العرب والعالم

تقرير: أطراف النزاع في سوريا تفرقهم المعارك وتجمعهم الملايين

31 يوليو 2018
31 يوليو 2018

بيروت-(أ ف ب): وقود وأسطوانات غاز، سكر وفواكه، قطع سيارات وغيرها...عينة من بضائع تنتقل عبر خطوط التماس بين أطراف النزاع في سوريا الذين تفرقهم ساحات الحرب وتجمع بينهم الحركة التجارية عبر معابر داخلية تدر عليهم الملايين. في سوريا، كما في كل نزاع، نشأت فئة تعرف بـ«تجار الحرب»، هم أشخاص يستغلون الحرب والحصار وفقر الكثيرين ليراكموا ثروات طائلة. وينشط هؤلاء عبر المعابر التي تربط المناطق المتخاصمة. ومن أبرز المعابر التي تتم عبرها هذه العمليات، معبر مورك بين محافظة إدلب (شمال غرب) الواقعة بمعظمها تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى، ومحافظة حماة (وسط) الواقعة بمعظمها تحت سيطرة القوات النظامية. ويقول أبو الهدى الصوراني، مسؤول المعبر الذي افتتح في نوفمبر 2017، «يُعتبر مورك أقوى المعابر بين الفصائل ودمشق من ناحية حركة التجارة». مضيفاً إنه معبر رسمي معترف به منّا ومن دمشق ورؤوس الأموال هي التي تحرك الأمور عليه». وأوضح أنه «جرى افتتاحه بوساطة تجار لهم علاقات مع الحكومة السورية». وأشار إلى أن المعبر مُحتكر من شخص واحد» لم يذكر اسمه، إلا أن مصادر عدة، بينها مسؤول في أحد الفصائل وآخر مطلع على حركة معبر مورك، قالت إن هذا الشخص يُطلق عليه اسم «غوار». وفضل أشخاص عديدون عدم الكشف عن أسمائهم.

وتحدث المصدر المطلع على حركة التبادل التجاري في مورك عن عملية معقدة يقودها «غوار» الذي يُعد «واجهة لتجار كبار ولمسؤولين أمنيين» من جهة دمشق.

ويدفع غوار، وفق المصدر، بموجب عقد، ما يوازي مليون دولار كحد أدنى للقوات النظامية للحصول على حق حصري باستخدام المعبر للتجارة لأشهر عدة. وخلال هذه المدة «تنحصر به كل عمليات التبادل التجاري» على المعبر.

ويترتب على غوار تحديد الرسوم التي يأخذها كل حاجز للحكومة السورية أثناء مرور شاحنات البضائع عبرها.

ويقول أبو الهدى «هذه سياسة دمشق يبيع الطريق لتاجر معين ويعمل هذا الأخير على كيفه». وبحسب المصدر المواكب لعمل المعبر، تدخل إلى مناطق القوات النظامية بشكل أساسي منتجات محلية مثل الخضار والكمون والكزبرة والفستق واللوز، وأخرى تركية مثل الألبسة والبسكويت. وتمنع الفصائل إخراج بضائع معينة مثل أنثى المواشي للحفاظ على الثروة الحيوانية في إدلب.

أما إلى إدلب، فتدخل بشكل أساسي المحروقات وأسطوانات الغاز والسكر، بالإضافة إلى بضائع متنوعة من قطع السيارات إلى الفواكه الساحلية.

في الجهة المقابلة، تأخذ هيئة تحرير الشام حصتها من الضرائب على البضائع المتنقلة.

وتحتكر هيئة تحرير الشام تجارة السكر القادم من مناطق الحكومة وفق المصدر الذي يقول «يُمنع على أي أحد تجارة السكر من غير المحسوبين على الهيئة بسبب مردوده الكبير»، كونه مادة لا يستغنى عنها.

في الثامن من يوليو الماضي تظاهر أصحاب مقالع الحجارة قرب المعبر احتجاجاً على زيادة الرسوم التي تفرضها الهيئة على شاحنات تقل الحجارة من إدلب إلى مناطق الحكومة السورية من 400 دولار إلى 1500 دولار للشاحنة الواحدة، ما أجبرها على مراجعة قرارها وتخفيض الضريبة. ويقول مدير مركز الدراسات الاستراتيجية في دمشق بسام أبو عبدالله «في سوريا كما في كل الحروب، تنشأ شبكة مصالح بين الأطراف المتنازعة بسبب المنفعة الاقتصادية». وعبر المعابر التي «حولتها الحرب إلى أمر واقع» في سوريا، وفق قوله، «نشأت طبقة من المتمولين سواء من هذا الطرف أو ذاك، أو ما يمكن أن نسميه أمراء الحرب». ويوضح الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية أيمن الدسوقي ومقره اسطنبول، بدوره، إن «تجارة المعابر تعود بمنفعة مشتركة على فرقاء الصراع ممن تحالفوا مع رجال أعمال استغلوا الوضع القائم ليزيدوا من نشاطهم التجاري»، مضيفا «من الطبيعي أن تدر الملايين على القوى المسيطرة عليها والتجار الذين يتعاملون عبرها». وتشكل المعابر، بحسب دسوقي، مصدراً مالياً بالنسبة إلى الفصائل المعارضة «خصوصاً مع تراجع الدعم الخارجي لها»، كما للنظام «نتيجة الأرباح التي تحصل عليها قواته والميليشيات الموالية له ليضمن بالنتيجة ولاءها، إضافة إلى استفادة شخصيات تجارية كبيرة مقربة من النظام من عقود الأتاوات». على بعد نحو 30 كم من معبر مورك، ثمة معبر آخر حاولت حركة أحرار الشام توسيع العمل التجاري عبره للاستفادة من مردوده، لكن هيئة تحرير الشام كانت لها بالمرصاد خصوصاً بعد الاقتتال الداخلي الذي شهدته إدلب بين الطرفين في العامين 2017 و2018 وانتهى بتوسيع الأخيرة نطاق سيطرتها.

