987229
987229
المنوعات

«الصرب» في ظفار.. طقوس وطبيعة متجددة وجو صحو على بحر العرب

21 سبتمبر 2018
21 سبتمبر 2018

مكتب صلالة – عامر بن غانم الرواس -

انقضى الموسم السياحي في محافظة ظفار وبدأ أمس موسم يكاد يكون أكثر منه جمالاً وروعة وهو ما يعرف بـ (الصرب) محلياً هنا في محافظة ظفار.. ولموسم الصرب في ظفار طقوس وعناوين براقة حيث تنجلي فيه الغيوم ويتبدد فيه الضباب الذي كان يلازم جبال ظفار طيلة الموسم السياحي، وفي الصرب تصفو مياه بحر العرب وتهدأ هدير أمواجه وتبدأ رمال شطآنه باستعادة بريقها الذي سلبه الخريف فتبدو رماله فضيةً ناعمة وكأن أشعة الشمس تجففه من الرطوبة التي كانت عالقة به طيلة موسم الخريف، لموسم الصرب سحر لا يدركه إلا من عايش كل الفصول في محافظة ظفار وحتماً سيشعر بجمال هذا الموسم، حيث تأثير هذا الموسم يبدأ من خلجات النفس تأثيراً روحياً قبل أن نشعر بالتغيّر الحسي الذي نحس به ينعكس على الطبيعة من حولنا.

ولو بدأنا بالحديث عن موسم الصرب في ظفار وقيمته لدى أبناء المحافظة فلا بد أن نبدأ بالأسبوع الأخير الذي يسبق دخول موسم الصرب مباشرةً حيث تبدأ خلال ذلك الأسبوع الوداعي للموسم السياحي الشمس بالظهور بين الحين والآخر طوال اليوم لأن الغيوم التي كانت تحجبها لم تعد بتلك الكثافة وكما أن الرذاذ الماطر يتذبذب وقد ينقطع نهائياً وتنجلي عن الجبال سترها “الضباب” الذي كان يلفها وتبدو شامخة خضراء كأنها مكسوة بلباس أخضر من أسفل الجبال إلى شماريخها وتبدو زاهية لتراها العين دون أن تمل من النظر إليها والزهور تتفتح بمختلف ألوانها والفراشات تتنقل من زهرة إلى أخرى بألوانها الزاهية.

ولموسم الصرب استقبال جميل عند أهل ظفار قديماً ويفرحون بقدومه كثيراً بل ويعد أفضل المواسم على الإطلاق بالنسبة لهم حيث يستقبلونه في الريف بالأهازيج التقليدية كالهبوت وفن المشعير، ولديهم مثل قديم متعارف عليه يعكس قيمة فصل الصرب لديهم وهو ” إصرب بش آفلوك إيدفر يسينود إنوف” ويعني هذا المثل أو المقولة أن ”الصرب” أي موسم الصرب فيه الخير الكثير حتى العالة على المجتمع يسد احتياجاته بنفسه، وهذا دليل على ابتهاج المجتمع المحلي في ظفار بموسم الصرب حيث يفتح بحر العرب ذراعيه لمرتاديه ويفيض عليهم من كرمه وخيراته بعد أن منعتهم أمواجه الهادرة عن ركوب البحر طيلة الموسم السياحي ، وعادةّ ما يكون بحر العرب في موسم الصرب ذلك البحر الهادئ الجميل ذو الزرقة الصافية ويفرح مرتادو البحر كثيراً بهذه الأجواء والذي يبدأ فيه موسم ” الضواغي ” وهي عملية صيد أسماك السردين بالطرق التقليدية حيث يستخدم أغلبه كعلف للمواشي بعد تجفيفه، والضواغي هي جمع لمفردة ضاغية وهي عبارة عن مجموعة من المواطنين تتراوح أعدادهم من 30- 50 شخصاً يعملون بشكل جماعي في اصطياد أسماك السردين بالطرق التقليدية ومن ثم يقومون ببيعه وتقاسم قيمته بحسب النظام المعمول به فيما بينهم، ومع بداية موسم الصرب من كل عام يجتمع مسؤولو الضواغي ويحددون اليوم الذي سوف يبدأ فيه النزول للبحر ويسمى ذلك اليوم بـ”الفتوح” أي يوم افتتاح موسم عمل الضواغي.

