أفكار وآراء

الحافلات المدرسية ومسؤولية الإعلام التربوي

19 سبتمبر 2018
19 سبتمبر 2018

أ.د. حسني نصر -

إن الواقع التعليمي في السلطنة يزخر بالعديد من القضايا التي تحتاج إلى رؤية مختلفة سواء من جانب إدارة الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم أو من جانب الصحف ووسائل الإعلام العُمانية.

تولي وزارة التربية والتعليم الإعلام أهمية كبيرة وتضعه ضمن أولوياتها، باعتباره جسرا مهما لتحقيق التواصل سواء مع المجتمع أو بين أطراف المنظومة التعليمية المختلفة. ولعل من أهم معالم هذا الاهتمام تخصيص الوزارة مديرية كاملة للإعلام التربوي يعمل بها فريق كبير من الإعلاميين والتربويين، وتقوم على إمداد الصحف ووسائل الإعلام المحلية بالأخبار والصور والتقارير الإذاعية والتلفزيونية اليومية، إضافة إلى تولي مسؤولية الإصدارات الإعلامية للوزارة من مجلات ونشرات وبرامج إذاعية وتليفزيونية.

ورغم ان شهادتنا في القائمين على الإعلام التربوي بالوزارة قد تكون مجروحة الى حد ما، لأنهم جميعا إما زملاء أفاضل، أو طلاب علم سعدنا بالتدريس لهم والإشراف على تأهيلهم سواء في مرحلة البكالوريوس أو مرحلة الماجستير، فإن من الضروري في مقدمة هذا المقال ان نقر بأن هناك جهودا كبيرة يبذلها جميع العاملين في حقل الإعلام التربوي لأداء الرسالة المنوطة بهم وتحقيق الأهداف التي أوكلتها الوزارة إليهم، والتي تتبلور في اطلاع المجتمع على ما تقوم به الوزارة بهيئاتها المختلفة في سبيل إعداد أجيال جديدة من أبناء عُمان إعدادا علميا وتربويا متميزا، ليكونوا ذخيرة بشرية متجددة للوطن، تسهم في استدامة النهضة وتعزز مكانة الدولة في المحيطين الإقليمي والعالمي. وفي هذا الإطار لا يمكن أيضا فصل جهود الإعلام التربوي عن جهود وسائل الإعلام العمانية التي تفسح المجال لنشر كل ما ترسله لها إدارة الإعلام التربوي، وتقدم تغطية إعلامية واسعة للشؤون التعليمية والتربوية.

أين المشكلة إذن؟ الواقع ان الأمر لا يخلو من مشكلات كشف عنها الواقع أكثر من مرة، وآخرها حادث وفاة طفل في حافلة مدرسية في الأسبوع الأول من العام الدراسي نتيجة نسيان السائق له داخل الحافلة. لم تكن هذه الحادثة هي الأولى وسبقتها حوادث أخرى مماثلة في الأعوام السابقة. ورغم فداحة الخسارة وطريقة تعامل الوزارة والجهات المختلفة بالدولة معها، يبقى السؤال قائما: وما علاقة الإعلام التربوي بمثل هذه الحوادث؟ الإجابة عن هذا السؤال تتطلب استعراض عدد من الاعترافات التي تصل لدرجة الحقائق والتي يمكن ان تسهم في فهم علاقة الإعلام التربوي بالحادث وغيره من الحوادث والقضايا التي تشغل الوسط التعليمي.

أول هذه الحقائق ان عملية النشر عن الحادث ظلت بعيدة عن متناول الإعلام التربوي بالوزارة وفي ايدي نشطاء شبكات التواصل الاجتماعي والصحف الالكترونية، الى ان قامت الوزارة بإصدار بيان رسمي عن الحادث. ويمثل هذا التأخر في التعامل الإعلامي مع الحادث قصورا واضحا في فهم دور الإعلام التربوي الذي لا يقتصر على الترويج لإنجازات الوزارة ومتابعة الأنشطة المدرسية، وإنما متابعة جميع أطراف العملية التعليمية من طلاب وأولياء أمور ومعلمين وليس فقط متابعة تحركات وأنشطة المسؤولين ومديري المدارس.

من المؤكد أن مسؤولية النشر والتوعية بخطورة مثل هذه الحوادث لا يتحملها الإعلام التربوي وحده، وتشاركه فيها الصحف ووسائل الإعلام التي ما زالت تقصر تغطيتها للشأن التعليمي والتربوي على ما تجود به عليها إدارة الإعلام التربوي بالوزارة من أخبار وتقارير وصور. وهنا علينا ان نعترف بأن الصحافة العمانية تفتقر الى وجود محررين متخصصين في التربية والتعليم، وتعتمد على محرري الشؤون المحلية بشكل أساسي، إلى جانب ما يقدمه لها الإعلام التربوي الرسمي.

