أفكار وآراء

بارنز آند نوبل وردود الأفعال بعد فصل الرئيس التنفيذي

01 أغسطس 2018
01 أغسطس 2018

د.عبد القادر ورسمه غالب -

أصدر مجلس إدارة شركة “بارنز آند نوبل” الأمريكية قرار مفاجئا بالفصل الفوري للرئيس التنفيذي للشركة “مستر ديموس بارنيروس”، ولم يتضمن القرار الذي أصدره مجلس الإدارة بفصل الرئيس التنفيذي أي معلومات عن أسباب هذا الفصل المفاجئ خاصة أن الشركة في خضم منافسة شرسة مع منافسيها خاصة شركة أمازون والشركات الأخرى العاملة في مجال التجارة التقنية.

إن هذا الأمر له أبعاده وما بعده خاصة وأن مبادئ حوكمة الشركات، والمطبقة في كل أرجاء العالم، تنادي بتبني مبدأ الإفصاح والشفافية في كل الأمور المتعلقة بالشركة خاصة شركات المساهمة العامة التي تتعامل مباشرة مع الجمهور والمستهلكين داخل وخارج أمريكا.

قرار الفصل هذا أثار حفيظة العديد من الجهات المختصة وبالرغم الاستفسارات إلا أن مجلس الإدارة ظل صامتا ولم يحرك ساكنا وكأن الأمر لا يعنيه بشيء. وظل سبب أو أسباب الفصل الفوري والمفاجئ للرئيس التنفيذي في طي الكتمان والتستر التام. وهذا الموقف بكل وضوح وفي هذا الوقت بالذات يعتبر مخالفا لمبادئ حوكمة الشركات الخاصة بالإفصاح والشفافية كما يقول الكثيرون وهم مستغربون. ومما يزيد من أهمية التساؤل والاستغراب أن عدة شركات كبيرة مثل شركة انتل، وشركة وينديهام وشركة برايس لاين وغيرهم أعلنوا عن أسباب فصل المديرين التنفيذيين قبل فترة، وتم الإفصاح التام حتى عن تلك المعلومات المتعلقة بالأسباب الشخصية والممارسات الجنسية والتحرش وغيره من الفضائح، وبالرغم من هذا الموقف العام فإن شركة بارنز آند نوبل آثرت الصمت وتركته سرا في بئر عميق .. وهذا، بكل أسف، يتم بالرغم من صافرات الإنذار المدوية في كل أرجاء العالم وهي تنادي بالإفصاح والشفافية ثم الشفافية والإفصاح في كل الأمور المتعلقة بالأعمال؛ وذلك حتى يعلم الجميع بما يدور داخل كواليس الشركة من أبيض أو أسود وبعيدا عن الضبابية وقفل أبواب المحسوبية وتغطية الأمور بأبواب المحسوبية.

على الجانب الآخر، ومن ضمن الآراء المهمة، هناك من يرى أن الإفصاح عن أسباب الفصل مثلا يكون ضروريا إذا كان متعلقا بسبب سوء التصرف في أموال الشركة وتضرر حقوق المساهمين. أي أن أسباب الفصل إذا كانت لأسباب لا يتضرر منها ملاك الشركة وأي مساهم، فليس هناك ما يستوجب الإفصاح عنها وقد لا يفصح عنها منعا للقيل والقال وللمؤيد والرافض. ولكن على الجانب الآخر أيضا، إذا كان ملء هذه الوظائف في الشركات الكبيرة يتم وفق إجراءات شفافة ومفصح ومعلن عنها، فلماذا عند الفصل لا تتم هذه الممارسات ويتم تجاوزها. وهنا تأتي ظلال من الشك.

من دون شك، فإن مثل هذا التصرف، قد يشكل سابقة يسير على هديها من يرى أن الاستئناس بها قد يكون في صالحه. ولكن هذا الموقف يعتبر شاذا ونشازا ويخالف أبسط قواعد حوكمة الشركات التي تتشدق بها أمريكا ليل نهار، بل وتتبارى الشركات الأمريكية في هذا التشدق. ولتدارك مثل هذه المواقف نرى أنه يتوجب على السلطات الرقابية خاصة سلطات أسواق الأوراق المالية ومؤسسات حماية المستهلكين، طلب توضيح من الشركة عما تم؛ لأن مثل هذه المعلومة مهمة جدا للمتعاملين مع أسهم وسندات الشركة عبر أسواق المال أو من مستهلكي منتجات وخدمات الشركة ومن حقهم معرفة مثل هذه التفاصيل؛ لأن من يملأ المراكز العامة يصبح ملك للعامة في العديد من النواحي العامة.

إن كتمان السر وعدم الإفصاح في مثل هذه الحالات يفتح الباب واسعا للآخرين ممن يتطلع لملأ هذا المنصب، فهو قد يأتي وفي ذهنه أن ما يفعله خاصة من الأمور غير المقبولة سيظل غير معلوما للآخرين .. ولذا فليس هناك ما يردعه أو يخيفه من الآخرين وخاصة الجمهور العام. وهناك سابقة موجودة في الشركة قد يطالب باتباعها وتطبيقها عليه، إذا دعا الأمر لأي سبب من الأسباب. ومن هذه التصرفات، يطرأ سؤال عام ومهم، لماذا لا تفرض عقوبات مباشرة على الشركات التي لا تبتزك بالمبادئ العامة لحوكمة الشركات. هذه العقوبات قد لا تشمل كل التصرفات المخالفة ولكنها على الأقل يجب اللجوء اليها عند مخالفة الأحكام الرئيسية وعلى رأسها طبعا الإفصاح والشفافية. إن وضع أو فرض العقوبات من دون شك سيشكل رادعا قويا للمخالفين وفي الوقت نفسه سيدعم التوجهات الحثيثة نحو الالتزام التام بمبادئ حوكمة الشركات في كل الشركات التي يتعامل معها الجمهور وهو مطمئن أنه يتعامل مع جهة مؤسسية محترمة وملتزمة بالمؤسسية خاصة ما جاء منها في أحكام حوكمة الشركات. ننصح كل الشركات بوضع مبادئ الحوكمة على قائمة أولوياتها، وفي الوقت نفسه الحرص على تطبيقها كأولوية قصوى. إن الشركة التي تلتزم بهذه الأحكام ستجني الكثير وستحصد الكثير بمجرد علم الطرف الآخر بأنها تعمل بصورة مؤسسية ووفق مبادئ حوكمة الشركات التي تشكل حصنا منيعا لكل من يستند عليها. ولنفعل ذلك ولنرتق بشركاتنا ونحلق بها عبر المؤسسية الحاكمة.

Email: [email protected]