1387212
1387212
مرايا

تشكل عبئا على البعض - المجاملة.. أكـــذوبـة مجــتمـــع أم أســلوب دبـلـومـاســي

18 يوليو 2018
18 يوليو 2018

كتبت- كلثم بنت عبد الله الدرمكية -

تقتضي الحياة وجود أسلوب اللطف عند التعامل مع الآخر من باب تحسين العلاقات الاجتماعية وتعميقها، فيجامل الشخص أخاه خوفا من وقوع كلمات جارحة على قلبه، لكن اتخذت المجاملة منحنى آخر تطلبت فيه تبذيرًا للأموال من أجل مشاركة الفرد الآخرين أغلى الهدايا أو تكريم ضيفه بأكثر من مقدور جيبه. فهل فعلًا يحتاج المرء منا إلى تغيير قناعاته الداخلية من أجل التعايش -ولو ظاهريا- مع كل ما يستجد في الحياة الاجتماعية؟

أكد الدكتور إيهاب محمد أبو ستة، أستاذ مساعد النحو والصرف والعروض بقسم اللغة العربية بجامعة السلطان قابوس، على ضرورة المجاملات في الحياة الاجتماعية قائلًا: «المجاملات الاجتماعية أجدها ضرورة ملحة من أجل ترابط المجتمع؛ فبالمشاركة الوجدانية يتزايد ترابط الأسرة الواحدة، كما يصبح الفرد عضوا فاعلًا يبادر بمبادلة الهدايا.»

واستدل أبو ستة بقول المصطفى (ص) «تهادوا، تحابوا» موضحًا أنه ينتج عنها توسيع في دائرة المعرفة وأضاف: «المجتمع دون أي مجاملات ليس إلا مجتمعًا باردًا مفككًا، لا يتعارف أعضاؤه ولا يتآلف، بيد أن وجودها يقتل الفردية والأنانية من الانتشار في محيطه.»

المجاملة المحمودة

وتبين فاطمة الهدابية، طالبة إذاعة وتلفزيون بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية، أن استخدامها للمجاملة لا يتأتى بدوافع سلبية قائلة: «لا أخفي أنني ألجأ إلى استخدام المجاملة (المحمودة) أحيانًا لاسيما مع الأشخاص الغرباء الذين تربطني بهم علاقة سطحية؛ خشية أن يؤثر حديثي أو ردة فعلي عليهم سلباً بحكم عدم معرفتي التامة بهم، ويظهر ذلك أثناء توجيهم لي بسؤال ولنفترض عن مدى إعجابي بأمر قد فعله وأنا لم أُعجب به، بل ولست مؤيدة له كما وأراه أمرًا عاديًا للغاية لا يستحق، فغالبًا ما تكون إجابتي قليلًا مُحملة بالجانب الذي يظهر إعجابي به، وأنه لأمر جيد أكثر من إظهاري للجانب الذي أود انتقاده فيه.»

مبررة الهدابية رأيها من باب التعزيز، رغم يقينها أن المجاملة تأتي لسبب عاطفي لن تستطيع من خلالها إفادة أو تحسين الطرف الآخر جذريًا أو على الأقل شخصيًا، فتجد أن المجاملة المحمودة تمثل ذوق، على خلاف لمجاملة السلبية التي ربما قد تكشف الغطاء عن حقائق وأفعال البشر.

فيما يعتقد محمد الدرمكي، طالب بكلية التقنية بنزوى، أن من أسس إبداء الرأي أو النقد أيّا كان هو قولُ الحق الذي لا تشوبه شائبةٌ، مبينا ان الكثير منّا يصنع من مجاملات الغير أوهامًا على صوابه في الفعل، ونراهم يشيدون قصورًا في السماء إلى أن تنحدر بهم في وهلةٍ من العمر، وعدم اتفاقه مع المجاملات الاجتماعية لا يعني التخلي عن التحفيز واللطف في مقابلة الغير لأفعالهم، بل وعلى العكس تمامًا فإن النقد عندما يكون بطريقةٍ إيجابية نراه نقدا بناءً لا هادما حطّاما.

