الملف السياسي

المـرأة العمانـية.. إنجـازات وتحـديات

30 يوليو 2018
30 يوليو 2018

د.صلاح أبونار -

إن نساء هذا القطاع يواجهن تحديات ثلاثية تكمن في: تطوير الدولة لسياساتها الاقتصادية الكلية الداعمة والتوعية المستمرة بالموجود منها، وتطوير الرائدات الذاتي لقدراتهن الإدارية والفنية، وتطوير المجتمع لمعاييره الثقافية.

شكلت مسيرة تقدم المرأة العمانية، مكونا أساسيا من مسيرة النهضة العمانية منذ سنواتها المبكرة. في وقت مبكر من مسيرة النهضة المباركة ، خاطب صاحب الجلالة - حفظه الله ورعاه - نساء عمان بالكلمات التالية:ندعو المرأة العمانية في كل مكان، في القرية والمدينة، في الحضر والبادية، في السهل والجبل، أن تشمر عن ساعد الجد، وأن تسهم في حركة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

و لسنا هنا أمام إعلان انطلاق مسيرة نهضة المرأة، بل دعوة للمشاركة في مسيرة انطلقت بالفعل . وتشهد الأرقام في عام 1969 - 1970 بأنه لم يكن في عمان سوى 3 مدارس ابتدائية، يدرس بها 900 طالب كلهم ذكور. وفي العام الدراسي التالي 1970 -1971 ، قفز العدد ليصبح 16 مدرسة تضم 6941 طالبا. منها 3 للإناث ومدرسة مشتركة، يدرس بها 1136 طالبة. وفي عام 1972 - 1973، أصبحت 73 مدرسة تضم 26737 طالبا. منها 9 للإناث و15 مشتركة، يدرس بها 4504 طالبة.

وفي وجهها الأول كانت تلك الانطلاقة، سعيا لتخطي الوضع المتردي للعمانيات خلال سنوات ما قبل النهضة. و في وجهها الثاني كانت عملية إحياء للتراث العماني الحضاري الثري، الذي تشهد عليه مدونات التاريخ . تخبرنا تلك المدونات عن عمانيات عالمات برزن في عصرهن، واقتنين الكتب الثمينة النادرة وأوقفنها لطلاب العلم، وجالسن العلماء وطارحنهم الأفكار، ومارسن تفقيه النساء في دينهن، وإمامتهن في الصلاة . ومارس بعضهن فتوى النساء فيما أشكل عليهن، احتوت بعضها كتب الفقه العماني. ومن هؤلاء الشيخة عائشة بنت راشد الريامية من بهلا، والشيخة فرحة بنت علي بن محمد بن عامر، والعالمة حسينة الحارثية من المضيبي، وريانه بنت ناصر بن محمد من الرستاق، وسالمة الحجرية. كما تخبرنا المدونات عن عمانيات كان لهن حضور بارز في المجال السياسي، مثل السيدة جوخة بنت محمد بن أحمد بن سعيد، وشريفة بنت سعيد بن سلطان، والشيخة الغالية بنت ناصر الغافرية. وتخبرنا المدونات أيضا عن طائفة ثالثة، شيدن المساجد ودور العلم وحفرن آبار المياه العامة، وأوقفن لها الأوقاف. وحتى الآن هناك آبار تحمل اسم النساء اللاتي تكفلن بحفرها، مثل طوي عائشة وطوي مريم في شرق عمان وطوي سليمة وطوي شيخة وطوي سعادة في شمالها. ولقد لاحظ بعض الرحالة الأجانب هذا الحضور النسائي المتميز.

