أفكار وآراء

العالم سيدفع ثمن سياسات ترامب حيال إيران !!

18 يوليو 2018
18 يوليو 2018

ديلي التلغراف -

أمبروز ايفان-بريتشارد -

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمر كل العالم بقطع استيراد النفط من إيران بحلول نوفمبر القادم . قليل من الدول يمكن منحها المزيد من الوقت لتسوية أوضاعها ، لكن لن تكن هناك استثناءات . إنه حصار شامل . لو استجابت معظم دول العالم – حتى الصين قد تجد من الصعوبة في أن تعاند – سوف يؤدي ذلك إلى خفض سعة الفائض النفطي للصفر بنهاية العام . سيكون هذا الوضع أسوأ من هزات نفط عام 1979 و2008 . لم يحدث أن انخفضت سعة الفائض لأقل من 1% في تاريخ أسواق النفط في فترة ما بعد الحرب العالمية .

بمجرد انحسار واقيات التخزين ، قد تؤدي أقل هزة في العرض أو أي ربكة جيوسياسية إلى شد الخناق . نحن تحت رحمة الأحداث .

ظن التجّار أن العقوبات الأمريكية قد تبدأ تدريجيا اعتبارا من الخريف . أصيبوا بصدمة عندما حذّر أحد كبار مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية الأسبوع الماضي بأن يوم 4 نوفمبر المقبل سيكون آخر موعد للكثير من الدول للامتثال وأن الدول عليها الاستعداد من الآن للوصول إلى لحظة الصفر (في استيراد النفط من إيران) حسب قوله .

مؤسسة (مورجان ستانلي) غيّرت استطلاعاتها تغييرا كاملا وتوقعت أن تخفّض كل من أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية من استيرادها بنسبة (1) مليون برميل في اليوم للوفاء بالتاريخ المحدد . وقالت أن إنتاج إيران سينخفض بمعدّل (1,3) مليون برميل في اليوم في عام 2019 . وهذه أرقام كبيرة في سوق عالمية حساسة . من جانب آخر توقعت مؤسسة (ويست.بك) للطاقة حدوث هزة شاملة تتضاعف فيها أسعار سعر نفط برنت إلى (150) دولار أو أعلى في وقت وجيز حسب توقعاتها. وأن كل خسائر العرض التي تحدث سوف تهيمن على قدرة سعة التخزين العالمية ، وبذلك تهيئ المسرح لفعل «انفجار أسعار» عام 2019 ، وكل الإرهاصات تشير إلى إمكانية الارتفاع لمستويات قياسية .

وقالت مجموعة (ويست.بك) في تقريرها: «نتوقع ارتفاع للقمة أشبه بمعدلات عام 2008 ولنفس الأسباب ، لكن هذه المرة عوامل التأثير أكثر قوة .» وأضافت أن السوق العالمية سوف تواجه عجزا قدره (1،5) برميل في اليوم بحلول الربع الرابع من هذا العام .

إنها لحظة فوضوية خطيرة في دائرة النفط العالمية في محاولة ترامب قفل الإنتاج الضخم . الفائض النفطي للسنوات الأربع الماضية تمت تصفيته . مخزونات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عادت لمعدلات دون مستوياتها قبل خمس سنوات . توضح دراسة أجراها مركز (دالاس للاحتياطي الفيدرالي) أن الاستثمار في المشاريع التقليدية الكبيرة طويلة الأمد حول العالم قد انهارت بمعدل الثلثين ما بين 2014 و2017 .

نتائج هذا الانهيار تم التستّر عليها حتى الآن . الإنتاج من المشاريع القديمة ما زال يتصاعد بشكل صوري ، لكن هذا التصاعد سينتهي بسقوط مدوٍ خلال العام المقبل عندما ينقص الإنتاج فجأة بنسبة واحد ونصف مليون برميل في اليوم .

إنتاج دائرة النفط الصخري الأمريكي قصير المدى يسد الثغرة حتى الآن ، وكان قد ارتفع من لا شيء قبل عقد من الزمان لأربعة ملايين ونصف المليون برميل في اليوم . من المؤكد أنه سيتصاعد أكثر بانخفاض تكاليف الحفارات والتصوير الزلزالي . يقول قدامى المنتجين من حوض نفط (بريميار) غرب تكساس أن الإنتاج سيرتفع إلى ستة ملايين برميل في اليوم في نهاية المطاف ، وهو الشيء الذي يجعله من أقوى حقول النفط في العالم أن لم يكن أقواها.

حقل (برميان) عليه أن يتجاوز صعوبة مرحلة التأسيس التي تستمر حتى أواخر 2019 . ليس هناك عدد كاف من الأنابيب لساحل الخليج الأمريكي ، كما أن الكسارات صارت تعمل في مياه ضحلة وتسرب الرمل للمكان . هناك نقص حاد في عدد العمال ولا يجدون مكانا للنوم .

تقول مجموعة (دالاس فيد) أن منتجات النفط الصخري لم تعد تفي بمعدلات الطلب المتنامية ، وأضافت أن الأسواق أصبحت عرضة لهزات جيوسياسية . في نفس الوقت ظل إنتاج النفط الفنزويلي في حالة هبوط حاد بينما جعلت مؤسسة الإنتاج العملاقة (بي.دي.في.اس.ايه) تعاني من نقص قطع الغيار وانخفض عدد الحفارات الى أربعين تزامنا مع هبوط كبير في الإنتاج اليومي .

