yesra
yesra
أعمدة

ربما: اعترافات أنثى

19 سبتمبر 2018
19 سبتمبر 2018

د. يسرية آل جميل -

[email protected] -

مدخل:

(كُن سطحياً .. مع من لا تليق بهم الأعماق)

لا أجدُ تفسيراً واحداً مع ما يدور بداخلي، أو من حولي، أنا أعتقد أني وصلت إلى مرحلة مبُكّرة جداً من الشيب والتقُّدم في العُمر، فكوني منذ الصغر أتميز باللامبالاة بما حَولي، وبردود أفعالي الهادئة، والباردة في أغلب الأحيان- وهذا ما ساعدني على تجنُّب الكثير من تجاعيد الوجه والعينين وخطوط الطولِ والعرض فوق جبهتي- كل هذا أسرعَ بي جداً إلى بلوغ مُنتهى تبلد المشاعر والأحاسيس.

أصبحتُ أميل إلى الوحدة كثيراً، لا أرغب في التحدُّث مع أحد، ولا التواصل بأي شكلٍ من الأشكال، أقرأ الرسائل وأستثقل الرد عليها، أستقبل المحادثات ولا أكلِّف نفسي عناء رفع سماعة الهاتف، أقلل كثيراً من مُشاركاتي في «التويتر» لا أعلِّق على أيَّة مُداخلات، ولا تستفزني أيَّة رسالة من أي مُتابع، لا يهمني من مات، ولا من عاد، ولا من غاب، ولا من رحل، لا يهمني شيئ على الإطلاق.

أصدُّ كثيراً عن كُل شيء حولي، أغلقت باب المُجاملات الاجتماعية التي تكون غالباً على حساب أعصابي ووقتي الخاص لنفسي، لا أشاركهم أفراحهم، ولا أتراحهم، ولا مُناسباتهم الاجتماعية أبداً، أفضل البقاء في غُرفتي، على طرف سريري، بجانب صندوق ذكرياتي الكبير، المليء بالصُور، وبرائحة الرسائل القديمة، وبعض الورود المجففة التي أحتفظ بكثيرٍ منها طي دفتر مذكراتٍ صغير جداً خطُّوا لي فيه ذات يوم : أستغفر الله أن يخطئ لساني بهاجس أو كلمة «غياب».

لا أخفيكم أن هذا التبلُّد يُقلقني على نفسي جداً، أخشى أني حين أحتاج إلى كُل من حولي مرة أخرى، أكون قد فقدت كل شيء، وقد فات الأوان، أخشى أن يكبر الصغار دون أن أستمتع بطفولتهم البريئة، أخشى أن يرحل الكبار أن أن يرزقني الله برَّهم، أخشى أن يذهب الأصدقاء دون أن نقول لبعضنا البعض وداعاً، لكن الأمر ليس بيدي، صدقوني، هُم الذين وعدوني بالشمس في يميني والقمر في يساري، ولم يحصل شيء، فحطَّموا بداخلي كُل كُل  شيء، حتى أني لم يتبقَّ مني شيءٌ أبداً.

أشعر بحاجتي الماسة إلى خُلوةٍ صادقة مع نفسي، أو عُزلة مُؤقتة عن البعض، أنا بحاجة إلى أن أقدِّم لنفسي اعتذاراً كبيراً جداً عمَّا ألحقتُ بها من أذى،فقد أحسنتُ الظن كثيراً، وصدقت الوعود، وآمنت بالمواثيق، ومنحتُ الكثير، ولا زلتُ أمارس الدَور ذاته، بالغباءِ ذاته، ما زلت أعتقد أن زمن الأوفياء باقٍ، وأن الأنقياء لا يرحلون، وأن الإحسان ليس له جزاء إلا الإحسان، وأن نيتي الحسنة ستجلب لي الخير دائماً .

صغيرتي قالت لي ذات مساء: «ماما خلاص لا تكبرين، عشان تلعبين معاي طول العُمر».

تذكرت والدي،فتمنيتُ فعلاً لو أنه لم يكبر، لم يمرض، لم يشيب، لم يأكل الزمن من صحته وعافيته التي أنفقها علينا بلا حدود، الأب نعمة كبيرة في حياة البنت بالذات، كُل فتاة ترى في والدها فارس الأحلام، لكن الزمن لم يعد هو الزمن، ولا الرجال هم الرجال، كثيرة هي الأشياء التي ذهبت بلا عودة، وأليمٌ جداً حجم الفراغ الذي حتى لحظات كتابة هذا المقال أشعر به يُتعبني.. لم يملأه أحد.. من المؤلم جداً أن تربط حياتك بحياة أحد آخر، أو تبني حياتك على حياة أحدٍ آخر، فغالباً ما يرحل هذا الآخر وتبقى وحدك تُواجه كُل شيء.

أتعتقدون أن عقلي لا يزال بخير!؟

إليه حيثما كان: هُنا تمرُّ أنثى

تتنفسك كي تعيش بِك