1392095
1392095
المنوعات

حارة اليمن القديمة مستودع حضاري مهجور يترقّب الحياة

15 يوليو 2018
15 يوليو 2018

يعود تاريخها إلى ما قبل الإسلام -

كتبت - كلثم الدرمكية -

ما زال أبناء بلدة اليمن يرددون بيتًا شعريًا للشيخ القاضي سالم بن محمد الدرمكي كتبه وصفا فيهم منذ القرن الثامن عشر قائلًا «ما بين بابي عين سعنة واليمن، سوق تباع به القلوب بلا ثمنِ» مسترجعين بذلك الإرث الذي خلفه الأجداد لهم، حارة اليمن القديمة تعد تحفة تراثية عريقة كونها من أقدم التجمعات البشرية التي بنيت بعد مجيء العرب من اليمن (القحطانيون) ولكونها تقع في قلب واحة إزكي بمحافظة الداخلية التي يمتد تاريخها إلى العصور الحديدية.

حارة اليمن أنموذج شاهد على عظم الإنسان في فن العمارة الحربية الإسلامية، بيوتها بنيت بتخطيط هندسي دقيق بارع على خطوط مستقيمة تتفرع عنها سكك (طرق) ضيقة نسبيا، تضم داخلها جامعا (جامع إزكي) ومسجدا (مسجد أبي سبت) وخمسة مجالس، كما تحتوي على أربع آبار ماء، يحيط بالحارة سور منيع به ثلاث قلاع مرصوصة بالجص من عمق القاع وأربع بوابات لضمان حماية أهلها من الاعتداءات.

في كتاب نُشر عام 2013م للأستاذ خالد الدرمكي، بكالوريوس تربية تاريخ بعنوان «بلدة اليمن، تاريخ وإرث وفن» أوضح فيه أن الحارة يوجد بها المئات من البيوت المزخرفة أسقفها بألوان حمراء وكتابات بيضاء، يعود أطلال الجدران فيها إلى عقود من السنين تؤكده أسقف المنازل التي شيدت في عهد السلطان سعيد بن تيمور، لكن هذا لا يعني أن الحارة قريبة العهد بالحياة فتاريخها يعود إلى ما قبل الإسلام لتمتد إلى أجيال متواصلة تعود إلى ألفيات متسلسلة من الحياة.

وتوفِّر حارة اليمن سجلًا حول سيطرة المجموعات القبلية الفردية مثل الدرامكة وتسكنها قبائل أخرى هي: الصقور، الرواحيون، الجهضميون، العوامر، الهشاميون، البهلانيون، القصابيون، الحضرميون، الخويطريون وغيرهم.

العيش قديمًا

وعلى لسان الوالد عبدالله الدرمكي حول آلية العيش في الحارة القديمة قال: كان ينتقل سكان الحارة إلى المزارع في موسم حصاد الرطب وعند الانتهاء منه يعودون إلى الحارة مرة أخرى وكانت هذه العادة لديهم كل سنة، وذكَر أن حرب الجبل الأخضر في الفترة (1954-1959) قد أثرت على سكان القرية فمنهم من استقر في المزارع ومنهم من غادر تمامًا خوفًا من أن يلحقهم الأذى بسبب الحرب.

كما أشار الدرمكي إلى أن والدته كانت ضمن من قطعوا شوطا من بلدة اليمن إلى منطقة «سيما» التي تبعد مسافة عدة كيلومترات مشيًا على الأقدام حاملين زادهم هربا من أن يكونوا ضحية للحرب إلا أنهم عادوا بعد انتهائها لتعود حياتهم بشكلها الطبيعي.

وبعد ظهور المخططات السكنية الحديثة انتقل جميع ساكني الحارة القديمة إليها فأصبحت الحارة مجرد أطلال مهجورة، حيث تداعت أغلب بيوتها للسقوط بفعل الأمطار والعوامل الجوية المختلفة.

وصفتها إحدى السائحات أنها «قطعة ثمينة من التراث تركت لتموت» بالرغم من أن وزارة التراث والثقافة المعنية بشؤون الحفاظ على الموروث الحضاري بالسلطنة قد وضعت حارة اليمن القديمة ضمن خطط إعادة الترميم لتكون مزارًا جاذبًا للسياح إلا أنها لم تحظ حتى الآن بأي حركة ترميم.

