أفكار وآراء

العالم يدخل زمن حروب الطاقة !!

17 أغسطس 2018
17 أغسطس 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل باتت الحروب العالمية القادمة من أجل مصادر الطاقة حول العالم ؟

تساؤل بات يتردد من جديد في السنوات الأخيرة بعد أن كان الجميع يظن كل الظن أن إشكالية الصراعات حول الطاقة قد انقضت وزمنها قد ولى ، سيما بعد ظهور بدائل مختلفة للنفط والغاز من مصادر أكثر نظافة واستدامة من عينة طاقة الرياح، وطاقة المياه، عطفا على الطاقة الشمسية.

غير أن ما رأيناه في السنوات الأخيرة من نزاعات حول الغاز والنفط أوروبيا وأمريكيا وفي شرق البحر الأبيض المتوسط يجعلنا نمضي من جديد وراء السؤال عن حروب الطاقة وإلى أين تمضي؟.

يمكن لنا أن نبدأ من عند أحدث معارك الغاز في العالم والمثير أنها ليست معركة في منطقة الخليج أو في شرق البحر الأبيض المتوسط ،لكنها ما بين الأوروبيين والأمريكيين ، وقد شهدت قمة حلف الناتو الأخيرة سجالا كبيرا من جراء الطاقة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ، وبقية دول أوروبا الغربية.

ولعله من المعروف أن هناك تيار عريض في الداخل الأوروبي يذهب إلى أن وقت الصراع مع روسيا قد تجاوزه الزمن، وأنه حان وقت اللقاء وتبادل المصالح ، فقد انقضى على الحرب العالمية الثانية أكثر من سبعة عقود، ولم تعد روسيا هي الاتحاد السوفيتي المهدد لأمن وأمان أوروبا ، بل إن العجيب والغريب هو أن أمن أوروبا لم يعد ينفصل عن أمن روسيا ، وهذه واحدة من متناقضات القدر إن جاز التعبير .

في هذا السياق بدأت أصوات كثيرة تتعالى بحتمية التفكير الجدي في المشروع الأوراسي ، أي وحدة الأراضي الأوروبية والآسيوية معا، وهي فكرة تستحق التأمل من الطرفين ، وبان جليا أن الأوروبيين يعمدون إلى تفعيل تعاونهم مع الروس في مجال الطاقة عبر المشروع المعروف باسم « سيل الشمال -2» ، وفيه يبلغ نفط وغاز الروس إلى موانئ الأوروبيين .

من هنا انطلقت الشرارة الأولى بين الأمريكيين والأوروبيين وقد أخذ الرئيس ترامب في تقريع الأوروبيين وقادتهم غداة قمة الأطلسي الأخيرة ، بالقول إننا كأمريكيين ننفق مليارات الدولارات من أجل سلامة وأمن الدول الأوروبية ، لكننا لا نرى على الجانب الأوروبي إلا سعيا أوروبيا للتعاون مع الروس، وقد لاحت في الأفق علامات صراع تجاري كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين دول أوروبا ، ولقطع الطريق على هذا المسار ارتضى الأوروبيون مؤخرا شراء كميات كبيرة من الغاز الطبيعي من الولايات المتحدة ، عطفا على بناء منشآت أمريكية على الأراضي الأوروبية من أجل تسييل الغاز الأمريكي ، وإن كان ذلك لم ينف بالمرة التعاون المرصود بين الأوروبيين والروس ، عبر خطوط الغاز التي لا بد لها وأن تمر بأوكرانيا ، الجمهورية التي تدور من حولها الخلافات الأمريكية الروسية بسبب إشكالية شبه جزيرة القرم.

أحد أهم الأسئلة المثارة في الأيام الأخيرة حول المشهد الأمريكي الروسي يتصل بصراع الطاقة حول العالم وإن من باب خفي ، ويعود بنا مرة أخرى إلى السجال المتصل بين واشنطن وموسكو ، رغم انتهاء الحرب الباردة ...ما معنى ودلالة هذا الكلام ؟

يمكن القطع بأن العقوبات الأمريكية المتصاعدة يوما تلو الآخر تجاه روسيا تحمل ضمنا ملمحا وملمسا خفيا ، فالمسألة تتجاوز بمراحل قضية التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016، ويبتدئ ذلك بشكل كبير من خلال التوافق المثير للانتباه بين الجمهوريين والديمقراطيين ، سواء في مجلس النواب أو مجلس الشيوخ ، وكلاهما يعمد إلى حتمية معاقبة روسيا .

