humdah
humdah
أعمدة

قدوة

02 سبتمبر 2018
02 سبتمبر 2018

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

كتبت قبل مدة في هذه الصفحة مقالة بعنوان (ابنتي أعادت تربيتي من جديد)، وهي أدق عبارة تصف تأثير هذه الصغيرة في حياتي منذ اليوم الأول لولادتها، حيث رفضت القدوم إلى هذه الدنيا إلا عنوة عبر عملية قيصرية، وظلت تعلن عن رفضها هذا شهورا طويلة عبرت عنه بالبكاء المستمر طوال الليل أجبرتني فيه على الجلوس مستقيمة الظهر ليالي بطولها دون أن تغفو لي عين، أجبرتني هذه التجربة لأن أعيد اكتشاف هذا الاعجاز الرباني المسمى بالجسم البشري، الذي لم أنظر إليه قبل ذلك سوى كآلة أعمل من خلالها.

السهر الطويل والناس نيام، اتأمل فيه تلك الملامح الملائكية، والتأمل أكثر في حياتي بشكل عام، أدركت بأنني لن أعود تلك المرأة التي كنت يوما، وبالفعل غيرت تلك الصغيرة حياتي بأكملها، تغيرت بسببها أولوياتي، تخليت عن عاداتي و سلوكياتي  و شيئا فشيئا وجدتني أتنازل عن كثير من المواقف الثابتة.

كبرت الصغيرة فوجدت مقاومتها لي تزيد يوما بعد يوم، فكل ما كنت أريد تعليمه لها، كانت تأتي بعكسه، حتى أدركت أن تلك المخلوقة الصغيرة، كانت ترفض (ما أقوله) لأنها تنسخ ما (أفعله) ، مما أجبرني على إعادة (تربية) نفسي من جديد من أجلها.

مع الوقت لاحظت بأنه حتى من حولي لم يكن ينظر لما (أقول) أو (أكتب) بعد أن انتهجت الكتابة كأسلوب تعليم وتدريب، و إنما ما أفعل، فوجدت البعض يستنكر علي تصرفات بعينها، يرى أنها تناقض ما (أكتب) عنه، أو بالأحرى (تفسيره) لما أكتب، فقد اكتشفت أن القارئ لا يفهم النص كما كتبته أنا، و إنما يعكس عليه الكثير منه، مما جعلني أكثر حذرا فيما أكتب، إذ يتضاعف إحساسي كل يوم بقوة الكلمة، و التأثير الذي تحدثه فيمن حولك، عندما تصل إلى مرحلة يتخذك البعض فيها قدوة.

إدراك مخيف، في زمن أصبحت الكلمة تنتقل في ثوان معدودة حول العالم، و تقرأ من قبل ملايين البشر، على مدى فترة بقائها على الشبكة العنكبوتية، وهي مدة يعلم الله وحده مداها، وحيث هذه الكلمات يمكن تجميعها و تمحيصها و تحليلها من خلال برامج الحاسوب المطورة.