كتب الإنجليزي جيمس رميود ولستد في كتابه «رحلة في شبه الجزيرة العربية»، في وصفه لزيارته لجعلان بني بو علي عام 1835:« لنساء هذه القبيلة قسط كبير من النفوذ في كل شأن من شؤون الحياة العامة. ففي هذه الفترة ذهب الشيخ لأداء فريضة الحج، فأصبحت شؤون القبيلة في أيدي زوجته وأخته». واجتمع بهما ورسم صورة لافته: عبرت هاتان السيدتان عن بالغ سرورهما لزيارة أحد الإنجليز لهذه الأرض، وكثر حديثهما في أمور السياسة والحكم، والسيد سعيد بن سلطان، وانفتاح الساحل على تجارة عمان الخارجية. وعندما زار ولاية منح لاحظ نساء المدينة على قدر كبير من النشاط.

وعندما ننظر إلى مسيرة المرأة العمانية، على مدى عقود النهضة وسنواتها ، سنجدها قد حققت قفزات كيفية ضخمة. وتبدو تلك القفزات بوضوح في مجالي التعليم والعمل. في مجال التعليم سنلاحظ ما يلي: حققت سياسات النهضة مساواة كاملة في الفرص التعليمية بين الجنسين، يكفلها القانون حقوقيا في إطار نسق قانوني عام مؤسس للمساواة بين المواطنين، تؤمنها عمليا سياسات الدولة عبر التنمية و سياسات الرفاه الاجتماعي.

وهكذا سنجد التعليم العام موزعا مناصفة بين الجنسين. في عام 2009 -2010 كانت نسبه الإناث في فصول التعليم الأساسي 49%، والمرحلة الابتدائية 50%، والاعدادية49%، والثانوية 48%. ولكن هذا توازن سيختل نسبيا في المرحلة الجامعية. فالإناث سيظهرن همة أكبر ، وهكذا وصل عدد الطلاب الإناث الجدد في 2013 - 2014 إلى 21166 مقابل 13727 للذكور. ولكن التفوق في التعليم العالي، يقابله ارتفاع نسبة أمية النساء، ففي 2015 كان معدل أميتهن 9.7%، والذكور 4.5%. وإذا علمنا أن أمية النساء تتركز في الفئتين من50 إلى 54 سنة ومن 60 إلى 64 سنة، سندرك أنها أساسا من مواريث فترة ما قبل النهضة .

وفي مجال العمل يبدو الأمر مختلفا نسبيا. هنا كفل القانون نفس درجة المساواة في الوظيفة ، التي كفلها في الحق في التعليم. ولكن علاقة العمل علاقة مركبة، ويمكن أن تأخذ مسارات ثلاثة: العمل في مؤسسات الدولة، أو القطاع الخاص، أو العمل المستقل الحر، ولكل شروطه الخاصة.

ويفسر هذا علة التفاوت في تشغيل النساء بين القطاعين العام والخاص. في 2015 شغلت النساء 41% من وظائف القطاع العام، و22% فقط من وظائف الخاص. وهي نسبة ممتازة سترتفع تدريجيا، والأهم هنا ضعف نسبتهن في الوظائف الحكومية العليا والوسطى ، ففي 2015 لم تتعد نسبتهن 22%. ولكننا نتكلم عن النسب فقط. ففي المقابل تشغل عمانيات أرفع المناصب. في 2003 - 2004 سنجد أربع وزيرات، وسفيرتين، ووكيلة وزارة ، و5 وكلاء ادعاء عام..ولا يمكن تقديم صورة دقيقة عن قطاع الأعمال الحرة، ولكن لدينا مؤشرات مفيدة. في عام 2009 كانت هناك8488 رائدة أعمال. و تتزايد أعدادهن باطراد، ففي عام 2015 شكلت النساء 29% من مستفيديي دعم صندوق الرفد، و 70% من أصحاب مراكز سند للخدمات.

ومع كل تلك الطفرات النوعية تواجه مسيرة النساء العمانيات تحديات يتعين مواجهتها، وأهمها حاليا تحديان. يتمثل الأول في تعزيز وجودها داخل مجلس الشورى. أجرت فاطمة البلوشية دراسة ميدانية نشرتها وزارة التنمية الاجتماعية، استكشفت فيها آراء 161 امرأة خضن تجربة الترشح للشورى، خلال الدورات من الثالثة إلى السابعة. وافق 71.6% من العينة، على فكرة أن الناخبين يميلون لاختيار الرجال، ورفضها 28.3%. ووافق 65% على فكرة أن المرأة غالبا لا تصوت للمرأة، ورفضها35% . ووافق 49.9% على فكرة أن النساء يؤمنّ بقدرة المرأة على تمثيلهن، ورفضها50%.

