أفكار وآراء

كيف ترى تركيا الأزمة مع الولايات المتحدة ؟

20 أغسطس 2018
20 أغسطس 2018

رجب طيب أردوغان -

ترجمة قاسم مكي - نيويورك تايمز -

خلال العقود الستة الماضية ظلت كل من تركيا والولايات المتحدة شريكتين استراتيجيتين وحليفتين في الناتو. لقد وقف بَلَدَانَا كتفا إلى كتف في مواجهة التحديات المشتركة إبان الحرب الباردة وما بعدها. وعلى مر السنين، كانت تركيا تسارع إلى مساعدة أمريكا وقتما دعت الضرورة. فجنودنا رجالا ونساء بذلوا دماءهم معا في كوريا. وفي عام 1962 تمكنت إدارة كنيدي من جعل السوفييت يسحبون الصواريخ من كوبا بإزالة صواريخ جوبيتر من إيطاليا وتركيا. وعقب الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر حين اعتمدت أمريكا على أصدقائها وحلفائها في الرد على الشر أرسلنا جنودنا إلى أفغانستان للمساعدة في إنجاز مهمة الناتو هناك. رغما عن ذلك أخفقت الولايات المتحدة مرارا وبانتظام في فهم واحترام مشاعر الشعب التركي. وفي السنوات الأخيرة تعرضت شراكتنا إلى اختبار الخلافات (بيننا). ولسوء الحظ ثبت عدم جدوى جهودنا للتخلي عن هذا الاتجاه الخطر. وما لم تشرع الولايات المتحدة في احترام سيادة تركيا وتثبت أنها تفهم الأخطار التي يواجهها بَلَدَانَنا قد تتعرض شراكتنا للخطر. في 15 يوليو 2016 هوجمت تركيا بواسطة أعضاء منظمة مشبوهة يتزعمها فتح الله جولن الذي يقود منظمة تصفها حكومتي رسميا «بمنظمة فتح الله الإرهابية» وذلك من مجمع في ريف بنسلفانيا. لقد حاول أتباع جولن تنفيذ انقلاب دموي ضد حكومتي. وفي تلك الليلة اندفع الملايين من المواطنين العاديين إلى الشوارع مدفوعين بالروح الوطنية على نحو شبيه بما شعر به دون شك الأمريكيون بعد هجمات بيرل هاربور والحادي عشر من سبتمبر. لقد دفع 251 شخصا بريئا بمن فيهم ايرول أولكوك مدير حملتي الانتخابية وصديقي العزيز وكذلك ابنه عبد الله طيب أوكلوك حياتهم من أجل حرية بلدنا. ولو أن فرقة القتل التي تعقبتني أنا وعائلتي نجحت في مسعاها لكنت قد انضممت إليهم (إلى القتلى). توقع الشعب التركي أن تدين الولايات المتحدة بوضوح الهجوم وأن تعبر عن التضامن مع القيادة المنتخبة لتركيا. لكنها لم تفعل. لقد كان رد فعل الولايات المتحدة أبعد من أن يكون مرضيا. فبدلا من أن يقف مسؤولو الولايات المتحدة إلى جانب الديموقراطية التركية دعوا في حذر إلى «الاستقرار والسلم والاستمرارية داخل تركيا». ولجعل الأمور أكثر سوءا لم يتحقق تقدم بشأن طلب تركيا تسليم فتح الله جولن بموجب معاهدة ثنائية. مصدر آخر للإحباط يتعلق بالشراكة بين الولايات المتحدة وحزب الاتحاد الديموقراطي/‏‏ وحدات حماية الشعب وهو الفرع السوري لحزب العمال الكردي والجماعة المسلحة المسؤولة عن مقتل الآلاف من المواطنين الأتراك منذ عام 1984 والتي كانت الولايات المتحدة قد صنفتها منظمة إرهابية. وحسب تقديرات السلطات التركية استخدمت واشنطن 5000 شاحنة و2000 طائرة شحن لنقل أسلحة إلى حزب الاتحاد الديموقراطي/‏‏وحدات حماية الشعب في الأعوام الأخيرة.

لقد شاطرت حكومتي المسؤولين الأمريكيين مرارا مخاوفَنا بشأن قرارهم بتدريب وتجهيز حلفاء حزب العمال الكردستاني في سوريا. ولسوء الحظ صادفت كلماتنا آذانا صماء وانتهي الأمر باستخدام الأسلحة الأمريكية ضد المدنيين وأفراد قواتنا الأمنية في سوريا والعراق وتركيا. وفي الأسابيع الأخيرة اتخذت الولايات المتحدة سلسلة من الخطوات لتصعيد التوترات مع تركيا مشيرة إلى اعتقال مواطن أمريكي هو آندرو برونسون بواسطة الشرطة التركية بِتُهَم تتعلق بمعاونة منظمة إرهابية. وبدلا من احترام الإجراءات القضائية، حسبما ناشدت الرئيس ترامب في لقاءاتنا ومحادثاتنا العديدة، أصدرت الولايات المتحدة تهديدات سافرة ضد بلد صديق ومضت إلى فرض عقوبات على العديد من أعضاء وزارتي.

هذا القرار غير مقبول وغير عقلاني وفي النهاية مضرٌّ بصداقتنا المديدة. ولكي نحيط علما بأن تركيا لا تستجيب للتهديدات رددنا بفرض عقوبات على مسؤولين أمريكيين عديدين. وفي المستقبل سنلتزم بنفس المبدأ وهو أن محاولة إجبار حكومتي على التدخل في عمل القضاء لا يَتَّسِق مع دستورنا أو قيمنا الديموقراطية المشتركة. لقد أكدت تركيا المرة تلو الأخرى أنها ستفعل ما يلزمها إذا رفضت الولايات المتحدة الإنصات. في أعوام السبعينات تدخلت الحكومة التركية للحيلولة دون وقوع مجازر ضد الإثنية التركية من جانب القبارصة اليونانيين على الرغم من اعتراضات واشنطن. ومؤخرا جدا نتجت عن إخفاق واشنطن في إدراك جدية مخاوفنا بشأن مهددات الأمن القومي في شمال سوريا عمليتا توغل عسكري قطعتا الطريق أمام بلوغ ما يسمى بداعش حدود الناتو وأبعد مسلحو وحدات حماية الشعب من مدينة عفرين. وكما حدث في تلك الحالات سنتخذ الخطوات الضرورية لحماية مصالحنا الوطنية. وفي وقت يواصل فيه الشر تربصه حول العالم لا تفعل الإجراءات الأحادية ضد تركيا من جانب الولايات المتحدة، حليفتنا على مدى عقود، شيئا سوى تقويض مصالح وأمن أمريكا. وقبل أن يفوت الأوان، على واشنطن التخلي عن الفكرة الخاطئة بأن علاقتنا يمكن أن تكون غير متكافئة والقبول بحقيقة أن تركيا لديها بدائل. إن الإخفاق في التراجع عن النزعة الأحادية والازدراء سيستلزم مِنَّا الشروع في البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد.

•الكاتب رئيس تركيا