بناء جيل واعٍ استهلاكيا .. مسؤولية الجميع
يُعدّ النشء مه أجيال المستقبل الذين يُعوّل عليهم الكثير لخدمة وطنهم ومجتمعهم، خصوصًا إذا ما تربوا التربية الصحيحة؛ لذا فإن الاهتمام بهم منذ الصغر سيسهم في تنشئتهم بالأفكار والعادات السليمة التي بدورها ستخلق جيلا واعيًا ومثقفًا، ولكون الثقافة الاستهلاكية أمرًا مكتسبًا فإن الهيئة العامة لحماية المستهلك توليها أهمية كبيرة في سبيل غرسها ونشرها بين المستهلكين الصغار داخل المجتمع العماني، متخذة في ذلك سبلا متعددة وطرقًا متنوعة بالتعاون مع عدد من الجهات، صفحة “ المستهلك ” لهذا الأسبوع تسلط الضوء على كيفية غرس الثقافة الاستهلاكية الصحيحة في النشء من خلال المدرسة والمسجد والمسرح وغيرها من محاضن التربية المختلفة.
في البداية يقول أحمد بن علي الحارثي - باحث في الشؤون التربوية والإنسانية وخطيب- بأن هذا الموضوع مهم جدًا، وتثقيف الناس وتوعية المجتمع حوله من واجبات الناصحين، فالله تعالى مدح الأمة في دعوتها إلى الخير.
وذكر الحارثي بأن الاستهلاك سلوك بشري يومي لا يمكن الاستغناء عنه، ولكن مع طلبه الحثيث لا بد من وضع ضوابط منظمة، لذا نجد أنفسنا أمام مطلب شعبي وضرورة وطنية ملحة للتناصح حوله ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال ) الدين النصيحة ( أي من أساسيات التعامل المطلوب في ديننا التناصح حتى جعل الدين كله في النصيحة وليس مجرد أداء شعائر الدين المعروفة، وإنما عندما نقوم بتقديم النصيحة نكون على الخط الصحيح السليم للمعرفة، ومن ضوابط الاستهلاك عدم شراء الإنسان شيئًا إلا للحاجة وليس مجرد تكثير ما يستهلك من غير داعٍ، وكذلك أن يعلم مزايا المنتج وفوائده وهل هو مناسب له للاستخدام وهل ضمن شروط الجودة أم لا وهل ثمنه وسعره مناسب أم مبالغ فيه، ثم على أولياء الأمور أن يوعوا أولادهم كيف يشترون وكيف يحفظون حقوقهم عند الشراء ومتى يجوز لهم أن يشتكوا على البائع وما هي حدود الحق الذي لهم وما واجبهم نحو البائع إن خالف قوانين حماية المستهلك، وأن يكسبوهم ثقافة رفض الظلم والفساد الواقع عليهم عند الشراء وأن تكون أرقام الجهات المختصة للدفاع عنهم حاضرة معهم، عارفين ما لهم وما عليهم، واعين متى ينبهون أصحاب المحلات ويذكرونهم بحقوقهم وإن وصل إلى تهديدهم بإبلاغ الجهات المختصة لحماية حقوق المستهلكين .
مؤسسات المجتمع المدني
ويوضح الحارثي بأن هذا الدور لا يقتصر على مستوى أولياء الأمور فقط بل يتعداه إلى مؤسسات المجتمع المدني الأخرى ومؤسسات التعليم والبيئة والمجتمع المحلي والصحافة والإعلام والمساجد، ومن الأمور المسهلة والمعينة وضع أرقام الخط الساخن في الإعلانات وعلى واجهة المنتجات والسلع حتى يكون سلوك الناس متجاوباً مع معطيات حفظ حقوقهم .
سلوك استهلاكي
وترى رحمة بنت خميس البلوشية - رئيسة قسم البحوث في المركز الوطني للتوجيه المهني في وزارة التربية والتعليم - بأن قيم الطفل واتجاهاته تتشكل من خلال التنشئة والنمذجة والقدوة في الدائرة التي يتفاعل ويعيش فيها من خلال متغيرات كثيرة أهمها الأسرة والأقران والإعلام والمدرسة، وثقافة الاستهلاك عند الطفل هي على ما تربى عليه ونشأ وتعلم وتتأصل وتُغرس فيه منذ الصغر شأنها شأن كل السلوك الذي يكتسب من المتغيرات التي تمثل محيط الطفل وبيئته بالنمذجة والقدوة.
