أفكار وآراء

الحروب التجارية ومستقبل التحالف الغربي

03 يوليو 2018
03 يوليو 2018

«لا يبدو أن توجه ترامب التصعيدي حيال حلفائه الأوروبيين والكنديين يحظى بإجماع داخل الدوائر الأمريكية، فثمة أصوات مؤثرة داخل الولايات المتحدة تندد بقراراته»

بشير عبد الفتاح -

تلوح في أفق التحالف الأورو - أطلسي الذي يضم الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي نذر حرب تجارية طاحنة بعدما انقلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على حلفائه الأوروبيين والكنديين الذين هددهم بفرض رسوم جمركية عالية على قطاع عريض من البضائع القادمة من بلدانهم، لاسيما السيارات، وذلك في أعقاب فشل قمة كيبك الأخيرة لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي تضم كندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا واليابان وألمانيا، وتشكل أكثر من 60% من صافي التجارة العالمية.

فبشكل مفاجىء، سحب الرئيس الأمريكي موافقته على البيان الختامي للقمة، وذلك عبر موقع تويتر بعدما استشاط غضبا من تصريحات رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي اعتبر الرسوم الأمريكية التي فرضت على الحلفاء الأوروبيين مؤخرا مهينة، ومتوعدا بإجراءات انتقامية مماثلة. وبإصداره - ترامب - تعليمات لممثليه بعدم إقرار البيان الختامي لقمة الدول السبع الصناعية، وبعد تهديده بإلغاء اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية جدد الرئيس الأمريكي تهديده بفرض رسوم جمركية على السيارات الأوروبية والأجنبية المستوردة إلى الولايات المتحدة، وهو قطاع أهم من الألمنيوم والفولاذ الذي طالته الإجراءات الأمريكية، خاصة بالنسبة لألمانيا التي تمثل صادرات السيارات من حيث القيمة، ربع صادراتها إلى الولايات المتحدة، إذ أكد الاتحاد الألماني للسيارات أن حصة السيارات الألمانية الفاخرة من هذه السوق تتجاوز الأربعين بالمائة.

وتشكل الرسوم الجمركية أحد أبرز نقاط الخلاف الحاد بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ففي الوقت الذي تفرض فيه دول الاتحاد الأوروبي رسوما تبلغ عشرة بالمائة على السيارات المستوردة من خارج دوله، بما في ذلك من الولايات المتحدة، تفرض الأخيرة في المقابل رسما جمركيا نسبته 2.5% على السيارات الأجنبية، وينتاب الأمريكيين قلق من تنامى صادرات السيارات الألمانية إلى بلادهم، إذ إن ألمانيا تبيعهم كميات من السيارات أكبر بثلاث مرات مما تصدره إليها أوروبا، واشتكى ترامب في جلسات خاصة مرات عديدة من وجود عدد كبير من سيارات مرسيدس الألمانية في نيويورك وعدم انتشار عدد كاف من السيارات الأمريكية في الشوارع الأوروبية، الأمر الذي أدى إلى أن يسجل الميزان التجاري الأمريكي مع ألمانيا فائضا لمصلحة برلين.

جدير بالذكر أن ترامب يقيم مدى عدالة المبادلات التجارية مع شركائه بناء على وضع الميزان التجاري لبلاده، من حيث العجز أو الفائض في مبادلاتها التجارية مع الشركاء الآخرين، ومن شأن الرسوم الأمريكية المفروضة على السيارات وقطع غيارها أن تلحق الضرر بقطاع السيارات الكندي الذي يتكامل بشكل كبير مع قطاع السيارات الأمريكي، كما أنها قد تلحق أضرارا باليابان وألمانيا، وأعلنت إدارة ترامب قبل أسابيع قلائل أنها ستجري تحقيقا بشأن ما إذا كانت واردات السيارات تلحق ضررا بالأمن القومي الأمريكي، في أول خطوة صوب فرض رسوم مماثلة لتلك التي فرضها ترامب على واردات الصلب والألمنيوم.

بالتوازي مع إصرار كل من كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي على فرض رسومها الخاصة على السلع الأمريكية ردا على الخطوة الأمريكية، سيكون من المستحيل تقريبا إعادة التفاوض بشأن شروط اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) المبرمة في عام 1994 بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

وقد كرر ترامب رغبته في أن يكون هناك تاريخ انتهاء لسريان الاتفاق في النسخة المحدثة من اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا)، وهو الطلب الذي رفضه ترودو مجددا، وقد سبق لترامب أن فرض رسوما على سلع صينية تصل قيمتها إلى 150 مليار دولار بسبب شكاوى الولايات المتحدة من ممارسات بكين التجارية وسرقتها المزعومة للتكنولوجيا الأمريكية، وتعهدت الصين بالرد بإجراء مماثل.

