العرب والعالم

مطار غزة رمز لتحطم حلم السلام بعد أوسلو

13 سبتمبر 2018
13 سبتمبر 2018

رفح (الأراضي الفلسطينية)- (أ ف ب) - عندما افتتحت السلطة الفلسطينية مطارها في غزة بحضور الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، جسد رمزا لآمال الفلسطينيين في الاستقلال بعد اتفاق أوسلو، ولكن بعد ربع قرن على الاتفاق التاريخي تحول المطار إلى ركام، على مثال أحلام الفلسطينيين، وبالتزامن مع اضمحلال حلم الدولة. في مطار ياسر عرفات الواقع قرب الحدود المصرية والإسرائيلية شرق معبر رفح، لا تزال هناك هياكل خرسانية من بقايا قاعات الوصول والمغادرة وأكوام ركام تتوسطها حفر كبيرة ناتجة عن القصف الجوي الإسرائيلي الذي استهدف المكان مرارا. أما المدرج الرئيسي وطوله 3800 متر بعرض 60 مترا، فبات مملوءا بالقمامة التي تنقلها أحيانا عربات تجرها حمير من الأحياء الفقيرة المجاورة.

ولا يقصد المطار المدمر إلا قلة من الناس، بينما يمر مئات الفلسطينيين عبر الطريق الرملي المحاذي في كل يوم جمعة للمشاركة في احتجاجات «مسيرات العودة» التي تحصل منذ أشهر قرب الحدود الشرقية لرفح مع إسرائيل.

ويقول ضيف الله الأخرس رئيس مهندسي المطار: إنه بكى بكاء شديدا عندما رأى المكان مدمرا. ويضيف لوكالة فرانس برس: «بنينا المطار طوبة طوبة ليكون رمز السيادة الأول، الآن لا ترى فيه سوى دمار وخراب».

في يونيو 1996، حطت طائرة الرئيس الراحل ياسر عرفات على أرض المطار الذي افتتح رسميا في ديسمبر 1998 بحضور الرئيس كلينتون وعقيلته هيلاري، يومها كان الفلسطينيون يأملون الفلسطينيون أن يؤدي اتفاق أوسلو إلى قيام دولتهم بعد خمس سنوات. ويقول المسؤول الفلسطيني البارز نبيل شعث الذي رافق كلينتون في الرحلة إلى غزة آنذاك لفرانس برس: «المطار والميناء لم يكونا مجرد علامات على السيادة، بل كانا علامة على الحرية، كانا سيحرراننا من سيطرة اسرائيل الكاملة على كل من يأتي من وإلى فلسطين».

وصمم المطار لاستيعاب 750 ألف مسافر سنويا، على مساحة نحو 2800 دونم بكلفة 22 مليون دولار وبتمويل دول عديدة في العالم، وكان يعمل فيه نحو 1200 موظف مدني وأمني.

واستضاف المطار أول شركة طيران فلسطينية كانت تملك طائرتين صغيرتين من نوع «فوكر»، إضافة إلى طائرة بوينغ 727 تتسع لـ145 راكبا.

وكان هناك تواجد محدود للأمن الإسرائيلي في المطار لمراقبة جوازات السفر والحقائب. بعد مرور عامين على زيارة كلينتون، اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي قتل فيها آلاف الفلسطينيين، واستمرت خمس سنوات. في 2001م قصفت إسرائيل المطار ما ألحق أضرارا به، ثم قُصف في حرب 2008، وفي 2009، وتعرض بعدها مرات عدة للقصف الجوي. واستغل أشخاص وصفوا بالغوغائيين حالة الفوضى التي سادت إثر الانقسام الفلسطيني في 2006 لسرقة محتويات ومعدات من المطار من بينها أجهزة الرادار وبرج المراقبة الجوية والأثاث، واقتلعوا حجارة الأرصفة وشبكات الكهرباء والمياه، ما حول المدرج الرئيسي إلى أرض قاحلة. في 2006، سيطرت حركة حماس على قطاع غزة وطردت حركة فتح منه، ولم تقلع أي طائرة من المطار أو تحط فيه منذ حوالى عشرين سنة. بشيء من الحسرة يتذكر زهير زملط (55 عاما)، منسق سلطة الطيران الفلسطينية في قطاع غزة، مراحل إنشاء المطار، ويقول «شهدت بناء المطار مذ كان عبارة عن كثبان رملية حتى افتتاحه رسميا بحضور دولي، يا لحسرتنا، المطار كان يعج بآلاف المسافرين ويستقبل رؤساء العالم، حولوه إلى مكب نفايات، إنها مصيبة المصائب».

عندما قام فريق من فرانس برس بجولة في المطار برفقة زملط، كان عدد من الشبان يفتتون بواسطة آلات حادة أعمدة الإسمنت المسلح لاستحصال حجارة وقضبان حديدية لبيعها، عند أطراف المطار، كانت سيدتان من البدو ترعيان الأغنام.

وقال زملط بشيء من العصبية: «هنا كنا نستقبل الرؤساء وزعماء العالم، هنا كانت صالة كبار الشخصيات، هنا كان آلاف المسافرين ينتظرون السفر، كل شيء دمر»، وأضاف الرجل «مسحوا الذكريات الجميلة، المطار أصبح موقع خراب ومكب نفايات». ويقاطعه غازي غريب (67 عاما) الذي كان يشغل منصب مسؤول العلاقات العامة والدولية «أشعر أن المطار أحد أبنائي وقد مات»، مبينا أنه بفضل اتفاق أوسلو بني المطار، «الإسرائيليون راهنوا أن بناء المطار يحتاج إلى سبع سنوات، لكن أبو عمار (ياسر عرفات) بناه في ستة أشهر، كان معجزة». ويضيف غريب «قتل الحلم»، لكنه يستدرك قائلا «من بنى المطار يمكنه إعادة بنائه، لكن تحقيق الحلم سيبقى بعيدا ما بقي الانقسام»، ويعد الرجل كتابا بعنوان «فلسطينيون فوق السحاب» حول تجربة المطار.