وتضيف البلوشية بأن الطفل من أكثر الأفراد استهلاكا في الأسرة من خلال ملبسه وغذائه ومتطلبات نموه وتعليمه ونشأته وهو المحاط بكم الإعلانات التي تتدفق عليه من كل وسائل التواصل والإعلام والبرامج والتي بدورها قد تبرمج وتغرس فيه سلوكا استهلاكيا غير مرغوب وغير سليم، ولذلك فإن الأسرة هنا لها الدور الأساسي في تصحيح وغرس الوعي الاستهلاكي وثقافة الترشيد؛ فالأسرة التي لا تعرف قيمة الترشيد ينشأ أبناؤها على الجهل والترف الاستهلاكي حتمًا. وتوضح البلوشية بأنه يُمكن للأسرة أن تنمي في الطفل الثقافة الاستهلاكية الصحيحة كأن يرافق الأبناء آباءهم وأمهاتهم أثناء التسوق في أيام مخطط لها لذلك، أو عن طريق التوجيه والضبط غير المباشر في المواقف التي يكونون فيها معاً، وللأصدقاء والأقران أيضاً دور في توجيه هذا السلوك وضبطه فكما يقال دائما بأن “الصاحب ساحب” فإن الأصدقاء الذين نشأوا على الاستهلاك غير المخطط وعدم الترشيد يمكن أن يؤثروا في أقرانهم كثيرًا رغبةً في التقليد والمجاراة والتباهي.
وتذكر البلوشية بأن دور المدرسة يأتي من خلال المناهج والبرامج والمواقف التي تشرّب بقيم واتجاهات الترشيد والاستهلاك الصحي السليم وحبذا لو كانت هناك برامج في مدارسنا موجهة ومعدة خصيصا لغرس وتأصيل ثقافة الاستهلاك الصحيحة لتكون مكملة لدور الأسرة في هذا الشأن.
الإعلام سلاح
ويقول عادل الكاسبي - إعلامي ومذيع في إذاعة الوصال - بأن الإعلام يضع نفسه عاملًا تطويريا مهمًا في بناء الفرد والمجتمعات معرفيًا وفكريًا وسلوكيًا، ويأتي هذا الأثر والتأثير من حيث تعبئة الرأي العام بالأخبار والمعلومات التي يتبعها اتخاذ القرار لتستحيل بعد مرور زمن إلى ثقافة تُمارس على أرض الواقع من قبل أفراد المجتمع.
ويضيف الكاسبي بأنه عند الحديث عن ظاهرة سوء الاستهلاك مثلا نجد أن هناك أسبابًا عديدة متداخلة مع بعضها البعض لتفشيها بين أفراد المجتمع، وباتت مشكلة الاستهلاك مرتبطة بشكل وثيق بنمط الحياة، والعادات والتقاليد التي اعتادتها الأسرة في الخليج، وهذا ما يؤكد أن أكبر سبب في ظهور سلوكيات سلبية عند الاستهلاك يرتبط بجانب غياب الوعي وهنا يأتي دون أدنى شك دور الإعلام الباث لجرعات ترفع من منسوب الوعي لدى الفرد في مختلف مجالات الحياة ومنها ترشيد سياسة الإنفاق من خلال تبيان الطرق السليمة والناجعة والأهم لأي عملية استهلاكية ناجحة ، كما أن على الإعلام المسؤول دورًا مهمًا في توجيه الرسائل الإعلامية التي تراعي الأسس النفسية والاجتماعية والتربوية والقانونية للمجتمع، وبالأخص تلك البرامج الموجهة للنشء كونهم أجيال المستقبل، والتي ينبغي أن تستهدف في المقام الأول ترسيخ الثقافة الاستهلاكية لديهم بشكل مبسّط وسهل.
المسرح للتعليم
وتؤكد سهام الميمنية - ممثلة عمانية مسرحية - بأن مسرح الطفل يُعدّ من الوسائل التعليمية لتكوين شخصية الطفل مما يجعله وسيلة مهمة من وسائل التربية، وذلك لتطوير شخصيته وتكوينها وإنضاجها.
وتوضح الميمنية بأن المسرح المدرسي يُعدّ نموذجاً مصغرًا لتأهيل الطفل لخوض تجربة الحياة، وهو وسيلة من وسائل الشفاء والعلاج النفسي لديه، إذ يستطيع الطفل اكتشاف ذاته بالمسرح.
كما يعد المسرح مكانًا لتعليم الأطفال بالقضايا المجتمعية كثقافة الاستهلاك مثلا، فمن خلاله تنمو روح التعاون عند الأطفال والاعتماد على النفس، إلى جانب القيم الاقتصادية مثل عدم الإسراف والتبذير وكيفية التصرف بالأموال، لذا يمكن أن يستغل المسرح لتنمية الثقافة الاستهلاكية الآمنة عبر تخصيص مسرحيات هادفة لهذا الغرض.
