الملف السياسي

مخزون الطاقة المتجدد .. وضمان النجاح !!

30 يوليو 2018
30 يوليو 2018

د. عبد الحميد الموافي -

هذا القطاع حظي باهتمام كبير ومتواصل، وبرعاية مباشرة من جانب جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - انطلاقا من أهمية وضرورة بناء الإنسان العماني وأن تحقيق التنمية البشرية المستدامة، انما تعتمد بدرجة كبيرة على تنمية وبناء قدرات الشباب ، وهي عملية تبدأ من مراحل الطفولة والتعليم العام والجامعي، وتتواصل بالإعداد والتدريب وإيجاد فرص العمل، وإتاحة الفرصة لهذا القطاع الحيوي، ليقوم بالمشاركة الواعية وتحمل نصيبه الكبير في جهود التنمية الوطنية.

مما لا شك فيه أن شريحة الشباب، خاصة الفئة العمرية بين 18 و29 عاما، هي من أكثر شرائح المواطنين أهمية، ليس فقط في السلطنة، ولكن في كل دول العالم أيضا، وذلك بالنظر إلى أن هذه الشريحة هي أكثر الشرائح قوة وديناميكية وقدرة على التفاعل والاستجابة للتحديات التي يواجهها المجتمع ، ومن ثم تشكل في الواقع الركيزة، أو النواة النشطة للمجتمع، والتي منها وبها يمكن عمل الكثير في الواقع، خاصة على صعيد التغيير وتوجيه طاقات المجتمع وحشدها في اتجاهات تساعد في تحقيق الأهداف والأولويات الوطنية في مرحلة محددة.

غير أنه من الأهمية بمكان المسارعة إلى التأكيد على نقطة هامة، وهي أنه إذا كان تحديد شريحة الشباب في الفئة العمرية بين 18 و29 عاما تقريبا، هو تصنيف شائع ، إلا أن هناك العديد من التصنيفات والتقسيمات للفئات العمرية في المجتمعات، ومنها من يمتد بشريحة الشباب من 16 إلى 30 عاما ، أو يوسع الحد العمري الأعلى للشريحة أحيانا ، يضاف إلى ذلك أنه بحكم طبائع الأشياء، وبحكم الصيرورة العمرية، فان شريحة الشباب، وأيا كان التحديد العمري لها ، تظل الشريحة التي تعول عليها المجتمعات كثيرا ، فهي الشريحة التي تجاوزت عمريا مرحلة الطفولة والمراهقة، ومن ثم فإنه تم تكوينها تعليميا ومعرفيا وإعدادها لمزيد من اكتساب المعارف والمهارات الحياتية، لتشق طريقها في مجال العمل والانخراط العملي في عجلة الإنتاج في المجتمع، حاملة عادات وتقاليد المجتمع، وطموحات وتطلعات الشرائح الاخرى، ومنها الأكبر سنا، التي قد يشكل نضجها وتراكم خبراتها وتمرسها في الحياة قيدا أو مانعا لها من الاندفاع وراء أهدافها أو بعضها، ومن ثم تشكل شريحة الشباب في الواقع مخزون الطاقة المتجددة في المجتمع، بكل ما يعنيه ذلك من حيوية ومثالية وقدرة ورغبة في العمل والتضحية من أجل المجتمع وأهدافه العليا والحفاظ على مكتسباته أيضا.

وفي ظل الحقيقة الاجتماعية الراسخة المتمثلة في أن الفرد هو نتاج البيئة والمجتمع الذي ينشأ فيه، فإن الشباب بالتأكيد ليس مجرد فئة عمرية، ذات جدران فاصلة أو جامدة، لكنه في الوقت ذاته تكوينا فكريا ومعرفيا وقيميا يوفره المجتمع لأبنائه منذ أن تتفتح عيونهم على الحياة، وبقدر نجاح المجتمع ومؤسساته ومنظوماته الفكرية والتعليمية في بناء شخصية وأفكار أبنائه عبر الأجيال المتتابعة، منذ الطفولة، وعبر المراحل العمرية المختلفة للفرد، بقدر نجاحه في الاستفادة من الشرائح العمرية المختلفة من أبنائه، وفي المقدمة منها الشباب بالطبع، وهذه النقطة تحديدا تثير في الواقع العديد من القضايا المرتبطة بإعداد الشباب، وببناء الفرد، وبسبل وأساليب التنشئة المجتمعية المختلفة ، التعليمية والثقافية والاجتماعية وغيرها، وهي جوانب تزداد أهميتها وتأثيراتها في عالم اليوم، الذي يجد الشباب نفسه فريسة، إلى حد كبير، لوسائل التواصل الاجتماعي، بجاذبيتها وبقدرتها على التأثير، وبمحتواها المثير للجدل والقلق، الذي لا يمكن ضمان موضوعيته، ولا حرصه على مصالح المجتمع، بعد أن تحولت تلك الوسائل إلى أدوات عابرة للحدود ولكل الحواجز، تستهدف في أحيان كثيرة التأثير في توجهات الشباب، واستقطابهم ومحاولة تشكيل رؤاهم بعيدا عن مصالح المجتمعات وأولوياتها الوطنية، بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج وسلبيات تعاني منها الكثير من مجتمعاتنا العربية بدرجات مختلفة. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب ، فيما يتصل بمسيرة النهضة العمانية الحديثة، واهتمامها الكبير بقطاعي المرأة والشباب ، ولعل من أهمها ما يلي :

