحه الفرصة لإثبات ذاته، وتحقيق أهدافه، وطموحاته، والحصول على فرصة عمل مناسبة، ومكانة اجتماعية مرموقة، ويعتبر التعليم هو الحجر الأساس لرقي المجتمع وتقدمه؛ وذلك لأنه لا يمكن لمجتمع أن يتقدم إلا بسواعد أبنائه، وكلما زاد عدد الأشخاص المتعلمين زاد مستوى الوعي والثقافة لدى أبناء المجتمع، مما يسهم في القضاء على الكثير من المشكلات من بينها: الجهل والفقر ويحد من انتشار الجرائم، ويسهم في تحقيق الرخاء الاقتصادي.

وإذا أتينا للحديث عن المعلم نجد أنّ المعلم المسلم شخص ممتهن لمهنة التعليم قبل كل شيء، فيجب عليه أن يحافظ على مهنته وينميها، فيلزمه الاستعداد العلمي والمهني لها، وأن يكون ابتكاريًا في الارتقاء والسمو بالمهنة، وأن يطوّرِ طاقاته في وقت سريع ذلك عن طريق امتهانه للتعليم، وفهمه للطالب الذي يتعامل معه، وأخذه بالإسلام عقيدةً وسلوكًا بهدف الإصلاح الذي يوصل الطالب إلى الحياة الطيبة المستقيمة، وأن يكون شخصية مميزة يمتاز بالصبر والأخلاق الطيبة؛ لأن دوره ليس فقط توصيل المعلومة للطلاب بل غرس القيم والمبادئ الأخلاقية السامية في نفوسهم.

ربما تكون هناك حوادث وسلوكيات سيئة تحدث في البيئة التعليمية، ولكن ينصب أغلبها حول غياب لغة الحوار بين الطالب والمعلم، وهذا يعد عنصرًا أساسيًا في منظومة التعليم، حيث إن فهم الطالب جيدًا، ومعرفة نفسيته، وفيما يفكر وكيف يفكر، ومناقشته باستمرار، وعدم استخدام أساليب الإهانة يسهل على المعلم إيصال الرسالة التي يعمل من أجلها.

وإذا أردنا تطوير المنظومة التعليمية يجب التركيز في المقام الأول على تطوير المعلم، وذلك بعقد الدورات التدريبية لإطلاعهم على أساليب وطرق عرض وشرح المعلومات للطلاب، وكذلك التواصل معهم بشكل فعّال، واستخدام الأجهزة الحديثة معهم.

التعليم التربوي يتمثل في صياغة الفرد صياغة حضارية، وإعداد شخصيته إعدادًا شاملًا ومتكاملًا، من حيث العقيدة والذوق والفكر والمادة، وبناؤه وتقويمه؛ وبذلك يصبح المسلم منذ طفولته، إلى آخر مسيرة حياته صاحب رسالة أيًّا كان موقعه ومنصبه، ويكون حريصا على إتقان ما يعمله ويبدع فيه، وبهذا يكون قد زود أمته بالمبتكر الجديد، واستجاب لأمر الله تعالى في وجوب الإعداد الدائم لما استطاع من مظاهر القوة المتنوعة، ومن جهاد شامل في كل جوانب الحياة.

التعليم التربوي يحظى بإيضاح وسائل تهذيب النفس، وتعديل السلوك اللاسوي وكبح الرغبات الشاذة، من أجل مجتمع إسلامي يتوافق فيه سلوك الفرد مع شريعة الله السمحة، وبما أمر الله به في كتابه العزيز، وما أرشدنا به نبي الهداية وخاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم من سنة مباركة متكاملة، والهدف التربوي من وراء ذلك هو إعداد أجيال في أمة الإسلام يتسم سلوك أفرادها بالالتزام والضبط الديني والضبط الاجتماعي والمستوى الأخلاقي الفاضل، وهو الذي من خلاله يمكنهم من معايشة غيرهم ممن هم في مصاف الملتزمين أخلاقيًا، والموفقين في حياتهم الاجتماعية، وفي هذا ما يحقق للفرد المسلم جادة الصواب والاستقامة والهداية والاعتصام بحبل الله المتين واتباع سبل الهداية والابتعاد عن سبل الغواية، فلا يتبع الفرد أهواء نفسه، ولا يستجيب إلى الضلال والفساد، بل يتحكم في أهوائه، ويسترشد بما أمر به الله تعالى وبسنة نبيه المطهرة. المنظومة التربوية لا يمكن أن ينفصل فيها التعليم عن التربية؛ ذلك أن المنظور الشامل للرسالة التعليمية يقصد به تكوين شخصية المتعلم في مختلف أبعادها، والمتعلم اليوم محتاج أكثر من أي وقت مضى – إضافة إلى المعارف والمهارات – إلى منظومة قيم ذاتية، واجتماعية، ووطنية، وكونية وإنسانية تمكنه من استيعاب ثقافته وحضارته والانفتاح الواعي على الثقافات والحضارات الأخرى، كما أنه محتاج إلى معايير يزن بها ما يفد عليه من مبادئ وأفكار ليميز الخبيث من الطيب، ومحتاج أيضًا إلى أن يعرف غيره في إطار التواصل المفتوح النابع من دينه وحضارته.

كما نجد أن السلوك الإيجابي يظهر في سلوكيات المتعلم مع أقرانه ومع المحيط الاجتماعي العام مما يدل على وجود قيمة معينة في وجدان المتعلم وجهت سلوكه إلى فعل الخير ولجمته عن الشر، ويشترط في هذا السلوك لكي يكون مؤشرًا طبيعيًا صادقًا أن يتكرر لمرات عديدة في مواقف مختلفة مع التحرر ما أمكن من المؤثرات الخارجية.

ومما يجدر الإشارة إليه أن تأهيل الناشئة لحمل أمانة الله وتبليغها إلى من بعدها أمر ضروري لبقاء النظام التربوي الإسلامي الذي ربى به الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته وساروا على هديه في تنشئة أجيالهم، حيث إنه وازع لهم لهم لتقويتهم على مراعاة حرمات الله تعالى.

الأسرة الأصل الذي يخرج منه الطالب فلا بد أن يكون لها دور في توعية الطالب وتوجيهه، ومراقبة سلوكياته، ومتابعة تحصيله العلمي، وفتح نقاش دائم ومستمر مع المعلم؛ لتدارك أي أخطاء أو مشكلات قد تحصل لتحقيق الهدف الأسمى وهو التعليم.

ومن أجل إيجاد أجيال قادرة على العمل بكفاءة في مختلف القطاعات، فالتعليم هو السلاح الذي يتسلح به الفرد، فيخلصه من الفقر والجهل، وحل الأزمات والمشكلات التي يمكن أن يقع فيها بأفضل الطرق، واتخاذ القرارات السليمة، وتنمية الوعي الفكري والثقافي لدى الفرد، وبالتالي فإنه يقود الوطن إلى التقدم على غيرها من الدول.