Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ : مغالطات في فهم الحكم والأمثال

24 أغسطس 2018
24 أغسطس 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

تتوارد الحكم والأمثال وتتناقلها الذاكرة الشعبية عبر الزمن في صورة من توارث القيم الانسانية -إن عدت بعض هذه القيم أنها تمثل شيئا منها -لأنها نتاج افعال وسلوكيات وخلاصة تجارب، وفي كل حالاتها هي تحمل صورا ومواقف إنسانية للفترة الزمنية التي قيلت فيها.

القصة تبدأ أكثر من مدى اهتمام الناس وإيمانهم بها، ومستوى المساحة التي تحتلها في نفوسهم، لأنه ومن خلال هذه الأهمية يكون لهذه الأمثال والحكم تأثيرها على حياة الناس وتنظيم الكثير من سلوكياتهم وتعاملاتهم مع الآخرين من حولهم، وهو تنظيم يفضي الى الكثير من ترسيخ القناعات، وتأسيس المبادئ، وهذه لها أهميتها على صورة الحياة العامة، فتقودها نحو النجاحات المختلفة، أو تعرقل سير مسيرتها.

ولذلك عمرت هذه الأمثال والحكم على امتداد عمر الإنسان الذي يقضيه في هذه الحياة، مع إضافة أخرى جديدة معبرة عن واقع حياة الناس في العصر الذي يعيشونه، وحذف أخرى لم يعد لها قيمة فنية؛ انعكاسا لتجدد الحياة أيضا.

قد يتساءل أحدنا عن القدرة المعنوية التي تلعبها هذه الامثال والحكم في تسيير الناس نحو فعل ما وترسيخ قناعاتهم كذلك، وقدرتها على منعهم من فعل آخر، هذه القدرة المعنوية تنقل افعالنا وسلوكياتنا من مرحلة القناعة والإيمان الى مرحلة التوظيف على الواقع، وهذا التوظيف يراه البعض أنه يتصادم مع الواقع، وقد يؤجل الكثير من مشروعات الحياة، هذا التقييم ينطبق على الذين يجردون هذه الحكم والأمثال من مجموع العواطف التي تحملها.

فعلى سبيل المثال، يقال لك: “لا يأس مع الحياة» بينما الواقع يضج بالكثير من الأشياء والمواقف الميؤوس منها، وحتى بعض المشروعات المؤجلة في حياة الفرد أو الجماعة؛ حتى مرحلة التقادم؛ هي مشروعات ميؤوس تنفيذها، وإن ظلت متخيلة في الذاكرة، فمثل «لا يأس مع الحياة» مناقض لواقع الحياة ذاتها، ومع ذلك يردده الناس بوعي وبغير وعي.

وعندما يردد الناس: «الصمت حكمة، وقليل فاعله» في الوقت نفسه يحظى من يثرثر في المجالس ربما؛ بمكانة أفضل من ذلك الذي لا يتحدث كثيرا، وقد يعتبر ذلك معيبة في حقه وليس حكمة، في الوقت نفسه فإن هذا الصمت، في مفهومه المطلق، يناقض القول: «الساكت عن الحق شيطان أخرس».

من الأمثال الصدامية: «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب» فمطلوب منك وفق المعنى الظاهري للمثل أن تكون متحفزا في أي موقف تكون فيه، لأن هناك مواجهة قادمة لا محالة، عليك أن تكون الأقوى، والأغنى، والأذكى، والأعلم، على عكس ما قاله الشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى: «ومن لم يصانع في أمور كثيرة؛ يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم» فالمصانعة التي يشير إليها الشاعر زهير هي الأقرب الى واقع الحياة من واقع المواجهة والتحفز الذي يشير اليه  معنى المثل أعلاه، وليس صحيحا أن تكون دائما الأعلى والأقوى والأعلم لكي تعيش، ولكي  تتساوى مع الآخرين، فالتكافؤ القائم في الحياة، وفق الفهم السائد، أن مجموعة النقائص التي تكون عند مجموعة من الناس، يكملها آخرون عندهم «فضل» يكمل تلك النقائص، فالغني يحتاج الى من دونه في مال لتسيير حياته في شأن آخر من مجالات الحياة، والطبيب؛ مثال آخر؛ يحتاج الى النجار، والمهندس في تخصص ما، يحتاج الى السباك، والى الكهربائي، وجميعهم يحتاجون إلى المعلم، ويحتاجون الى المنظًر، في شؤون الحياة المختلفة، ويحتاجون الى عامل النظافة، هذه الحاجة المتبادلة ليست كرما من الأقوى الى الأضعف، وليست ضعفا لاستجداء الأقوى، وإنما هي قانون الحياة الكبير الذي يناقض المثل «إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب».

لا تتسع المساحة هنا للحديث عن كثير من الحكم والأمثال، ولكن يمكن اجمال الفهم على أن مجموعها وتزاحمها تولد قناعات يؤمن بها الأفراد، ويعتبرونها مسلك هدى، وهذه إشكالية موضوعية.