المنوعات

مقال : العقول والحقول

07 يوليو 2018
07 يوليو 2018

عادل محمود -

نقص الإحساس بالفاعلية عند المواطن، يؤدي إلى الاستخفاف بالمعرفة، وتجاهل الانخراط في الشأن العام. المعرفة، بلا وظيفة ومجال حيوي في الثقافة، تؤدي إلى كسل المسعى الإنساني لتحسين شرط الحياة.

والشأن العام، إن كانت مؤشرات اللاجدوى من الانخراط فيه... ثابتة ومتفاقمة، فإن المواطن يتراخى، ثم يهمل، ثم تضمر لديه حاسة النقد، ورغبة المشاركة... فيتسع الهامش والمهمشين.

الشأن العام ليس إدارة البلاد والعباد فقط، بل هو مناخ يسمح للفاعلية الفردية والجمعية بالنشاط والنمو.. مناخ المباراة وإحراز النصر.

المعرفة هي القواعد الأساسية للتطوير والحداثة.

ولكن المشكلة أن السلطات العربية تعتبر الاهتمام بالشأن العام هو عتبة من عتبات الاحتجاج على السلطة، ومعارضتها، ثم لاحقاً مشروع استلام السلطة.

لذلك تتم مراقبة النشاط المدني والعام بوصفه احتمال خطأ أو خطر.

ولذلك لا تنشأ في الدول العربية بيئات ثقافة، منصات إبداع، شخصيات تاريخية تمسك أحياناً بالراهن لتجعله، في زمن قياسي مؤشراً للمستقبل.

في تقرير طريف وحقيقي... قدمته السفيرة البريطانية «جين ماريوت» إلى مجلس العموم البريطاني، عن التعليم في العالم العربي، جاء ما يلي: «النظام التعليمي في العالم العربي... يؤدي إلى مفارقات مدهشة: فطلاب الدرجة الأولى من الأذكياء يذهبون إلى كليات الطب والهندسة.

بينما خريجو الدرجة الثانية يذهبون إلى كليات إدارة الأعمال والاقتصاد.

وبذلك يصبحون مديرين لخريجي الدرجة الأولى.

خريجو الدرجة الثالثة يتجهون للسياسة، فيصبحون ساسة البلاد، ويحكمون خريجي الدرجتين الأولى والثانية.

أما الفاشلون في دراستهم، فيلتحقون بالجيش والشرطة فيتحكمون بالاقتصاد والساسة، ويطيحون بهم من مواقعهم، أو يقتلونهم، إن أرادوا.

أما المدهش، حقاٌ، فهو أن الذين لم يدخلوا المدارس أبداً، فيصبحون أعضاء مجالس نيابية، وعمداء، وشيوخ قبائل... والجميع يأتمرون بأمرهم». ويمكن أن نضيف أيضاً «شيوخ مساجد وتكايا، ومرجعيات فتاوى تأتي من اجتهادات في تفسير النص الديني فتتحكم، باليقين، وبأنماط التفكير، وطبائع البشر، وأهداف المسعى.

سئل مؤسس سنغافورة «لي كوان يو»: «ما هو الفرق بين سنغافورة ودول العالم الآسيوية؟ قال: «الفرق هو أننا بنينا المكتبات، ودور البحث العلمي وهم يبنون المعابد.

نحن نصرف الأموال على التعليم وهم يصرفونها على التسليح.

نحن نحارب الفساد في قمة الهرم، وهم يمسكون اللصوص الصغار ولا يقتربون من المفسدين الكبار». معلومة: دخل كوريا الجنوبية من صادرات الرقائق 10 مليارات دولار شهرياً، أي ما يعادل 5 ملايين برميل نفط يومياً، مما يجعل «التنمية البشرية» إحدى فاعليات الثراء الوطني.

وهذا هو الفارق بين ثروة العقول وثروة الحقول.