من جانب آخر فإن تجدد الحرب في ليبيا خفض مستوى الإنتاج بنحو (450) ألف برميل في اليوم ، وهذا أثر تأثيرا سيئا على المرافق . وتقول «هليما كروفت» من مؤسسة (آر.بي.سي كابيتال): إن الإنتاج في المنطقة الشرقية في ليبيا قد توقف تقريبا ، ولأجل غير مسمى ، بعد سقوط موانئ سيرت تحت سيطرة القوات المسلحة هناك . ويصحب ذلك توقفات في نيجيريا وكازاخستان وأنجولا وكندا .

الرئيس الأمريكي ترامب ينوي الإثارة لتغيير الأنظمة الحاكمة بإحداث انهيارات اقتصادية وعلى العالم أن يستجيب .

كل هذه الإشكاليات يمكن تخطّيها بدون تصفية الحسابات مع إيران . هذا ليس نزاعا يمكن حلّه بسهولة .

قالت وزارة الخارجية الأمريكية في تقرير لها: «لدينا الكثير من وسائل التأثير الدبلوماسي لمداعبة وحث شركائنا والتفاوض معهم . هم يفهمون أن وزير الخارجية والبيت الأبيض لا يمزحون.»

يمكن للأوروبيين فقط صك أسنانهم ، حيث إنه ليست لديهم حيلة للدفاع عن الاتفاق النووي الإيراني . الحديث عن فقرة حماية الشركات الأوروبية لعام 1996 ما هو إلا مجرد هراء . تخاطر الشركات التابعة للاتحاد الأوروبي ذات النشاط الدولي بمواجهة «العقوبات الثانوية» ، التي تفرضها الخزينة الأمريكية ، إذا رفضت الامتثال للأوامر . وسوف يتم منعها من ممارسة نشاطها التجاري في أسواق المال الأمريكية ونظام الدفع الدولي بالدولار .

لا أحد يجرؤ على الرفض . شركة توتال الفرنسية تنسحب من مشروع إيران (ثاوث بار) المكوّن من 11 حقل غاز . كما أن (بيجو) و(سيمينز) أيضا تنسحبان . قالت الولايات المتحدة: إن (50) شركة دولية أشارت إلى أنها ستنسحب .

مكتب (التحكم في الموجودات الأجنبية) الأمريكي يملك فريقا نخبويا بإمكانه كسر شوكة الأعداء بوسائل أطلق عليها «وسائل ثعبان البوا في احتواء الضحايا » ، وهذه هيمنة اقتصادية فجّة . هذا يغضب وزير الخارجية الفرنسي الذي قال: «هل يتسنى علينا أن نكون فرسانا فقط باتباع القرارات الأمريكية اتباعا أعمى؟»

لا شك أن واشنطن تخزّن ما يكفي من المشاكل للمستقبل . ومن الأفضل عدم الإكثار من استخدام مثل هذه القوة ، ويستحسن أن يتم ذلك بانسجام مع الحلفاء . سوء الاستخدام بواسطة إدارة خارجة عن القانون يسرّع من اليوم الذي سيحرر باقي العالم نفسه من سيطرة أنياب الدولار . حتى الآن على الاتحاد الأوروبي وآسيا مسايرة وتحيّن الفرص .

حتى مؤسسة النفط الصينية (يونيبيك) ليس بإمكانها تحدّي الرئيس ترامب . ( يونيبيك) هي أكبر مستورد آسيوي للنفط الأمريكي ، ولها موجودات عرضة للخسارة في أمريكا . أي بنك صيني ساعد إيران ماليا أو بواسطة الشحن البحري أو التأمين أو الدعم اللوجيستي للصناعة النفطية سوف يخاطر مخاطرة كبيرة ، حيث إن مثل هذه البنوك ستجبر للعمل في حدود أراضيها . رفعت إيران صادراتها لمستوى (2,8) مليون برميل في اليوم في دَفعة أخيرة قبل إعادة فرض العقوبات الأمريكية . تحاول واشنطن خفض هذا التصدير على الأقل بنسبة (2) مليون برميل في اليوم بحلول نوفمبر أو قبله بقليل . هذا أكثر مما تتوقعه الأسواق ويحدث هذا بشكل متسارع أكثر مما هو متوقع . قال ترامب في تغريدة له أن المملكة العربية السعودية ستساعد بضخ (2) مليون برميل في اليوم . و بيانات (رويترز) تقول أن المملكة تنتج إنتاجا قياسيا قدره (10,7) مليون برميل في اليوم . ويقول (جاري روس) من شركة (اس.أند.بي جلوبال) الأمريكية ،إن شركة أرامكو السعودية ستعمل بأقصى طاقة لإنتاج (11) مليون برميل في اليوم سنويا هذا العام ، لكن حتى هذا سيترك إيران في حالة ترقب . الواقع أن السعودية وروسيا معا ، قد يواجهان صعوبة في الوفاء بتعهداتهم ، برفع الإنتاج بنحو مليون برميل في اليوم في وقت قريب، لتغطية عجز مساهمة النفط الإيراني في سوق النفط العالمية .

تقول مؤسسة (ويست.بك) للطاقة أن مستر ترامب عليه أن يطلق احتياطي البترول الاستراتيجي لمنع تصاعد الأسعار بشكل صارخ أثناء حملة الانتخابات ، كما يمكنه أيضا إطلاق (30) برميل بدون موافقة الكونجرس.

سوق النفط العالمي بالطبع يضبط بشكل دقيق . أي تراخ في الصين أو أي حرب تجارية قد تخنق الطلب . تهديد الطاقة سيتلاشى بسرعة . لكن إذا كان صندوق النقد الدولي محقا في توقعاته بزيادة في معدل النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3.9% هذا العام والعام التالي ، فإننا قد ندخل مباشرة في عاصفة إمدادات نفطية .

من المخيف أن تتخيّل عالما بقدرة احتياط (صفر) خلال أربعة أشهر .

== انتهت الترجمة ==