هل هناك من يخشى من امتلاك روسيا لمفاعيل الطاقة العالمية وبذلك لعبها دورا أكثر مركزية من الدور الأمريكي حول العالم في العقود القادمة ، وبذلك لا يضحي القرن الحادي والعشرين قرنا أمريكيا بامتياز ، كما كان يتطلع إلى ذلك المحافظون الجدد في نهاية تسعينات القرن المنصرم ؟

يمكن أن تكون الإجابة بنعم ، والاستناد هنا إلى حقائق واقع الطاقة في العالم ، حيث ستبقى روسيا أكبر مصدر للطاقة في العالم في الأعوام العشرين القادمة ، وفقا لدراسة أجرتها شركة « بي بي » البريطانية العملاقة حول توقعات الطاقة العالمية ، وكما يرى خبراء عملاق النفط فحتى الانخفاض المتوقع في حصة روسيا في إنتاج الطاقة العالمي لن يبعدها عن الصدارة.

ماذا تعني تلك الشهادة من أكبر شركة بريطانية للنفط حول العالم ؟

بمزيد من التفصيلات فإنه بحلول العام 2040 فإن روسيا ستوفر نحو 14 في المائة من إجمالي النفط والغاز في العالم ، في حين أن «الوقود الأزرق » سيبقى النوع الرئيس للطاقة في ميزان الطاقة العالمي – حوالي 50بالمائة. وفي الوقت نفسه ، سوف تنمو حصة النفط ، من 22% الآن إلى 26% ، فيما ستنخفض حصة الفحم إلى 8% .

ترصد واشنطن هذه الأرقام بمزيد من القلق ، لأن المعنى هنا يقول إن أوروبا الوسطى وأوروبا الغربية سوف تعتمدان اعتمادا شبه كلي على النفط والغاز الروسيين ، مما يعزز التعاون الروسي الأوروبي ، وبخاصة في ظل مد خطوط أنابيب جديدة ولقرار مشاريع لتوريد الغاز الطبيعي من روسيا .

المشهد الآسيوي مزعج بالفعل للأمريكيين ، ذلك أن كل مربع قوة يمتلئ من قبل الصين وروسيا ، حكما سوف تفقده الولايات المتحدة ، ولعل الذين تابعوا الشهر الماضي زيارة الرئيس بوتين إلى الصين والاتفاقيات التي تم توقعيها خلال الزيارة ومن قبلها بين موسكو وبكين وفيها اتفاقات عديدة حول الغاز من روسيا للصين ، أدرك تمام الإدراك أن هناك تحالف قادم لا شك سوف يتعاظم شأنه إلى الدرجة التي ستمكنه عند لحظة معينة من مواجهة ومجابهة واشنطن.

والشاهد أنه إذا تركنا الشرق الروسي والغرب والوسط الأوروبيين وارتحلنا إلى قلب العالم العربي والشرق الأوسط ، فإن التساؤل المطروح هل كان جل ما رأيناه السنوات القليلة الماضية فيما عرف بزمن الربيع العربي هدفه ومنطلقه حروب الغاز والنفط؟

منذ سبعينيات القرن الماضي وتحديدا مع اندلاع حرب أكتوبر من عام 1973 تنبه الغرب إلى أهمية النفط العربي كمصدر رئيس للطاقة والتي هي عصب الحياة والحضارة في الغرب .

عرف العالم أهمية النفط وقيمته الحقيقية ، فيما الأكثر من ذلك أهمية هو أن العالم اكتشف قوة الإرادة العربية سيما حين تتوحد كلمة العرب على هدف بعينه .

والثابت أنه عبر أكثر من أربعة عقود ، تحولت المنطقة العربية والخليجية وكذا حوض البحر الأبيض المتوسط إلى دول تطفو على حقول من النفط و الغاز الطبيعي ، فقد أعلنت لبنان في النصف الثاني من العقد الماضي عن اكتشاف مكامن تضم كميات واعدة من الغاز في مياه البحر، كما أن وزير الطاقة اللبناني جبران باسيل كان قد أعلن في أغسطس 2012 عن أن تحليل 10 % فقط من المياه الإقليمية اللبنانية أسفر عن اكتشاف حوالي 30 تريليون متر مكعب من الغاز .

