أفكار وآراء

بولندا .. هل تكون قاعدة عسكرية أمريكية بديلة لألمانيا؟!

03 أغسطس 2018
03 أغسطس 2018

سمير عواد -

كشفت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية الواسعة الإطلاع أخيرا أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أوعز لوزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس، أن يقوم بإعداد دراسة تحصي تكاليف الانتشار العسكري الأمريكي في ألمانيا. وقامت وسائل الإعلام الألمانية بنقل الخبر عنها مبدية قلقها، غير أن الحكومة الألمانية امتنعت عن التعليق لسبب وجيه هو أنها لم تتبلغ رسميا أن واشنطن تفكر بهذا الإجراء، غير أنه سرعان ما أبرقت السفارة الأمريكية في برلين إلى واشنطن، تقريرا حول القلق الألماني من اتخاذ هذه الخطوة، سارعت وزارة الدفاع الأمريكية للتأكيد على أن هذه إجراءات تقليديا نقوم بها بين فينة وأخرى، للتأكد من تكاليف انتشار الجيش الأمريكي في مختلف مناطق العالم. والملاحظ أن هذا الخبر قد انتشر خلال زيارة وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين إلى واشنطن، حيث قالت: أن هذا الموضوع لم يندرج على جدول محادثاتها مع نظيرها الأمريكي الذي يكن له الألمان الكثير من الاحترام لأنهم يعتبرونه خارج السرب الموالي بصورة عمياء لترامب.

ومن يتابع التدهور الحاصل على علاقات واشنطن في العهد الجديد مع الحلفاء الأوروبيين وخاصة ألمانيا، فإن مثل هذا الخبر لم يعد يثير غرابة المراقبين. منذ استلام ترامب منصبه، وهو يلغي الاتفاقيات والمعاهدات وقرارات سلفه باراك أوباما، وبحسب أحد المعلقين الألمان، لا أحد يعرف ماذا يضمر ترامب فهو يمارس سياسة مزاجية وهو ما ينصح به المراقبون الذين يعتقدون أن الأوربيين لم يفهموا ترامب جيدا حتى الآن. وفي المقابل يزداد تقارب دول أوروبا الشرقية المنتمية إلى حلف الناتو والاتحاد الأوروبي مع ترامب وإسرائيل، وتلتزم الصمت حيال نهج ترامب، بينما الدول الأوروبية الغربية مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا، تنتقد قرارات ترامب باستمرار وتحذر من عواقبها وخاصة إلغاء الاتفاقية النووية مع إيران.

غير أن الخبر المشار إليه أثار ارتياحا وتأييدا واسعا في بولندا، التي تأمل بأن تستضيف القوات الأمريكية في أوروبا في حال اتخذ ترامب قرارا مزاجيا يعرف أنه سوف يؤذي الألمان.

وعندما وصلت طلائع الجنود الأمريكيين في مطلع عام 2017 إلى بولندا في إطار مهمة (اتلانتيك ريزولف) قوبلوا بترحاب كبير، لم يقتصر الترحيب فقط على رئيسة الوزراء في تلك الفترة «بيآتاجيدلو» ووزير الدفاع في حكومتها ، حيث عبرا عن امتنانهما للقرار الأمريكي، بل قوبل الجنود الأمريكيون بترحاب واسع أيضا من قبل المواطنين البولنديين الذين أقاموا احتفالات في العديد من المدن وأهدوا بعضهم البعض الأعلام الأمريكية.

منذ ذلك الوقت، يتم تغيير الجنود الأمريكيين باستمرار، وقد أتوا إلى بولندا بحجة توفير الحماية للجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي تحسبا من أي اعتداء قد تقوم به روسيا ضد بولندا. وما يُقلق البولنديين أن الوجود العسكري الأمريكي في بلادهم ليس بصورة دائمة على عكس القوات الأمريكية المنتشرة في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وحصل البولنديون على أمل بأن يتم نقل القوات الأمريكية في ألمانيا إلى بلادهم، بحسب تقرير نشرته أخيراً صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية رغم أن وزارة الدفاع الأمريكية نفت ذلك.

وبينما تتفادى الحكومة البولندية مناقشة الموضوع علنا إلا أن هناك شعورا في وارسو أن ترامب قد يأمر بسحب القوات الأمريكية من ألمانيا لسببين، أولا حنقه على الألمان وخصوصا المستشارة أنجيلا ميركل. وثانياً، اتهامه الألمان بالتقاعس عن الاستجابة لطلبه زيادة الإنفاق العسكري الألماني لصالح حلف شمال الأطلسي، وأن ألمانيا تعيش ظروف اقتصادية جيدة مما يجعل واشنطن تفكر بسحب قواتها من أراضي ألمانيا لخفض التكاليف. وبحسب ما تم نقله عن ترامب، فإن بولندا تُنفق على التسلح أكثر مما يتوقعه المرء منها، ولذلك يعتقد البعض في بولندا أن ترامب يفكر فعلاً في نقل قواته في ألمانيا إلى بلادهم ويرون في ذلك خبراً رائعاً على أمل أن يتحول إلى حقيقة.

لكن الألمان لا يشعرون بقلق لأنهم على ثقة أن ترامب سوف يلقى معارضة إذا اتخذ مثل هذا القرار، وذلك لأسباب استراتيجية. فقد أقام الأمريكيون ثلاثين قاعدة عسكرية تُعتبر مهمة جدا للمهام العسكرية الأمريكية في إفريقيا والشرق الأوسط، وهم لا يتوقعون قيام الأمريكيين بإنشاء قواعد مماثلة في بولندا في فترة قصيرة. لكن المراقبين يحذرون برلين من سوء تقدير مزاجية ترامب، الذي بات معروفا عنه أنه يتخذ قراراته بعفوية دون التشاور مع معاونيه وبالتأكيد دون البحث مع حلفائه في ألمانيا وأوروبا.

لذلك بدأ البولنديون حملة لدعم هدفهم في فتح الأبواب على سعتها للقوات الأمريكية دون لفت الأنظار. علما أنه بعد انسحاب القوات الروسية من بولندا عام 1993، كان الهدف الأول للسياسة الخارجية البولندية، الانضمام إلى النظام الأمني الغربي، وبعد ستة أعوام انضمت إلى حلف شمال الأطلسي وفي عام 2004 انضمت إلى الاتحاد الأوروبي. ومنذ نهاية العهد الاشتراكي فيها، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية أهم شريك سياسي أمني لبولندا ، والتزمت بذلك كافة الحكومات التي تعاقبت على السلطة بعد نهاية حلف وارسو، وهدفهم المشترك، هو حصر نفوذ موسكو قدر الإمكان. و قد شاركت بولندا في حربي الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان 2001 والعراق 2003 بفرقة مؤلفة من 2500 جندي اشتركوا في مواجهات فقدوا خلالها 28 جنديا، وتعتبر بولندا نفسها من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وأبدت مؤخرا استعدادها للعمل دائما مع الأمريكيين في مهام عسكرية في مختلف أنحاء العالم، ولذلك تتوقع بولندا الحصول على شيء بالمقابل.