الملف السياسي

هل يمكن أن تُوقِف حربٌ تجارية النموَّ العالمي؟

13 أغسطس 2018
13 أغسطس 2018

الإيكونومست -

ترجمة قاسم مكي -

حسب أحد التقديرات ستخسر الولايات المتحدة من الحرب التجارية نحو 550 ألف وظيفة. كما ستكون الضربة على الصين قاسية أيضا. وأية عملية تواؤم سيطول بها الأمد بسبب عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب.

أَلقِ نظرةً على عناوينِ الأخبار وسيصعب عليك الاعتقاد بأن اقتصاد العالم في صحة جيدة. فالرئيس ترامب يواصل إطلاق وابل من القرارات في حربه التجارية، مثيرا بذلك الاضطراب في الأسواق المالية وردودا انتقامية. وبنك الاحتياط الفيدرالي - المركزي الأمريكي - يرفع من أسعار الفائدة. وهو إجراء ينتهي عادة بانكماش في أمريكا (تدهور مؤثر في النشاط الاقتصادي) كما يضغط كل من التشدد في الائتمان وارتفاع سعر الدولار على البلدان الصاعدة التي يتعرض بعضها مثل الأرجنتين، إلى ضغوط قاسية. لكن اقتصاد العالم مزدهر. صحيح تباطأ النمو قليلا منذ عام 2017 . لكنه، كما يبدو، يتخطى إيقاعه البطيء الذي شهدته السنوات الخمس السابقة له. وربما أن أمريكا تشهد تزايدا في سرعة نموها بفضل سياسة ترامب في خفض الضرائب وإسرافه الإنفاقي، وارتفاع سعر النفط الذي كان في السابق يضعف النمو ولكنه اليوم يحفز على الاستثمار في إنتاج النفط الصخري. ويتوقع البعض نموا في الولايات المتحدة يتجاوز 4% في الربع الثاني من هذا العام. لكن هذا الاندفاع الشديد في النمو يأتي بالأخطار. فهو يقدم غطاء سياسيا مؤقتا لاندفاع الرئيس ترامب. كما انه يزيد من تسارع وتيرة النمو في أمريكا وتباطؤها في باقي العالم، ومن ثم التفاوتات في معدلات الفائدة الذي يؤدي إلى المزيد من الارتفاع في سعر الدولار. وذلك بدوره سيفاقم المشاكل في البلدان الصاعدة ويغضب ترامب أكثر، لأنه يجعل تحقيقه لهدفه في التجارة المتوازنة أكثر صعوبة. إن الحرب التجارية هي في الواقع أكبر مهدد للنمو العالمي.

في 15 يونيو الماضي أكد البيت الأبيض أن رسوما جمركية بنسبة 25% على واردات صينية بقيمة تصل إلى 50 بليون دولار، سيبدأ سريانها قريبا. وبعد ثلاثة أيام على ذلك، وبعد أن وعدت الصين بالرد، أضاف الرئيس الأمريكي سلعا أخرى، حيث هدد بفرض ضريبة جمركية بقيمة يصل إلى 400 بليون دولار. وإذا نفذ ذلك فإن تسعة أعشار السلع المستوردة من الصين سنويا بقيمة 500 بليون دولار تقريبا ستخضع لرسوم جمركية أمريكية. وفي الأثناء يستعد الاتحاد الأوروبي لفرض تعريفات انتقامية ردا على إجراء أمريكا ضد واردات الصلب والألمنيوم من أوروبا. لذلك ليس من المدهش أن تهتز الأعصاب في السوق. والرئيس ترامب غير خائف من تصعيد النزاعات التجارية لأنه يؤمن بأنه يملك الورقة الرابحة.