ويوقن الأوروبيون الذين يرون أن الرسوم الأمريكية تستند إلى قراءة خاطئة للبيانات التجارية بأن ترامب يحطم القواعد التي بني عليها النظام الاقتصاد العالمي، مثلما فعل مع قاعدة عمرها أكثر من 50 عاما، وهي أن التجارة الحرة عائداتها أحسن من نظام الحماية الاقتصادية، ومن جانبها وصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل سحب ترامب «المهين» لتأييده للبيان الختامي لقمة الدول السبع الصناعية الكبرى من خلال موقع تويتر بأنه «محزن ومحبط»، وأكدت أن موقف ترامب لا يدع مجالا أمام الاتحاد الأوروبي وكندا لتفادي خوض غمار الحرب التجارية، واتخاذ إجراءات مضادة ردا على الرسوم الأمريكية على واردات الصلب والألومنيوم الأوروبية.

وبموازاة تعاظم احتمالات اشتعال الحرب التجارية بين ضفتى الأطلسي، برأسها أطلت مجددا قضية خلافية أخرى تتمثل في انضمام روسيا إلى مجموعة السبع الكبار، ففي مسعى منه لتلغيم قمة كيبك الأخيرة للمجموعة، اقترح ترامب على أعضائها إعادة روسيا إلى صفوفها بعدما استبعدت منها في عام 2014 بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، وهو المقترح الذي رفضه الأوروبيون داعين موسكو إلى الكف عن تقويض الأنظمة الديمقراطية، مقفلين الباب أمام إعادتها إلى مجموعة السبع الصناعية الكبرى، وبعد أن رفضت مقترح ترامب، لإعادة موسكو إلى المجموعة، تبنت قمة الدول السبع الصناعية الكبرى اتهام بريطانيا لروسيا بالوقوف وراء تسميم العميل الروسي السابق سيرجي سكريبال، جنوب غربي بريطانيا، وبدوره، أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون الذي ستستضيف بلاده القمة المقبلة لمجموعة السبع في نهاية صيف العام 2019م أنه يودّ دعوة نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى القمة القادمة، لا بل إعادة روسيا إلى مجموعة السبع الصناعية أيضا، إذا احترمت موسكو اتفاقات مينسك للسلام في أوكرانيا.

ورغم إصرار ترامب على المضي قدما في إشعال نيران الحرب التجارية مع الحلفاء الأوربيين والكنديين بذريعة حماية الأمن القومى الأمريكي وتخفيف الضغوط على التجارة الأمريكية، وحماية الصناعة والعمال الأمريكيين من المنافسة العالمية غير العادلة، والدفاع عنهم ضد الاتفاقات التجارية الظالمة التي تحرمهم من الوظائف وتحول ثرواتهم إلى الخارج، وذلك اتساقا مع استراتيجيته التي ترفع شعار «أمريكا أولا»، فإنه لا تزال هناك كوابح من شأنها أن تدعم جهود تجنب الحرب التجارية بين ضفتي الأطلسي.

فعلى الصعيد الأمريكي لا يبدو أن توجه ترامب التصعيدي حيال حلفائه الأوروبيين والكنديين يحظى بإجماع داخل الدوائر الأمريكية؛ فثمة أصوات أمريكية مؤثرة تندد بقرارات ترامب فرض رسوم تجارية إضافية وتؤكد على ضرورة استبقاء التفاهمات التجارية مع الأوربيين والكنديين، فمن جانبه، حرص جون ماكين على طمأنة حلفاء بلاده الأطلسيين بأن واشنطن تقف معهم، حتى لو لم يفعل ترامب ذلك، وانتقد السيناتور الجمهوري الرئيس ترامب بعد أن تراجع عن إقرار البيان الختامي المشترك الصادر عن مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى خلال قمة كيبك الأخيرة. وغرد ماكين في صفحته على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي مشددا على أن أغلبية الأمريكيين من الحزبين الرئيسيين يؤيدون التجارة الحرة، ويؤيدون العولمة ويدعمون التحالفات القائمة على 70 عاما من القيم المشتركة.

وإلى حد كبير يمكن القول إن قرارات ترامب التي تؤسس لحروب تجارية مع حلفاء بلاده تعد فردية إلى حد بعيد، ولا يمكن أن تحظى بتأييد المؤسسات الأمريكية. وفى ذات السياق سبق أن أعلنت عشرات من أكبر النقابات الصناعية والتجارية الأمريكية رفضها لفرض الرسوم التجارية التي أعلنها ترامب قبل شهرين. ويتضح خلاف ترامب مع المؤسسات الأمريكية بل وحتى مواقف أقطاب إدارته، في توقيع الوفد الأمريكي وثيقة البيان الختامي، ليقوم هو -ترامب- بعد ذلك بسحب تأييده، مستخدما موقع تويتر، وهو في طريقه إلى سنغافورة.