ويقع المعبر في ريف حماة الشمالي المؤدي إلى محافظة إدلب، ويُعرف بكونه الطريق الذي مرت عبره قافلات مقاتلين ومدنيين تم إجلاؤهم من مناطق عدة إلى الشمال السوري. وتقتصر العملية التجارية عند قلعة المضيق على بضائع تنقلها سيارات صغيرة.

ويقول مسؤول أمني في فصيل في المنطقة «تمنع الهيئة وصول الشاحنات الكبيرة إلى المعبر، ليبقى مورك الأول تجارياً». في الشمال، يُعد معبر الحمران في ريف حلب الشمالي الشرقي الأبرز في المنطقة. ويقع في منبج بين مناطق تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وأبرز مكوناتها المقاتلون الأكراد، وأخرى تابعة لفصائل «درع الفرات» المدعومة من أنقرة.

ويسيطر فصيل الجبهة الشامية على المعبر من جهة «درع الفرات»، لكن الكلمة الفصل لأنقرة.

ويقول مسؤول في الفصيل المعارض على المعبر أكثر ما يأتي من منطقة الأكراد هو الوقود الخام الذي يجري تكريره في منطقتنا»، إذ يدخل يومياً بين 50 و60 صهريجاً، فيما تدخل بضائع تركية على أنواعها إلى مناطق الأكراد.

ويحتفظ الفصيل بلائحة من تركيا بمواد يمنع إدخالها إلى مناطق الأكراد وبينها الأسمنت، والحديد، والسماد.

فالأخير يتضمن، وفق المسؤول، «مواد كيميائية ويمكن استخدامه في صناعة متفجرات» أما الأسمنت والحديد فلأنهما «يستخدمان في بناء المكعبات الأسمنتية الكبيرة التي توضع كعوائق وللحماية خلال المعارك».- «بيل غيتس الغوطة» - ولم تشذ الغوطة الشرقية قرب دمشق عن ممارسة الحرب هذه، برغم حصار محكم طوال خمس سنوات تسبب بحالات سوء تغذية حادة ووفيات، قبل أن تسيطر عليها القوات النظامية في أبريل إثر هجوم أودى بحياة نحو 1700 مدني. لكن بعيداً عن الحصار المعلن، كانت حركة تجارية تتمّ عبر معبر الوافدين شمال دوما، أبرز مدن الغوطة، والذي أطلق عليه سكان المنطقة في حينه تسمية «معبر المليون». وكان فصيل جيش الإسلام، الأكثر نفوذاً في المنطقة حينذاك، يسيطر على المعبر من جهة المعارضة. عبر هذا المعبر، كانت أكياس من الأرز والطحين والسكر وحتى الثياب، تجد طريقها إلى الغوطة لكن بأسعار تفوق القدرة الشرائية للنسبة الأكبر من السكان ما يفاقم معاناتهم، وفق ما أفاد مسؤولون في الفصائل ومقاتلون وتجار في المنطقة. في المقابل، كان دخول سلع محددة على رأسها المواد الطبية والأدوية ممنوعاً. ولمع اسم تاجر في الغوطة الشرقية بسبب احتكاره لهذه التجارة: محي الدين المنفوش، صاحب معمل للألبان والأجبان في بلدة مسرابا، الذي ذكره الباحث آرون لوند في مارس الماضي في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» جاء فيه أن «الجيش السوري سلّم في عام 2014 رجل الأعمال من مسرابا محيي الدين منفوش الاحتكار غير الرسمي للتجارة مع المعقل المحاصر». وأضاف الباحث في مركز «سنتشوري فاونديشن» الأمريكي والذي كتب تقارير عدة عن الغوطة، أن المنفوش، «عبر عمله مع قياديي الفصائل والنظام في آن برز كشخصية محورية في اقتصاد المنطقة السياسي». ويقول رئيس المكتب السياسي لجيش الإسلام ياسر دلوان «سمح النظام بإدخال السلع عبر المنفوش، كان هو التاجر المعتمد من جانبه».