tonis
tonis
أعمدة

تواصل :شريك دورسي وزوكربيرج يتابعك !

24 يوليو 2018
24 يوليو 2018

تونس المحروقية -

hlaa202020 @ -

مشهد أول :

تكتب على حسابها في تويتر عن قناعاتها في مختلف جوانب الحياة، تلك القناعات غير الملزمة لأحد بتبنيها، فحسابها لا يتابعه أكثر من ألف شخص، ولكنها في كل مرة تكتب منشورا تجد من يتهمها بالخروج عن الدين تارة وعن قيم المجتمع تارة أخرى ونعتها بأنها لم تلق حظا كافيا من التربية وينهال الشتم والنصائح من المتابعين بأن تغير من طريقة نظرتها للمجتمع والدين والحياة، ويزداد ذلك الوضع بتزايد نشر تغريداتها من قبل المتطفلين الذين يعدون أنفسهم أوصياء على الدين والمبادئ والأخلاق في وسائل التواصل الاجتماعي.

مشهد ثانٍ

يتفنون في الإساءة بالألفاظ النابية لأصحاب المنشورات التي يختلفون مع محتواها ثم عندما يتم حظرهم من تلك الحسابات يتداولون صورة الشاشة وحساباتهم محظورة من المتابعة ويتهمون من قاموا بحظرهم بأنهم مفلسون فكريا فبحسبهم لا يقوم بالحظر إلا من لا يستطيع المواجهة، يصفق لهم متابعوهم على انتصاراتهم الوهمية فيشعرون بانتشاء ويذهبون لشتم أصحاب تغريدات أخرى، ويغفلون عن سوء خلقهم الذي يجعل كل شخص لا يود حتى أن يسمح لهم بمتابعة حسابه.

مشهد ثالث :

كلما كتب أحدهم منشورا عن تجربة شخصية أو حياتية ألهمته وجعلت منه شخصا أقوى وعبر في منشوره عن سعادته بما وصل إليه الآن، رد عليه البعض: وسائل التواصل الاجتماعي ليست لقصصك الشخصية، أكتب عنها في مذكراتك أو أخبر عنها المقربين، ما علاقتنا نحن بها ؟ وكأنهم شركاء في شركات وسائل التواصل الاجتماعي واطلعوا خلال تأسيسها على شروط كتابة المنشورات في تلك الوسائل وأنها يجب أن تكون لخطط واستراتيجيات ودروس ومحاضرات فقط وليس لقصص شخصية وتجارب حياتية !

إن وسائل التواصل الاجتماعي وجدت لنشر ما يود المستخدمون مشاركته مع الآخرين مع وجود ضوابط بسيطة يتم تحديدها من إدارة تلك الوسائل، وهذا يجعل المستخدم محتارا في بداية فتحه حسابا في تلك الوسائل التي تمكن مستخدميها من كتابة منشورات كتويتر وفيس بوك إذ يسأل نفسه: ماذا يمكن أن أكتب؟ وهل هناك محاذير لموضوعات الكتابة أم أن المجال مفتوح؟ فهو يجد الآخرين وقد امتلأت حساباتهم بالتغريدات المختلفة ولا يعرف ماذا يمكن أن يكتب فيكتفي بالمتابعة لفترة وإعادة نشر ما قام غيره بكتابته، وقد يكمل حياته في ذلك الحساب وهو لا يود أن يفعل أكثر من ذلك لأنه سمع من بعض من سبقوه لهذه المنصات أنه لو اخطأ بكتابة ما لا يعجب الناس فقد يبدأون في شتمه وتداول صور من حسابه في رسائل الواتس أب؛ لذا من الأسلم له أن يلزم الصمت ويتابع فقط.

هناك من لا يستهويهم القيام بهذا الدور، فيبدأون بالكتابة حتى لو تضمنت منشوراتهم أخطاء إملائية وأخرى في الصياغة وغيرها لكنهم يشعرون أن من حقهم أن يعبروا كما يفعل غيرهم لأن حق التعبير تكفله تلك المنصات للجميع، يصدمون بعد فترة وبعد زيادة عدد متابعيهم بتوجيه بعض المتابعين لهم فيما يكتبونه وكأنهم قد قاموا بمنحهم توكيلا كي يفكروا عنهم ويكتبوا في حساباتهم بدلا منهم .

يصل البعض بعد فترة لتساؤل: هل نكتب في حساباتنا ما نريد أم ما يريد المتابعون أن يقرأوه فيتبادلونه في حساباتهم فتزداد شعبيتنا وبالتالي عدد متابعي حساباتنا، إذ يقرر البعض أن يكتب كما يريد الناس فتجدهم في كل وسم متداول في دولهم يعبرون عن الأفكار الجمعية المنتشرة حتى لو سادتها مغالطات واضحة، فكل ما يهمهم أن يزداد المصفقون لهم ولا يتعرضوا لردود الفعل السلبية.

هناك من يقرر أن يكون في حساباته في تلك المنصات بفكره الذي لا يرى ضرورة في أن يغيره ليلقى القبول المجتمعي وهؤلاء عادة وإن طرحوا أفكارا لا تشذ عن المقبول تجد من يعارضهم ويتهمهم ويخونهم ويحاول أن يكون وصيا على فكرهم لدرجة أن الكثير منهم يكتبون المنشور ثم لا يردون على أي من التعليقات الواردة ليتهمون أيضا بعدها بالغرور والتعالي !

ماذا لو كتب كل الناس كما يحبون ما داموا لا يضرون أحدا؟ وماذا لو كتبوا في اعتقاداتهم الدينية والفكرية وفي تساؤلاتهم التي تحيرهم في هذا المجال؟ وماذا لو حاولوا مناقشة المسلمات والأفكار المجتمعية السائدة ؟ ماذا لو كتبوا عن موسيقاهم المفضلة وأفلامهم التي يشاهدونها بشغف وكتبهم التي يستقون منها معارفهم وتجاربهم الحياتية وحتى إعجابهم بأنفسهم ونجاحاتهم ؟

ماذا لو فعلوا كل ذلك؟ ولم نتدخل كمتابعين برغبتنا في الوصاية على توجهاتهم وأفكارهم واهتماماتهم وتساؤلاتهم بمحاولة محاكمتهم الفورية وتأليب الرأي عليهم فقط لأنهم يحاولون أن يكتبوا بفكرهم هم وليس كما نريد لهم أن يكتبوا.

التعبير عن الأفكار والآراء في مختلف القضايا في الحياة هو حق أصيل لكل إنسان فتح تلك الحسابات كي يعبر عما يريد، فلماذا تسكننا الرغبة في الوصاية على الناس وأفكارهم ؟ وتأكيد أنهم مخطئون ووحدنا من نمتلك الحقيقة الكاملة التي بموجبها نحاكمهم بكلماتنا اللاذعة على أفكارهم وما يتبنونه وكأننا موكلون في الأرض لرسم حياة الآخرين وأفكارهم كما نريد أو كما اعتدنا أو كما نعرف وكأن جاك دروسي مؤسس تويتر أو مارك زوكربيرج مؤسس فيس بوك قد أعطيانا حق شراكتهما في تلك الشركتين الرائدتين كوسائل تواصل اجتماعي ومنحانا حق مراقبة كل من يكتب وإيقاف كل من نرى كتاباته على غير هوانا وهوى تلك الشركات التي نتوهم أن لنا حصصا فيها!