Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :النسيان نعمة.. هناك من لا يتفق

06 يوليو 2018
06 يوليو 2018

بقلم: أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يحرص أكثرنا على أن تبقى ذاكرته قوية، لا تربكها حوادث الأيام، ولا ظروف الحياة، وهذا الحرص- على أهميته- إلا أنه ليس يسيرا بقاؤه، ولا متاحا دوامه، ولذلك ترى التفاوت الكبير بين الناس فيما يخص هذه الذاكرة، وإن كان هناك شبه اتفاق، أو قناعة بين الناس على أن للعمر دورا كبيرا في فعل هذه الذاكرة، أو انسحابها من ميدان الحياة، فغالب القناعات أن صغار السن تظل ذاكرتهم كالصخر « فالعلم في الصغر كالنقش على الحجر» - كما يقال- بينما عند كبار السن تتضاءل هذه الصلابة، وتضمحل مع مرور الأيام وتوالي السنين، وقد تحتفظ الذاكرة – لدى كبار السن – على ما خزنته طوال سني العمر الأولى؛ حيث يبقى ذلك زادها الذي تكبر عليه، وقد تأخذه إلى مثواها الأخير، أما الجديد فلا يجد له مخزنا في إحدى زوايا هذه الذاكرة لديهم، وإنما يمر مرورا عابرا مسلما ومودعا في ذات الوقت، ويقينا أن في ذلك حكمة الله في خلقه، فلو قدر لأن تحتفظ ذاكرتنا بهذا الكم الهائل من المعلومات طوال سنوات العمر، فلربما ضيقت علينا حياتنا، وأربكت هدوءنا واستقرارنا، لأن مجموعة المصادمات التي نعيشها طوال سنوات العمر، ومجموعة المآسي التي تمر علينا- وإن كانت قليلة- مقارنة بالمواقف الإيجابية، إلا أنها يقينا سوف تنغص حياتنا، ولن تدع لنا صديقا، ولا أخا حميما نتآزر به، ويتآزر بنا، فالنقاط السوداء في حيواتنا مزعجة إلى حد الألم المبكي، فالحمد لله على نعمته وفضله وإحسانه.هناك من يعلل أن للبيئة الاجتماعية دورا كبيرا في الحفاظ على سلامة الذاكرة، فالأفراد الذين يعيشون في بيئات مستقرة آمنة لا تتداخل مع عوامل التوتر تبقى أكثر حفاظا على مكوناتها المخزنة طوال سنوات العمر، أما الأفراد الذين يعيشون في بيئات متوترة ترتبك عندهم الذاكرة وتتصدع، بينما يرى آخرون أن الذاكرة المشغولة بالعلم والمطالعة والبحث والتنقيب في ذات الاتجاه أكثر قوة وصلابة وتمكن من الذاكرة التي يلهو بها أصحابها مشرقا ومغربا، مغربا بها عن استحكاماتها وقوة بقائها، حيث تظل مرهقة مآزرة الجسد في إرهاقه وقسوة الظروف عليه، وقد قرأت منذ فترة معلومة تقول: إن الذين يواظبون على قراءة القرآن الكريم لن تهرم ذاكرتهم إلى آخر العمر، والله أعلم.يطرح- في كثير من المواقف- السؤال: هل النسيان نعمة أم نقمة؟ وفي ذلك تأتي الإجابة متفاوتة بين شخص وآخر، فالذي يرى أن النسيان نعمة، فذلك يذهب إلى قدرة النسيان على تغليف الذاكرة ولو لفترة قصيرة على تجاوز الهموم والمصائب، ومختلف المصادمات بين الأفراد التي تمر بالإنسان، ولولا هذا النسيان لتعب الإنسان تعبا لا يوصف، ولتكالبت عليه الهموم والمآسي النفسية، ولتمنى الموت بدلا من السعي نحو الحياة، أما الذين يرون أن النسيان نقمة فإنهم يذهبون إلى ضياع كثير من الحقائق في الحياة من أثر النسيان، ولولا نعمة الكتابة والتدوين التي أكرم الله بها البشرية لما استطاع إنسان اليوم أن يعرف عن تاريخ الأولين وأحداث الحياة الجسيمة التي مرت على البشرية، ولا الشخوص الذين أثروا في هذه الحياة، وأهمها العلم المتداول والمتطور منذ النشأة الأولى للبشر، ولذلك قيل: «إن آفة العلم النسيان».

في مواقف كثيرة نحتاج إلى أن ننسى لكي تستمر الحياة، فالمواقف المتصلبة لم تأت إلا من خلال هذه الذاكرة التي تستحضر الأحداث القاسية على النفس، سواء من صديق، أم قريب، وبالتالي ليس يسيرا التنازل عن عدم القصاص المقابل لها، وهذه من أكبر الإشكاليات التي تحول دائما دون التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين في العلاقات البشرية، ومن استطاع النفاذ منها فهو حقا شجاع وكريم وبطل بكل ما تعنيه هذه الكلمات، فالانتصار على النفس في حالة تعنتها، هو انتصار للحياة الآمنة الكريمة.