Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ - لا تضيقـوا مساحـة الأفـق

27 يونيو 2018
27 يونيو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

من يريد أن يخسر؟ مع اليقين أن أنشطتنا في هذه الحياة نسعى من خلالها لأن نكسب، لا أن نخسر، فلا أحد مطلقا يفكر في الخسارة؛ فضلا أن يسعى إليها أصلا، وما بين المكسب والخسارة ثمة ممارسات مقصودة وغير مقصودة، والتقصد فيها قليلا؛ إلا في حالات الضرورة القصوى، وذلك عندما يضيق الأفق أكثر؛ لأن الثيمة الغالبة في مختلف حالات التعاطي التي تتم بين البشر أنفسهم، وبين ما يحيط بهم من مكونات هي السعي نحو المكسب؛ وليس السعي نحو الخسارة، فالخسارة -فضلا عن نتائجها- ثقيلة على النفس، ومن يتعرض لخسارة ما يقينا ستتهاوى إليه الهموم من كل حدب وصوب، وسوف يعيش في حالة نفسية قد تؤدي به إلى خسائر مضافة أخرى، وقد يقبل على فعل قد لا يقبل عليه وهو في كامل انتصاراته، هذه حقائق وجودية، لا يمكن أن ينكرها عاقل، ولا يتجاوزها منطق.

الخسارة هي حالة وجودية؛ بلا شك؛ ويكون في حكم المستحيل ألا يتعرض أحدنا طوال سني عمره لخسارات متكررة، أراد ذلك أو لم يرد، فكثير من الخسارات هي واقعة لا محالة، ولا مجال لمقاومتها قبل وقوعها، فمضي العمر؛ على سبيل المثال؛ هو خسارة كبرى، مهما بذلنا من جهد لتقليل خسارة مضيه، وذلك لضآلة طاقاتنا عن مجاراة استغلال الطاقة الكاملة للعمر خلال الـ(24) ساعة في اليوم الواحد، فما بالك بتراكم الساعة هذه طوال سنوات العمر المقدرة لكل منا، وهي السنوات المقدرة منذ لحظة يوم الميلاد إلى مبلغ العمر عتيا، وهناك من يتجاوز المائة عام، فلو قدر للجميع أن يعيش مكاسب كل السنوات التي يقضيها في هذه الحياة؛ لامتلأت الحياة اشتغالا، وألجمت كل فراغات الزوايا فيها، ولعل في ذلك حكمة بالغة من لدن رب العزة والجلال في خلقه.

نعلم جميعا أن الأفق ممتد عبر مساحة لا يمكن إقصاؤها بأي حال من الأحوال، وكلما سعينا لأن نقصي هذه المساحة، سنعود من حيث ابتدأنا؛ وذلك تحقيقا لكروية الأرض، فهنا رؤية رمزية لاتساع المساحات، فالواقع لا يعطينا هذا النفس كله، ولكن باستطاعتنا أن نعبر مختلف المساحات محققين انتصارات كثيرة، على الصعيد الشخصي، وعلى الصعيد الجمعي، وليس هناك من إنسان لا يستطيع أن يحقق شيئا من المكاسب على امتداد مختلف المساحات المتاحة أمامه، ومن يظن غير ذلك؛ فذلك هراء؛ بكل معنى الكلمة، وبالتالي فكثير من المساحات مشرعة أمامنا، كيف نصطاد مكاسبها هنا يختلف الناس في ذلك، وذلك مرجعه إلى كثير من الأسباب منها: الخبرة في الحياة، ومنها تجربة العمر الطويلة، ومنها عوامل ذاتية متفوقة؛ كالذكاء، وبعد النظر، والفطنة، والحضور الذهني السريع، ولكن القاعدة العامة أننا جميعنا بلا استثناء متاحة أمامنا كل المساحات لأن نحقق منها مكاسب، ونقلل مجموعة الخسائر التي تنتظر دورها في الظهور على سطح الحياة.

لعل المساحة المهمة هنا هي المساحة المتاحة لنا للتعاطي مع الآخر، وما أوسع هذه المساحة، وما أضيقها أيضا، ولكننا رغم حالتيها الاتساع والضيق فنحن محتاجون إليها حقا؛ فلا نستطيع أن نعيش في معزل عن الآخر، فهو مكوننا الأساسي والمهم في هذه الحياة، ولا يمكن أن نعيش من دون هذا الآخر؛ وإلا كمن بترت إحدى يديه؛ فكيف له أن يحتوي أشياءه القريبة والبعيدة، ولو أمعنا النظر؛ صدقا؛ في هذه الصورة لما تسلل إلى ذهنياتنا تفكيرا بمقاضاة هذا الآخر من حولنا مقاضاة تفضي إلى الفرقة والتنازع والاختلاف، وما يحدث من مثل هذه الصور في عالمنا هو سوء تقدير نعيشه، ولا فكاك من تجاوزه، ومع ذلك تظل المراجعة الآنية بين فترة وأخرى السبيل للمساهمة في اتساع الأفق، فأي مكسب إنساني يحققه أحدنا، يشعره بأن أبوابا كثيرة قد فتحت أمام ناظريه وعليه الولوج من أيها يشاء.