وقال 83.3% إنهن حصلن على دعم الزوج للترشيح ، وأفاد 73.3% بحصولهن على دعم الأب. وقال 44.2% إن بني القرابة الواسعة وافقت على ترشيحهن، وقال 55.8% إنها لم توافق. وفي معرض تفسير ذلك قال 76.7% إن تلك البنى تنحاز للرجال على حساب النساء. ووافق 73.3% على أن المجتمع المحلي لا يتقبل فكرة التواصل مع المرأة كممثله له في مجلس الشورى ، ورفضها 26.7% .ووافق 79.1% على أن الفكرة السائدة داخل المجتمع المحلي هي أن الرجل أقدر من المرأة على العمل في السياسة، ورفض 20.8% .

ووافق 41.6% على أن فكرة تعاون المجتمع المحلي مع المرشحة خلال فترة الترشيح،ورفضها 58.3% . ونخلص من الدراسة، إلى أن النساء في سعيهن للدخول إلى مجلس الشورى، يواجهن مشكلة التحيز الثقافي التقليدي للرجل على حساب المرأة، والذي تعرفه أغلب ثقافات العالم. وهو ما يعني أن ثمه حاجة إلى توعية ثقافية ممتدة وصبورة، وتجمع في عملها بين الوسائط والأدوات الرسمية والأخرى الأهلية.

ويتمثل التحدي الثاني في الصعوبات التي تواجهها النساء في اقتحام مجال العمل الاقتصادي الحر. ولهذا المجال أهميته ، لأنه يتيح منفذا لتخطي مشكلة انخفاض فرص العمل في القطاع العام، وانخفاض الأجور في القطاع الخاص. كما يمتلك إمكانيات الدخول في علاقات تكاملية مثمرة، مع خطط التنمية في المناطق الصناعية الخاصة، الساعية لإقامة مجموعة من المشاريع المتوسطة والصغيرة المغذية لها.وهناك دراسة أعدتها رقية الصادية ومعها راكيش بيلوال و رياء البادية، عن العقبات التي تواجهها رائدات الأعمال في منطقة الباطنة، من خلال استطلاع ميداني لآراء 101 رائدة أعمال.

بماذا تخبرنا رائدات الباطنة؟ هناك - أولا - عوائق البنية الاقتصادية العامة. وهنا يشددن على عدم كفاية التمويل والائتمان،وصعوبة الحصول على التجهيزات التكنولوجية، وضعف فرص الحصول المنظم على المعلومات، وضعف دعم الشركات الصناعية وصعوبة التواصل معها.

وهناك - ثانيا - عوامل تخص قصور أدائهن المهني. وفي هذا الصدد أشرن إلى ضعف قدرتهن على تشكيل وامتلاك مهارات العمل الحديثة، وإقامة علاقات العمل الخارجية ومشاركة الخبرات، وضعف فرص التدريب المناسب في الأطر الزمنية المناسبة. وهناك - ثالثا - العوائق الثقافية . وفي هذا الصدد يشرن إلى القيود المفروضة على سفرهن وإقامتهن المنفردة وتعاملهن الحر مع الرجال، بالتالي ضعف قدرتهن على عقلنة أساليب عملهن واكتشاف الفرص والتعامل معها. ويعني ذلك أن نساء هذا القطاع يواجهن تحديات ثلاثية تكمن في: تطوير الدولة لسياساتها الاقتصادية الكلية الداعمة والتوعية المستمرة بالموجود منها، وتطوير الرائدات الذاتي لقدراتهن الإدارية و الفنية، وتطوير المجتمع لمعاييره الثقافية.