إشراقات

أولئك هم الوارثون «17»: خصال ثلاث

28 يونيو 2018
28 يونيو 2018

إعداد: حمادة السعيد -

من الصفات التي تورث جنة الخلد وذكرها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم، وحث عليها رسوله العظيم صلوات الله وسلامه عليه، «خصال ثلاث» كانت أولى الكلمات لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما دخل المدينة بعد هجرته، وذلك فيما رواه ابن ماجة في سننه بسنده من حديث عبد الله بن سلام، قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة انجفل الناس إليه ـ أي ذهبوا مسرعين ـ وقيل: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء تكلم به أن قال: «يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

خصال ثلاث وما أسهلها من أجل الوصول إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

يقول محمد فؤاد عبد الباقي في تعليقه على هذا الحديث: (أفشوا السلام) أي أكثروه فيما بينكم، وهذا الحديث موافق لقوله تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} فإفشاء السلام إشارة إلى قوله {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} وإطعام الطعام إلى قوله {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا} وصلاة الليل إلى قوله {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}. وقوله يدخلون الجنة موافق لقوله {أُولَٰئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا}.

يقول ابن الجوزي في كتابه «نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر»: ذكر بعض الْمُفَسّرين أَن السَّلَام فِي الْقُرْآن على خَمْسَة أوجه: -

أَحدهَا: اسْم من أَسمَاء الله عز وَجل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الْمَائِدَة: {سبل السَّلَام}، وَفِي الْأَنْعَام: {لَهُم دَار السَّلَام}، وَفِي يُونُس: {وَالله يَدْعُو إِلَى دَار السَّلَام}، وَفِي الْحَشْر: {الْملك القدوس السَّلَام}.

وَالثَّانِي: التَّحِيَّة الْمَعْرُوفَة، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى [فِي الْأَنْعَام]: {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم}، وَفِي الرَّعْد: {سَلام عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ}، وَفِي النُّور: {فَسَلمُوا على أَنفسكُم} . وَالثَّالِث: السَّلامَة من كل شَرّ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سورة هود: {اهبط بِسَلام منا وبركات}، وَفِي سورة الْحجر: {ادخلوها بِسَلام}؛ وَفِي سورة الْأَنْبِيَاء: {كوني بردا وَسلَامًا}، وَفِي سورة الْوَاقِعَة: {فسلام لَك من أَصْحَاب الْيَمين}.

وَالرَّابِع: الْخَيْر، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي سورة هود: {قَالُوا سَلاما قَالَ سَلام}، وَفِي سورة مَرْيَم:{سَلام عَلَيْك سأستغفر لَك رَبِّي}، وَفِي سورة الْفرْقَان: {وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} ، وَفِي سورة الْقَصَص: {سَلام عَلَيْكُم لَا نبتغي الْجَاهِلين}، وَفِي سورة الزخرف: {فاصفح عَنْهُم وَقل سَلام}، وَفِي سورة الْقدر: {سَلام هِيَ حتى مطلع الفجر}.

وَالْخَامِس: الثَّنَاء الْجَمِيل، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى فِي الصافات: {وَسَلام على الْمُرْسلين}، وفيهَا: {سَلام على إِبْرَاهِيم}، وفيهَا: {سَلام على إل ياسين}، وفيهَا: {سَلام على نوح فِي الْعَالمين}.

وأساس دخول الجنة المحبة وأساس المحبة إفشاء السلام، يروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده من حديث عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم».

وإطعام الطعام خصلة خير أخرى يعم نفعها على المجتمع فتجعله مجتمعا متكافلا متكاتفا تسوده المحبة والوئام، بالإضافة إلى أنه موجب للجنة.

يقول أبوالفرج الجوزي في «بستان الواعظين ورياض السامعين» وإطعام الطَّعَام يَنْقَسِم على ثَلَاثَة أوجه مخلوف ومسلوف ومتلوف، فالمخلوف الَّذِي يطعم لوجه الله لَا يُرِيد بِهِ غير الله تَعَالَى وَلَا يطْلب بِهِ جَزَاء من مخلوف، والمسلوف الَّذِي تضيفه مرّة ويضيفك أُخْرَى، والمتلوف كل مَا كَانَ إطعامه على الْمعاصِي، والمخلوف والمسلوف فيهمَا الْأجر إِلَّا أَن المخلوف أعظم أجرا والمتلوف هُوَ حسرة وندامة يَوْم الْقِيَامَة.

وجاء في «أياما معدودات» لمجدي الهلالي: إطعام الطعام باب عظيم من أبواب الخير غفل عنه الكثير من الناس. قال -صلى الله عليه وسلم-: «إن من الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: «لمن أطعم الطعام وأطاب الكلام، وصلى بالليل والناس نيام».

ولقد كان صهيب - رضي الله عنه - يطعم الطعام الكثير، فقال عمر رضي الله عنه: يا صهيب، إنك تطعم الطعام الكثير، وذلك صرف في المال، فقال صهيب: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: «خياركم من أطعم الطعام ورد السلام».

وأما عن قيام الليل فمن فضائله ما قاله الآجري في كتابه «فضل قيام الليل والتهجد»: فأما ما وصف الله عز وجل به المتقين من أخلاقهم الشريفة في الدنيا التي أعقبتهم عند الله عز وجل شرف المنازل في دار السلام فأثنى عليهم بما تفضل به عليهم ووفقهم له، فله الحمد على ذلك، قال الله عز وجل في سورة الذاريات {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، فوصفهم جل ذكره بقلة النوم وأنهم أكثر ليلهم قياما إلى السحر، ثم أخذوا عند السحر في الاستغفار لما سلف منهم مما لا يرضيه، وإشفاقا منهم على أعمالهم الصالحة ألا ترضيه، أَفَتَرى الكريم لا يجيبهم، بل يجيبهم وهو أكرم من ذلك ثم قال جل ذكره فيما وصف به عباده من الأخلاق التي شرفهم بها فقال في سورة الفرقان: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا، وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)، فوصفهم جل ذكره أنهم في مبيتهم في ليلهم ليس هم كغيرهم من سائر الناس، وذلك أن أكثر الخلق يتلذذون بالنوم وهؤلاء استأثروا الخدمة لمولاهم الكريم، ثم وصفهم جل ذكره في موضع آخر في سورة السجدة فقال: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال الله عز وجل في سورة الزمر: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).