وأضاف :« ظاهرة المجاملات في مجتمعاتنا العربية والخليجية -على وجه الخصوص- ظاهرةً منتشرة بشكلٍ كبير، بِيد أني لا أجد لتفاقمها نفعًا؛ وإنما تكبر معها إساءة الظنون خصوصًا من الطبقة اللاواعية، كما أرى أن الاعتياد دونها أو تقليلها عند الحديث ما هو إلا بدايةً للحد من خطرها على نفوس الآخرين.»

عبء

أما من منظور أحمد السليمي، طالب علاقات عامة بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، فإنه يؤكد أنه لا ضرورة للمجاملة الاجتماعية طالما أنها تسبب خللًا في الوضع الاقتصادي للفرد، فعادةً ما يكثر استعمال أسلوب المجاملة بين الأهل والأصحاب إما لمصلحة شخصية أو لإظهار المحبة والألفة، لكن هناك من يتعدى حدود المعقول ليصل إلى درجة التكلف، فنجده يجامل غيره على حساب ذاته ليقدم أثمن الهدايا بل وأغلاها قيمة للطرف الآخر، حتى وإن تسببت بعبء مادي، ونجد آخر يدعو أقاربه وأصحابه لمناسبة ما، فيسرف فيما يقدمه لهم على حساب مفهوم الكرم.

وشدد السليمي: «أجد مغالاة تندرج تحت المجاملة ذاتها، فأساس العلاقات الاجتماعية الود والمحبة وليس للمجاملة أي أهمية في إطارها، لماذا نسعى دائما لإثبات أهمية الطرف الآخر لنا من خلال المجاملة المفرطة؟»

الاتزان

تشير إحدى دراسات المجتمع الياباني إلى أن الأشخاص الذين يتلقون مجاملات أثناء تنفيذ عمل معين يكون أداؤهم أفضل بكثير من الأشخاص الآخرين.

وعبرت منيرة الحضرمية، طالبة علم نفس بكلية مزون، أنه كلما كانت المجاملة متزنة وصادقة وغير مبالغ بها، تركت الأثر الطيب في نفس كل من المعطي والمتلقي، وبالتالي يصبح المجامَل أكثر انسجامًا بين كلام الشخص وأفكاره وقناعته الذاتية، حيث قالت: «المجاملة اللطيفة تحفز الذات، وتكون مصدرا لبث المشاعر الإيجابية، وهي وسيلة جيدة للدعم العاطفي وتوطيد العلاقات -على أن تكون مجاملة معتدلة غير مبالغ بها- وفي كثير من الأحيان تفقد المجاملة قيمتها فتصبح أقوالًا مزيفة وتفسد الترابط الاجتماعي وتبعدنا عن الواقع، والأخطر من ذلك حينما تتعدى لتصبح أفعالا مسببة مشاكل اجتماعية وأعباء نفسية، فقد أصبح تقديم الهدايا باهظة الثمن والإسراف في الحفلات والعزائم شكلا من أشكال المجاملات المقبولة في المجتمع، وقد تمتد المجاملات إلى مجال العمل ما بين التوسط لأحدهم لينال ما لا يستحقه وقبول الرشوة للوصول إلى منصب أو مكانة أعلى، مما ينتج الفساد والظلم ويمنع الأفراد من تطوير ذواتهم ويدفعهم للكذب والنفاق».

ووافقتها الرأي سهام الناصرية، خريجة العمل الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، قائلة: « أعتبر المجاملة المعقولة سلوك إنساني يعبر من خلاله الفرد عن مشاعره الإيجابية نحو الطرف الآخر مع مراعاة عدم الخروج عن الحدود المتعارف عليها من باب اللطافة، وذلك من أجل الحفاظ على العلاقات الاجتماعية المختلفة، من أجل رفع الهمم و تعزيز الثقة.»

وأشارت إلى أن المجاملة في مجتمعاتنا العربية عرف اجتماعي سائد يظهر عند الترحيب بالضيوف وإكرامهم، ويظهر من خلال احترام أصحاب العمل لزملائهم ورؤسائهم، يظهر أيضاً في العلاقات الأسرية وغيرها من المظاهر التي توضح أن المجاملة الواقعية البعيدة عن المبالغة مهمة جدًا ضمن إطار التهذيب والاحترام.