Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ: المحقق الصغير ..

29 يونيو 2018
29 يونيو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

ليس هناك منا -أعني الآباء والأمهات- من لم يقف يوما حائرا، وقد يكون مرتبكا، وقد يصل إلى مستوى الهزيمة، وذلك من أثر الأسئلة المطروحة من قبل أحد الأبناء، هؤلاء الأبناء الذين لا يتورعون عن طرح أسئلة محرجة، وصادمة، ولا يقبلها عقل؛ أحيانا؛ ومع ذلك هم يطرحونها بكل براءة، وبكل صدق، وبكل شفافية، وعلى الآباء والأمهات أن يبحثوا عن إجابات مقنعة، وصادقة وواقعية، ولا يجوز ولا يُحبذ اجتماعيا، أن يناور الآباء والأمهات في البحث عن إجابات «تحصيل حاصل» وإلا سيقع في مطب الاستهانة بهذا الكائن الصغير، بهذا الكائن الذكي، بهذا الكائن الخطير؛ لأن أية إجابة غير واقعية، وغير صادقة، وغير حقيقية هي بالنسبة له معلومة مهمة ستظل راسخة ومفيدة، ويأخذ بها مأخذ الجد المطلق، فليس أمام الطفل أية خيارات للبحث عن إجابات أخرى، ولكن إذا اكتشف مؤخرا أن أحد الأبوين مارس عليه مناورة غير محمودة، ستتضاءل الصورة الأبوية بعد ذلك في نفسه، وسيبحث عن مصادر أخرى للمعلومة بعد ذلك، وهذه من أخطر النهايات في العلاقات الأبوية، فالأب والأم بالنسبة له المصدر المهم، والصادق والنهائي، لأخذ المعلومة منهما، ولذلك فعلى هذين الوالدين ألا يتنازلا عن الصدق والشفافية، مهما كلفهما هذا الموقف من الدوس على مشاعرهما، وعلى مجموعة تحفظاتهما التي يبديانها أمام الكبار في أعمارهما، وإلا لنشأ الطفل ذا فكر مشوه، وذا فكر يتقاطع بصورة مباشرة مع الحقائق الصحيحة، وبالتالي سنعود في نهاية الأمر إلى لوم أنفسنا لتقصيرنا في واجب التربية السليمة.

يطرح الأطفال مختلف أسئلتهم بحسن نية؛ لا مكر فيها ولا استهبال، وترنو أعينهم القلقة إلى الأعلى موجهة وجه المسؤول: الأم، الأب، الأخت، الأخ، للكبير بشكل عام، منتظرة ما سوف تأتي من إجابات لتستقر بعدها في هذه الذاكرة الطفولية المحملة أكثر بأسئلة أخرى، وقد تتوالى الأسئلة لذات الموضوع، إلى أن تنتهي، استوعبتها ذاكرته الطرية، أو لم تستوعبها، صدق في إجابتها الكبار أو لم يصدقوا، ومن هنا يجب التعامل بحذر شديد عند التعاطي مع أسئلة الأطفال، وعدم الاستهانة مطلقا بأي سؤال يطرح.

يضع الاتحاد الألماني لحماية الأطفال خطوات مهمة في التعاطي مع أسئلة الأطفال، فقد أوصى بـ«أنه من الأفضل تحضير بعض الجمل المعيارية عندما لا يكون هناك إجابات جاهزة على عجلة لدى المرء – وفق الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) ونشرته بعض الصحف – وأوضح الاتحاد أنه يمكن للأم أو الأب أن يقولوا لطفلهم مثلا: «أنا نفسي لا أعرف ذلك، ولكن يمكننا اكتشاف ذلك سويا، وسوف أسجل السؤال كي لا أنسى»، وعن الفائدة من ذلك أوضح الاتحاد: «أن الطفل يشعر في هذا الوقت أنه يتم التعامل معه على محمل الجد، وسوف يفهم في الوقت ذاته أن البالغين ليسوا على علم بكل الأمور أيضا» وأضاف الاتحاد أنه يفضل أحيانا أن يستفسر الآباء من طفلهم عن سؤاله وأن يقولوا له مثلا: (ماذا تقصد بذلك؟)، موضحا أنه يمكن للآباء بذلك التعرف على ابنهم أو ابنتهم وعن صورة العالم لديه، وكإمكانية أخرى للرد على أسئلة الأطفال أشار الاتحاد أيضا إلى أن الإجابة بعبارة «يتعين عليّ إمعان التفكير لدقيقة توفر للآباء الوقت وترفع عنهم الضغط».

تفرض التربية الحديثة استحقاقات مهمة في شأن التعامل مع الأطفال، وهذا الاستحقاقات لا بد أن يعيها الآباء والأمهات، فثقافة التسلط وتكميم الأفواه لم تعد مجدية في ظل ثقافة نامية يتشربها الأطفال منذ نعومة أظفارهم، وبعيدا عن استحكامات الأبوين القاسية في بعض الأحيان فالأجهزة الإلكترونية الحديثة، وما تتيحه من خدمات الولوج إلى وسائل التواصل الاجتماعي تغني هذا الطفل الذي نستسهل أمره عن أي من أبويه في الحصول على المعلومة التي يريدها، في حالة أن الأبوين ترفعا عن الإجابة عن أسئلته، فلينتبه الأبوان إلى هذه المسألة، فذلك رهان بقاء العلاقة السوية بين الطرفين.