يلاحظ أبناء بلدة اليمن بين الفينة والأخرى حركة سياحية متذبذبة من قبل السائح الأجنبي والمواطن كذلك فموقعها الاستراتيجي جعلها وجهة سياحية سهلة كونها تبعد عن العاصمة مسقط مسافة ما يقارب 140كم.

وقال يونس العبري، زائر، عن الحارة: من المؤسف أن مثل هذه التحفة الأثرية لم تشهد أي حركة ترميم وسقطت أسقف جميع منازلها فلم يتبق منها سوى الجدران المتهالكة التي بالكاد تقوى على الصمود إذا ما تم الاهتمام بها وإعادة ترميمها.

قرية عِلم

احتضنت القرية عددًا كبيرا من الفقهاء والعلماء إلى جانب الشعراء والأدباء منذ القرون الهجرية الأولى أمثال: جعفر بن محمد الطيار، أبو جابر محمد بن جعفر الأزكوي، سليمان بن سعيد بن محرز، محمد بن سالم الدرمكي، الشيخ الفقيه حمود الدرمكي، الشاعر الأديب الأستاذ يحيى البهلاني وغيرهم، بالإضافة إلى أدباء معاصرين في بلدة اليمن أمثال: الشيخ الشاعر خليفة بن محمد الدرمكي، والأستاذ الشاعر سعود الصقري، والأستاذ الشاعر محمود الصقري والشاعر هلال البهلاني.

ولا تزال هذه الأرض المعطاءة تنجب نخبة من الشعراء ترعرعوا على كتابته وأجادوا كتابته ممن سلفوا ومنهم الشاعر هشام الصقري.

استرجاع التاريخ بالفن

فرقة المجلس المسرحية تسعى منذ تأسيسها عام 2007 إلى إبراز الجوانب التراثية والحياتية في ولاية إزكي عامة وقرية اليمن خاصة فكان لها النصيب الأسد في الترويج لحارة اليمن القديمة من خلال إنتاجاتهم المسرحية المختلفة ويوضح أمجد الدرمكي، رئيس الفرقة أسباب تصويرهم بالحارة قائلًا: «في المقام الأول كانت فكرة الأفلام تعتمد أساسًا على حارة قديمة متكاملة إلى جانب تسليط الضوء على الأماكن التراثية للقرية».

ولم تقتصر جهود الفرقة على ذلك فحسب بل امتدت لتحقيق أهداف أخرى أشار إليها الدرمكي في حديثه إلى أن هناك أهدافا عميقة وراء اختيارنا للتصوير في الحارة القديمة تكمن في تعريف الجيل الحالي والأجيال القادمة بماضي الأجداد، وربط الماضي بالحاضر لأخذ العبر والدروس بالإضافة إلى إحياء التراث، كما أن الحارة أهملت ونحن نسعى إلى إبرازها لأجل الاهتمام بها من قبل الجميع.

أما عن أهم الأفلام المصورة في الحارة القديمة أولها جاء تحت اسم «الظلم ما يدوم» وهو يعد كذلك أول إنتاجات الفرقة التي سلّطت على ظاهرة الظلم في الزمن القديم، فيلم «سوق القرية» الذي صوّر ظاهرة تسلط الغني على الفقير في سالف الزمان أما عن أحدث إنتاجاتهم فتمثلت في فيلم «حارس الحارة» الذي يحكي قصة واقعية حدثت في القرية القديمة، كما أن هذا الفيلم يعد باكورة أعمال فرقة المجلس المسرحية.

وأكد أمجد الدرمكي أن الفرقة بعد نجاح فيلم «حارس الحارة» تفكر في عمل فني آخر يتناول قصة واقعية أخرى، بهدف تعريف المشاهد بأهم الأحداث التاريخية في حارة اليمن القديمة والقصص المرتبطة بها.

إن إزكي تعد من أعرق ولايات السلطنة، برز اسمها في الإسلام وكان لها باع طويل في الجاهلية تحت مسمى «جرنان» نسبة إلى وثن يعبد آنذاك وشاع سبب تسمية إزكي بهذا الاسم إلى كثرة إخراج أهلها للزكاة وفي رواية أخرى أن قبائل جرنان كانت أول من أدت الزكاة في عُمان.