مناشط مدرسية
ويشير فلاح الهنائي - معلم- إلى أن الثقافة الاستهلاكية الآمنة أمرٌ يجب نشره على نطاق واسع في المدارس، لأن ذلك يُمكن أن يُسهم في رفد الوعي الاستهلاكي للطالب ليتعرف على حقه كمستهلك، كما يتعرف على صلاحية المواد التي يستخدمها وأيضا مكوناتها وأسعارها. ويقول أيضًا: الذي لاحظته هو عدم فهم الطالب لماهية هذه الثقافة الاستهلاكية الآمنة مما يجعله لا يفهم ما السلعة التي يشتريها أو ماذا تحتوي، وأحيانا هناك مواد لا تصلح للطالب لكن بسبب غياب هذه الثقافة تجده يقتنيها أو يشتريها أو يأكلها، لذا تأتي الثقافة الاستهلاكية لتكون إحدى وسائل الحماية للطفل وأقصد هنا جانب المحافظة عليه من العديد من المواد الاستهلاكية التي لا تفيده كالألعاب التي تسهم في خلق شخصيات غير آمنة أو المواد الغذائية التي تسهم في زيادة نسبة الحركة.
ويؤكد الهنائي بأن الأسرة التي تربي أطفالها على الثقافة الاستهلاكية تكون قادرة على وضع ميزانيتها المالية بشكل آمن واتزان مريح، ويُمكن أن يتم تطبيقها في البداية داخل الأسرة ليتيح للطفل فهم حاجته من السلعة التي يود شراؤها، ثم تعريفه بكيفية استخدامها، وأيضا مخاطرها، وتعريفه أيضًا بكيفية استرجاع حقه لو لاحظ وجود عيوب على السلعة أو كانت مغشوشة.
ويوضح الهنائي أن المدرسة حاضنة للطالب لساعات تتعدى أحيانا سبع ساعات يوميا لذا فإن الوقت كافٍ لتنفيذ أفكار عديدة في تعزيز الثقافة الاستهلاكية الآمنة لديهم ومنها تخصيص فقرة في الإذاعة المدرسية لإلقاء نصيحة تتعلق بالاستهلاك، أو تخصيص الخمس دقائق الأولى من كل حصة لقراءة قصة حول العادات الشرائية الخاطئة، أو تأليف مسرحيات هادفة تخص هذا الجانب، أو تنظيم مسابقات مختلفة بين الفصول، أو بين الطلاب بشكل فردي، أو تنظيم زيارات لمعرض السلع المقلدة أو للمعارض التي تنظمها الهيئة العامة لحماية المستهلك، إلى غيرها من الأفكار.
برامج مخصصة لهم
ويقول زياد بن صالح الوهيبي مدير إدارة حماية المستهلك بالسيب بالندب بأن الهيئة العامة لحماية المستهلك آمنت بأهمية غرس الثقافة الاستهلاكية الصحيحة لدى النشء، مؤكدًا بأن هذا الأمر مطلب أول ومهم لتحقيق الأهداف المنشودة التي تسعى إليها الهيئة منذ إنشائها.
ويوضح الوهيبي بأن الموظفين المختصين عكفوا على تقديم برامج مختصة تستهدف الصغار، أبرزها “المستهلك الصغير” وهو برنامج تطبقه الهيئة بالتعاون مع جهات حكومية مختلفة كوزارة التربية والتعليم حيث تم تطبيقه في المدارس الحكومية والخاصة، كما يتم إصدار عدد من المطبوعات التوعوية التي تستهدف المستهلكين الصغار ككتاب )لوّن وتعلم ( ومجلة المستهلك الصغير.
ويضيف بأن الجهود في هذا الجانب تمتد إلى إقامة الحلقات والمحاضرات التوعوية التي تكون متناسبة مع فئة المُخاطبين كي تصل الأفكار الصحيحة لهم إلى جانب المعارض التي يتم فيها إشراك المستهلكين الصغار لعرض أفكارهم ومهاراتهم في الكشف عن السلع الضارة والمخالِفة والمغشوشة
. ويضيف بأن برامج الهيئة للأطفال لا تقتصر على موسم واحد أو جهة واحدة بل تشمل مدارس السلطنة في كل المحافظات، بالإضافة إلى التعاون مع مؤسسات حكومية وخاصة أخرى لها علاقة بالنشء كوزارة التنمية الاجتماعية والأندية والفرق التطوعية وجمعيات المرأة العمانية.