فأمريكا تشتري من الصين ما يقرب من أربعة أضعاف ما تبيعه لها مما يضع قيدا على قدرة الصين على فرض رسوم جمركية مماثلة. ويأمل البيت الأبيض أن يقود هذا اللا توازن التجاري بين البلدين الصينَ إلى الاستسلام لمطالبه والتي بعض منها أكثر معقولية (تقليل السطو على الملكية الفكرية للشركات الأمريكية) من البعض الآخر (تقليص العجز التجاري الثنائي). لكن ترامب يبالغ في تقدير قدرته على المساومة. فإذا لم تجد الصين سلعا أمريكية إضافية لفرض رسوم عليها يمكنها ببساطة زيادة الرسوم القائمة. كما في مقدورها مضايقة الشركات الأمريكية العاملة في الصين. وما هو أهم أن نزعة الرئيس التجارية تمنعه من رؤية الضرر الذي يمكن أن يلحقه بأمريكا. فهو يعتقد أن من الأفضل عدم التجارة إطلاقا بدلا عن التعرض إلى عجز تجاري. (حسب موسوعة إنفستوبيديا، العجز التجاري مقياس اقتصادي للتجارة الدولية تتجاوز فيه قيمة واردات البلد صادراته. وهو يمثل خروج العملة المحلية إلى الأسواق الخارجية. كما يشار إليه أيضا كميزان تجاري سلبي - المترجم). هذه النظرة أيضا تُملِي عليه - ترامب - تكتيكاته تجاه كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي. ومن الجائز أن ينسحب من اتفاقية أمريكا الشمالية للتجارة الحرة، ويفرض رسوما على السيارات.

المشكلة ليست أن أمريكا تعتمد على التجارة. ففي الحقيقة الولايات المتحدة منطقة تجارة حرة كبيرة بما يكفي لكي يقتصر الضرر الذي يمكن ان يلحق في النهاية بناتجها المحلي الإجمالي من حرب تجارية كاملة الأركان على نسبة مئوية ضئيلة. أما الاقتصادات الأصغر والمتخصصة، فإنها أكثر اعتمادا على التجارة، ومن شأنها أن تعاني كثيرا جدا من مثل هذه الحرب التجارية. لكن مثل هذا الضرر الذي تلحقه أمريكا بنفسها سيفرض تكلفة لا معنى لها على العائلة (الحالة المعيشية للأسرة) العادية في الولايات المتحدة ربما تصل إلى آلاف الدولارات.

وذلك سيكون شيئا سيئا لكن من الصعب أن يقود إلى كارثة. فالقضية الكبرى هي الاضطراب الواسع الذي يمكن أن يحدث في التحول إلى المزيد من الاكتفاء الذاتي ومحدودية التجارة.

الاقتصاد الأمريكي معد لتصميم هواتف الآيفون وليس تجميع مُكَوِّناتِها. وتعبر «الأجزاء الداخلية» لسياراته وطائراته الحدودَ الوطنية عدة مرات قبل أن يكون «المنتجُ النهائي جاهزا».

وإذا ووجهت الشركات بالرسوم الجمركية سيلزمها إعادة توجيه القوى العاملة ورأس المال لإحلال الواردات. يعزو بعض المحللين رئاسة ترامب إلى الصدمة الاقتصادية من التجارة مع الصين بعد عام 2000. وسيكون الاختلال الذي يحدث بسبب النكوص عن العولمة بنفس السوء.

فحسب أحد التقديرات ستخسر الولايات المتحدة من الحرب التجارية نحو 550 ألف وظيفة. كما ستكون الضربة على الصين قاسية أيضا. وأية عملية تواؤم سيطول بها الأمد بسبب عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترامب. فبدون معرفة أن الرسوم الجمركية قد تزيد أو تنقص لن تعتقد أي شركة أن من الحكمة الاستثمار في سلسلة إمداد جديدة.

وعلى ذلك فإنه من الصعب تخيل أن تعيد الشركات ترتيب أوضاعها دون انكماش عالمي. فالرسوم الجمركية ترفع من معدل التضخم مؤقتا مما يجعل من الصعب على البنوك المركزية امتصاص الصدمة. والفرار بحثا عن الأمان الذي يترافق مع أي تراجع في الاقتصاد العالمي سيجعل الدولار قويا في وقت يشهد تلاشي التحفيز المالي الأمريكي بعد عام 2019. لذلك يجب الحذر. ربما لا يزال من الممكن احتواء الحرب التجارية لمنفعة العالم. لكن أمريكا هي المحرك الذي يدفع بالنمو العالمي. وترامب سائقٌ خطِر خلف المِقوَد.