والمعروف أن معظم صحف العالم وحتى الصحف في بعض الدول العربية تقوم بتخصيص محررين لتغطية شؤون التعليم على المستوى القومي، فيما توكل هذه الشؤون على المستوى المحلي إلى مراسليها في المدن المختلفة. ويأتي غالبية محرري شؤون التعليم المتخصصين في الصحف العربية والعالمية من بين مندوبي الصحف الذين يقومون بالتغطية اليومية لوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي، بالإضافة إلى مندوبي الصحف في الجامعات المختلفة. ويحتفظ هؤلاء المحررون بعلاقات جيدة مع المسؤولين بهذه الوزارات والجامعات تمكنهم أحيانا من تحقيق انفرادات صحفية خاصة بالتعليم والجامعات. وغالبا ما تخصص الصحف الكبرى صفحات أسبوعية لشؤون التعليم والمدارس وصفحات أخرى لشؤون التعليم العالي والجامعات.

ويمثل غياب هؤلاء المحررين المتخصصين في الصحف العمانية ظاهرة غريبة لا تتناسب مع الأهمية الكبيرة التي توليها حكومة السلطنة للتعليم، ولا مع أهمية التعليم بالنسبة للأسر العمانية، ولا مع الأهمية التي توليها الصحف نفسها لنشر الأخبار التعليمية والتي تحتل مساحات واسعة منها.

إلى جانب ذلك فإن الحقل التربوي والتعليمي في السلطنة يتميز بتوافر المصادر وتعددها، والتي يمكن أن تؤمن للصحف تقديم تغطية يومية ناقدة ومتميزة تلبي حاجات القارئ العماني. ولعل أول ما نوصي به صحفنا هنا هو تأسيس أقسام تحريرية مستقلة للتعليم وفصلها عن قسم الشؤون المحلية الذي من الطبيعي ان تختلط فيه الأمور وتضيع في أروقته بعض الأحداث التعليمية المهمة.

ومن واقع التماس المستمر مع الصحفيين الذين تسند اليهم أحيانا تغطية أنشطة ذات طابع تعليمي، نستطيع ان نقول ان بعض الصحفيين ينظرون إلى العمل في تغطية الشؤون التعليمية على انه عمل ممل خال من الإثارة، إذ نادرا ما تكون لديهم قصص مهمة ومثيرة للاهتمام بالمقارنة بمجالات أخرى. والحقيقة أن هروب الصحفيين من تغطية الشؤون التعليمية ليس بسبب عدم أهمية قطاع التعليم، ولكن بسبب طريقة التغطية التقليدية التي تسير عليها وسائل الإعلام في تقديم أخبار وقضايا التعليم، والتي تركز على المصادر الرسمية وإدارات التعليم وإدارات العلاقات العامة بها وكلها مصادر تجعل التغطية وردية وفقيرة الى حد كبير.

ولا يقف الأمر عند حد غياب محررين متخصصين في التعليم ويمتد الى غياب كتاب متخصصين أيضا في هذا المجال. والمعروف أن هناك فارقا بين محرر التعليم الذي يجمع ويحرر أخبار التعليم ويجري الحوارات والتحقيقات، وبين كاتب الشؤون التعليمية، الذي يتولى مهمة تحليل وتفسير الأحداث والقضايا ذات الصلة بالتعليم. وإذا كان من الممكن أن نجد محررين في هذا المجال التعليمي، فانه من الصعب ان نجد كتابا متخصصين يستطيعون تقييم الأحداث والقضايا والقرارات التعليمية، وإرشاد القراء الى القرارات الصحيحة في هذا المجال.

ان الواقع التعليمي في السلطنة يزخر بالعديد من القضايا التي تحتاج الى رؤية مختلفة سواء من جانب إدارة الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم أو من جانب الصحف ووسائل الإعلام العُمانية.

ولعل حادث وفاة الطفل في الحافلة المدرسية تكون حافزا لكل الأطراف المتصلة بالإعلام للبدء في تقديم تغطية غير تقليدية للأحداث والقضايا التعليمية تتجاوز التغطية الوردية التي تقدمها إدارة الإعلام التربوي أو الإدارات التعليمية والمدارس، لأن وظيفة هذه الجهات هي جعل الأشياء جميلة أمام الناس. إننا نتطلع الى اليوم الذي نجد فيه تغطية صحفية تعليمية يقدمها محررون متخصصون من داخل المدارس والفصول والحافلات المدرسية. من المهم في هذه المرحلة ان يعرف الناس ما يدور داخل فصول المدارس وليس ما يدور داخل مكاتب الإدارات التعليمية، ومن المهم أكثر أن نجد في صحافتنا تحقيقات استقصائية حول قضية تعليمية من داخل المدارس ومن داخل الحافلات المدرسية أيضا.