■ أولا : إنه في ظل الظروف التي انطلقت فيها مسيرة النهضة العمانية الحديثة، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه - فإن الحاجة كانت ماسة لكوادر وطنية للعمل في كل المجالات، وللنهوض بأعباء الانتقال من الوضع القائم في ذلك الوقت، إلى ما هو مأمول ، وما يسعى جلالة السلطان المعظم إلى تحقيقه. وهنا شكل الشباب العماني مفتاحا أساسيا، إلى جانب كل من يستطيع المشاركة في أي مجال من المجالات. وفي الوقت الذي حدد فيه جلالة السلطان إطار العمل الوطني في السعي إلى تحقيق حياة أفضل للمواطن العماني، والعمل من أجل بناء دولة حديثة قادرة على استعادة دور عمان وإسهامها الحضاري، دون ارتباط أيديولوجي بهذا المعسكر أو ذاك، والعمل فقط من أجل عمان وحاضرها ومستقبل أبنائها ، فإن جلالته فتح المجال واسعا أمام عودة العمانيين في الخارج إلى أرض الوطن، دون شروط، سوى العمل المخلص للمشاركة في مسيرة التنمية والبناء. وبالفعل شكل آلاف العمانيين الذين عادوا، بخبراتهم ومهاراتهم واستعدادهم للعمل من أجل بلدهم، قوة وطاقة إيجابية، ترافق معها استيعاب أعداد كبيرة من الشباب في قوات السلطان المسلحة وشرطة عمان السلطانية، لإعدادهم وتدريبهم للقيام بدورهم الحيوي في تلك المرحلة المبكرة لمسيرة النهضة العمانية.

وبالتوازي مع ذلك تم البدء في تنفيذ أكبر عملية تعليم تشهدها السلطنة في تاريخها ، ليس فقط لاستيعاب الأطفال في سن التعليم ، ذكورا وإناثا للانخراط في التعليم النظامي، الذي لم تكن المدارس اللازمة له قد اكتملت بعد، ولكن أيضا في مجال ما عرف في ذلك الوقت بالدراسة المسائية، وهي الفصول التي تم فتحها لتعليم الكبار، ممن فاتهم قطار التعليم ، رجالا ونساء، وممن انخرطوا في العمل الوظيفي، أو يريدون، وذلك لاكتساب العلم والمعرفة التي تمكنهم من القيام بالعمل في المواقع المختلفة.

وفي ظل هذا المناخ من الحماسة، بدأت في الواقع أكبر عملية للتنمية البشرية في السلطنة، من أجل إعداد وبناء المواطن العماني، وفي الوقت ذاته تم فتح المجال أمام استيعاب البنات في صفوف الدراسة في المدارس، ودون أية تفرقة من ناحية، مع فتح المجال أيضا أمام المرأة العمانية للعمل، جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل، وعلى قدم المساواة أمام القانون من ناحية ثانية.

ومن المعروف أن المرأة العمانية انضمت في وقت مبكر إلى شرطة عمان السلطانية، وإلى مجالات العمل المختلفة تدريجيا ، وفي إطار عمليات التحديث التي يشهدها المجتمع العماني بشكل تدريجي ومتواصل أيضا، وشكل ذلك كله ركيزة لما يعيشه المجتمع الآن.

■ ثانيًا : إن فتح المجال أمام تعليم الفتاة العمانية، وأمام استيعاب المرأة العمانية في مجالات العمل المختلفة، منذ بداية مسيرة النهضة العمانية الحديثة، وبما يتوافق مع طبيعة المرأة العمانية أيضا، شكل في الواقع نقلة نوعية في المجتمع العماني، وهي نقلة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية متعددة أتاحت للمرأة العمانية التمتع بكل حقوقها الاجتماعية، ومن ثم فإنها كانت خطوة بالغة الأهمية للاستفادة من نصف طاقة المجتمع، التي تمثلها المرأة العمانية، والتحول إلى طاقة فعالة في مختلف المجالات. والأكثر من ذلك أن جلالة السلطان المعظم كان يعول أيضا على الدور التنموي للمرأة العمانية ، باعتبار أن دورها كبير ومؤثر على مستوى الأسرة، وتربية الأبناء، وتلقينهم العادات والتقاليد والقيم العمانية الأصيلة، وأن المرأة المتعلمة أكثر قدرة على القيام بدورها الاجتماعي لصالحها ولصالح المجتمع أيضا ، وقد أشار جلالته - حفظه الله ورعاه - إلى ذلك أكثر من مرة ، داعيا المرأة العمانية إلى مزيد من العمل والإسهام في جهود التنمية في كل المجالات، فالمجتمع يحتاج إلى طاقات كل أبنائه.