وكما أن في موسم الصرب يتم حصاد بعض المحاصيل الزراعية التي تم زراعتها في موسم الخريف كالخيار والذرة والفاصوليا والذي يعرف محليا ” الدّجر”، وفي موسم الصرب يتم إنتاج أجود أنواع السمن البلدي الذي لا تستطيع الحصول عليه بتلك السهولة بسبب كثرة الإقبال عليه كون أن الأبقار المنتجة للسمن تكون قد بدأت بالرعي الطبيعي منذ موسم الخريف معتمدة في غذائها على مختلف أنواع الأعشاب الطبيعية حيث تنمو وتزدهر المراعي الطبيعية في الموسم السياحي وتمتد إلى موسم الصرب.

ولأصحاب الإبل في موسم الصرب مزاج خاص يختلف عن باقي مكونات المجتمع المحلي في ظفار حيث تبدأ الإبل في رحلتها الموسمية الاعتيادية وما تعرف محلياً بـ«خطيل النوق» وقد أتت كلمة خطل بأكثر من معنى في المعجم الوسيط حيث أتت بمعنى الخفة والاسترخاء والتلوَي والتبختر في المشية ولعل هذه المعاني قريبة جداً من مصطلح ”خطيل النوق” حيث إن عادة الإبل في ظفار تنحصر طيلة موسم الخريف إما في السهل أو في القطن وهي المنطقة المنبسطة ما بعد الجبل لأنها لا تستطيع التكيف والمكوث في الجبل أثناء موسم الخريف بعكس الأبقار التي تتكيف بشكل طبيعي جداً في الجبل مع موسم الخريف ونتيجة لانحصار مكوث الإبل في السهل أو القطن طوال موسم الخريف فهي تكون تواقة لانجلاء موسم الخريف ليتسنى لها التمخطر في الجبال والأودية.

ومن هنا أتت هذه التسمية حيث تسرح الإبل في موسم الصرب على شكل قطعان كل قطيع يتراوح ما بين 500 – 2000 رأس من الإبل في عدد من الأودية الشهيرة باحتواء هذه القطعان في كل موسم مثل وادي قوصد وجنين ووادي خشيم ووادي نحيز ووادي دربات وثيدوت وريثوت ووادي غيضت بالإضافة للعديد من المناطق الجبلية الأخرى في ظفار.. وخلال رحلة خطل الإبل في الجبال والأودية الخضراء يتم مرافقتها حيث ما حلت مجموعة من الرعيان وهم ملاك هذه القطعان لمدة شهر أو شهرين تنتقل فيها هذه القطعان من مكان إلى آخر ويسود فيه جو المتعة والترحال أشبه بالرحلات السياحية الخلوية في الطبيعة الخضراء حيث يهربون من صخب الحياة اليومية الاعتيادية إلى نوع آخر من الحياة بين أحضان الطبيعة ويتخلصون في تلك الفترة من كل ما هو مرتبط بالحداثة والمدنية والكثير من ملاك هذه الإبل يحرصون على قضاء إجازاتهم الأسبوعية وتأجيل إجازاتهم السنوية لهذا الموسم. وكما تنتشر قطعان الأغنام بكثرة في الجبال في موسم الصرب وخاصة في المنطقة الشرقية المتاخمة لجبل سمحان وتتميز الأغنام والأبقار والإبل في موسم الصرب بوفرة إدرار الحليب لما تنعم به هذه الأنعام من مراع طبيعية غنية ويقبل الكثير من المواطنين في ظفار في فترة الصرب بالذات على شرب الحليب الطازج بكثرة لما يحتويه من مواد غنية ومفيدة للجسم بسبب المراعي الطبيعية طيلة الموسم.