بيانات أخرى ربما توضح لنا أبعاد ما جرى وما يجري في سوريا عبر خمسة أعوام و أكثر، معلومات تقول: بأن سوريا تمتلك أكثر من عشرة أمثال ما لدى إسرائيل من غاز على شواطئ البحر المتوسط .

لم تكن مصر بدورها بعيدة عن مجالات اكتشافات النفط ، وهناك تقديرات أولية بترليونات الأمتار المكعبة من الغاز ، تم اكتشاف احدها فقط « حقل ظهر » والذي بدا إنتاجه الفعلي منذ بضعة أشهر ، وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكي أن مصر تسبح أراضيها في بحور من الغاز ، سواء كان ذلك في منطقة الدلتا ، أو في مياه البحر الأبيض المتوسط .

هل يقودنا هذا الواقع الجيوبولتيكي الجديد إلى تأمل مشهد حروب منطقة الشرق الأوسط ، وإشكالية السعي من أجل تقاسم النفوذ في المنطقة وكأن أصحابها الحقيقيين ليسوا أكثر من أحجار على رقعة الشطرنج الدولية كما يقول « وليام جاي كار » نائب وزير الدفاع الكندي في أربعينات القرن المنصرم عبر كتابه الشهير

حين استطاعت واشنطن أن تطرد النفوذ السوفيتي من الشرق الأوسط في سبعينيات القرن الماضي، و أضحى حوض البحر الأبيض المتوسط برمته منطقة نفوذ للناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، فيما تراجعت روسيا كثيرا جدا إلى الوراء ، فإن واقعا جديدا كان قد نشأ .

وفيما كانت الولايات المتحدة بعد أربعة عقود تسعى إلى تصدير ثورات الربيع العربي إلى المنطقة ، وتسعى في طريق تفكيك وتفتيت شعوب المنطقة ، كانت روسيا تراقب من بعيد وتتحين الفرصة للانقضاض على الإرث الأمريكي الأوروبي بنوع خاص .

ارتكب الأمريكيون وحلفاؤهم من الأوروبيين أخطاء فادحة وعرف الروس كيف يملأون فراغات القوة ، سيما وأنهم الخصم الأكبر الصادق للإرهاب والإرهابيين وليسوا الفريق الذي يلعب على متناقضات الأصوليات بنوع خاص .

وحديث المتحدث باسم الجيش الليبي العقيد المسماري الأيام القليلة الماضية له دلالته ففي حوار للرجل مع وكالة « نوفوستي» الروسية للأنباء أشار إلى أن الروس وبوتين مدعوين لتكرار تجربتهم الناجحة في سوريا على الأراضي الليبية، ولم تصدر هذه التصريحات المثيرة للتأمل ، إلا بعد أن بدا واضحا أن الصراع الأوروبي على ليبيا إنما يبغي مصادرها من الغاز والنفط ، ومعروف عن النفط الليبي أنه من أجود أنواع النفط ، كما أن تكلفة استخراجه زهيدة للغاية ومتواجد بكثرة في عرض البحر ، ما يعني أن نقله إلى أوروبا سهل ومرغوب.

في هذا الإطار يتأمل الناظر إلى الصراع القائم بين إيطاليا وفرنسا بنوع خاص على النفوذ في ليبيا ، بمعنى أن أوضاع ليبيا واستقرارها وسلامة مواطنيها، أمر لا يهم الأوروبيين بقدر ما يهم الروس الذين يحاربون الإرهاب بالفعل .

هذا التصريح الأخير ربما يشعل صراعا جديدا بين الأمريكيين والروس ، وعطفا على ذلك فإن هناك طرفا آخر يراقب من بعيد المعركة بين الدب الروسي والنسر الأمريكي والفائز فيهما سوف يلاقي التنين الصيني بلا شك ، وستكون أرض المعركة هي قارة إفريقيا المليئة بالخيرات والموارد الطبيعية وكذا مصادر الطاقة كالنفط والغاز .

هل لهذا السبب بدأنا نسمع عن صراعات للتيارات الإرهابية على الأراضي الإفريقية كمدخل مؤكد لبداية رسم خارطة جديدة لصراعات الطاقة ومعارك النفوذ ؟

مؤكد أن الأمر يمضي بالفعل على هذا النحو .