من جانب آخر، فانه لم يكن مصادفة أن يتم إنشاء جمعيات المرأة العمانية منذ وقت مبكر من أجل تنشيط دور المرأة في العمل الاجتماعي والتطوعي في مختلف الولايات ، ثم حصلت المرأة العمانية على حق المشاركة السياسية، بما في ذلك حق الانتخاب والترشح لعضوية مجلس الشورى العماني، وذلك منذ أكثر من ربع قرن، ومن ثم كانت رائدة للمرأة الخليجية في هذا المجال. وبينما أثبتت المرأة العمانية قدرتها وكفاءتها في الإسهام والمشاركة والقيام بواجبها الوطني، في كل المجالات، دون استثناء، فإنه ليس مصادفة أن تشغل المرأة العمانية مواقع في كل مستويات الوظائف في الجهاز الإداري للدولة ، وفي السلطة التنفيذية أيضا، فهناك الوزيرات ووكيلات الوزارة، والسفيرات في الخارج ورئيسات البعثات الدبلوماسية العمانية لدى بعض المنظمات الدولية، وبالطبع عضوات مجلس الدولة - نحو 15 % من إجمالي عدد أعضاء مجلس الدولة الذين يعينهم جلالة السلطان، كما تشغل المرأة عضوية مجلس الشورى وعضوية المجالس المحلية في المحافظات، الذين يتم انتخابهم من جانب المواطنين، وكذلك وظائف في الادعاء العام، وعضوية مجالس إدارة العديد من المؤسسات مثل مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان وغيرها. هذا فضلا عن نيل شرف الانتماء إلى شرطة عمان السلطانية وقوات السلطان المسلحة. وباختصار شديد حظيت المرأة العمانية بالرعاية السامية وبكل الفرص لتمكينها من القيام بدورها لتعزيز التنمية الوطنية، وفي هذا المجال كان لندوة المرأة العمانية التي عقدت في رحاب المخيم السلطاني بسيح المكارم بولاية صحار عام 2009، وما صدر عنها من توصيات باركها جلالته، وما أعقب ذلك من خطوات وإجراءات عملية لدعم مشاركة المرأة العمانية، أثرها الكبير في تعزيز الدور التنموي للمرأة العمانية وعلى قاعدة أن المجتمع لا يمكن أن يحلق إلا بجناحيه ، أي بالرجل والمرأة معا، ومما له دلالة في هذا المجال أنه تم تخصيص يوم 17 من أكتوبر من كل عام كيوم للمرأة العمانية .

■ ثالثا : أما بالنسبة لقطاع الشباب، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن هذا القطاع حظي باهتمام كبير ومتواصل، وبرعاية مباشرة أيضا من جانب جلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه - انطلاقا من أهمية وضرورة بناء الإنسان العماني وأن تحقيق التنمية البشرية المستدامة، إنما يعتمد بدرجة كبيرة على تنمية وبناء قدرات الشباب ، وهي عملية تبدأ من مراحل الطفولة والتعليم العام والجامعي، وتتواصل بالإعداد والتدريب وإيجاد فرص العمل ، وإتاحة الفرصة لهذا القطاع الحيوي ليقوم بالمشاركة الواعية وتحمل نصيبه الكبير في جهود التنمية الوطنية في مختلف المجالات، مع إفساح المجال أمامه للتقدم والترقي وشغل أماكن ومواقع قيادية متقدمة، وفقا لما تؤهله له خبراته ومهاراته.

وعلى امتداد السنوات الماضية، ومنذ أن أمر جلالته، قبل سنوات عديدة ، كل مؤسسات الدولة، وكل المسؤولين بالعمل من أجل الأخذ بيد الشباب، تم في الواقع اتخاذ العديد من الخطوات العملية لدعم الشباب للقيام بدوره المنشود، وفي هذا الإطار لم يكن صندوق تنمية مشروعات الشباب ( شراكة)، ومشروع سند، وصندوق الرفد الذي بدأ برأسمال 70 مليون ريال عماني في عام 2013، والهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والبرنامج الوطني لتنمية مهارات الشباب، واللجنة الوطنية للشباب، وتحديد يوم 26 من أكتوبر من كل عام كيوم للشباب العماني، سوى نماذج ذات دلالة كبيرة في هذا المجال، وصولا إلى تعيين أكثر من 33 ألفا من الباحثين عن عمل في القطاع الخاص خلال الأشهر الماضية، هذا فضلا عن العناية بالحاصلين على شهادة الدبلوم العام من أبناء اسر الضمان الاجتماعي، وكذلك توفير المزيد من المنح الدراسية، سواء في مرحلة التعليم الجامعي أو مرحلة الدراسات العليا، وتشجيع البحث العلمي والابتكار وغيرها، وجميعها تصب في تحقيق التنمية البشرية المستدامة، التي شكلت ولا تزال إحدى ركائز التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، وهو ما يعود بالخير في النهاية على المواطن وعلى التنمية بكل مجالاتها، في الحاضر والمستقبل، ويضمن النجاح في تحقيق أهدافها أيضا، خاصة إذا تجاوب الشباب معها على النحو المأمول.