aseem1
aseem1
أعمدة

نوافذ : الأجر ليس في بناء المساجد وحدها

22 سبتمبر 2018
22 سبتمبر 2018

عاصم الشيدي -

[email protected] -

ينفق الأفراد في عُمان على بناء المساجد بشكل باذخ، طلبا للأجر، وهذا جيد في حد ذاته على اعتبار أنها بيوت الله وقد أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه. ولكن ليست وحدها المساجد التي يمكن للإنسان أن يحصل من وراء بنائها على الأجر والثواب في الدنيا والآخرة، فبناء الدول لا يقوم على المسجد وحده في هذا العصر بشكل خاص، فهناك المكتبات، وهناك المدارس، والمستشفيات، والحدائق، والمسارح، ودور السينما والمراكز الثقافية؛ لأنها مجتمعة تشكل مفردات الحضارة وقبلها مفردات بناء مرافق الدولة التي تلبي حاجة الأفراد على اختلاف توجهاتهم.

أما بناء المساجد وحدها بهذه الكثرة، على أهميته، فلا يضيف قيمة كبيرة بعد تخلي المسجد عن رسالته الحضارية وبقي مكانا لأداء الصلاة فقط وهذا موضوع طويل أيضا ناتج عن تعدد الخطابات الدينية في العالم العربي.

كان العمانيون يعتنون كثيرا ببناء المكتبات، على سبيل المثال، فلا تكاد حارة من حارات عُمان تخلو من مكتبة كبيرة أو اثنتين، وفق إمكانيات ذلك الزمان، يرتادها طلاب العلم، وينشئون على كتبها وما تحويه من علوم دينية ودنيوية، هذا عدا المكتبات الخاصة التي تحمل الطابع الشخصي جدا وإن لم تقتصر على صاحب المكتبة فقط وعم نورها على الجميع. ولو كان المسرح معروفا في عُمان في تلك المراحل لبنى أئمة عُمان وسلاطينها في القرون الماضية، وكذلك الأفراد مسارح وقاعات للسينما ودور لتعلم الموسيقى فقد كانوا بناة دول وحضارات ويدركون أن الدول لا تقوم على بناء مبنى واحدا للصلاة فقط.

والأسماء التي خلدها التاريخ في عُمان لم تبنِ المساجد فقط ولكنها ساهمت في بناء حضارة المجتمعات التي عاشوا فيها من خلال المساجد ومن خلال المفردات الأخرى التي لا تقل أهمية.

في قرية شيدة التي ولدت فيها كان الناس يوقفون الكثير من أموالهم لعمارة المساجد وللحج ولتكفين الأموات وعمارة الأفلاج ولكن أيضا كانوا يوقفون أموالا أخرى للمدرسة، مدرسة القرية التي كان الطلاب يتعلمون فيها القرآن والنحو واللغة، وهذا حاصل في كل عُمان ويمكن أن نقرأ من خلاله سعة أكبر في نظرة الآباء والأجداد على تعدد مفردات بناء الحضارة.

ما أحوج قرانا اليوم إلى مشاريع ثقافية تتبناها الولايات أو القرى لبناء مكتبات عامة تكون مرجعا ثقافيا في مكانها، وبناء دور للسينما حتى ولو أخذت طابعا اقتصاديا وعائدها كبير ومضمون، وإلى بناء مسارح تعمل على تنشيط الحراك المسرحي في البلاد. في كل الدول العربية والأجنبية التي زرناها نجد مكتبات عامة تبرع ببنائها أغنياء تلك البلاد، ويرعونها لأنها تحمل أسماءهم وتحمل هاجسهم نحو المشاركة المجتمعية، وهناك مسارح بناها الأفراد وهناك الأندية الثقافية، والمتاحف الضخمة التي لا تقل مكانة عن تلك التي تبنيها الدول.

هذا البعد الحضاري غير متوفر معنا بالصورة التي تجسد بعضا من ماضينا، صحيح أن هناك بعض المشاريع من مختلف هذه المفردات ولكنها تبقى بسيطة وقليلة بالنظر إلى حجم عُمان وإمكانيات الأفراد فيها وحجم طموحاتهم.

شخصيا من هذا المنبر أدعو أغنياء عُمان لدعم مثل هذه المشاريع الثقافية لنراها منتشرة في كل القرى العمانية لأنها أساس من أسس بقائها وتطورها بوها يمكن أن نرى مجتمعا مختلفا تماما.

وهناك نماذج لمشاريع صارت جزءا من نسيج الدولة ينظر لها اليوم بكثير من الإعجاب مثل مشروع بيت الزبير، ومثل مشاريع السيد على بن حمود البوسعيدي في نشر الكتاب العماني وفي وجود متحف بيت الغشام وجهوده في تشكيل فرقة مسرحية، وهناك مكتبة الندوة العامة في ولاية بهلا. لكن هذا ليس كل ما بالإمكان فهناك آخرون يستطيعون، ماديا، بناء مراكز ثقافية متكاملة في ولاياتهم وتشغيلها، وهناك آخرون يستطيعون وقف بعض أموالهم لاستمرار تشغيل مشاريع ثقافية قائمة اليوم، وكل مشروع يبدأ بخطوة فمتى تكون هذه الخطوة؟!!