أفكار وآراء

الجزائر .. تجربة ناجحة للوئام والمصالحة والعيش في سلام

24 يونيو 2018
24 يونيو 2018

مختار بوروينة -

[email protected] -

اعتبرت الجزائر، صاحبة الاقتراح المعتمد والمتبنى من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 ديسمبر الماضي، وبتوافق جميع الدول الأعضاء، الاحتفال سنويا في 16 مايو كل عام بـ« اليوم العالمي للعيش بسلام» فرصة للترحم على أرواح ضحايا المأساة الوطنية وشهداء الوطن ولتذكر السبيل الذي اختاره المجتمع الجزائري عبر سياسة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمبني على ثقافة السلام والمصالحة كخيار استراتيجي للأمة ومنهج عمل جسده الدستور التوافقي المصادق عليه سنة 2016.

وأوضح صاحب فكرة الاحتفال باليوم العالمي، الجزائري خالد بن تونس، رئيس الجمعية الدولية الصوفية العلوية، الذي قاد حملة دولية منذ عام 2014 لتعبئة جميع العناصر الفاعلة في المجتمع المدني على المستوى الدولي، أن اليوم العالمي للعيش معا في سلام ليس يوم احتفال فقط ، بل هو دعوة للجميع من أجل إشاعة السلام والتسامح والاندماج والتفاهم والأخوة بين كل الشعوب بغض النظر عن الجنس أو العرق أوالديانة أو المعتقد والالتزام بعالم أكثر عدالة وأخوة، و هو أيضا بداية لبث روح جديدة ونهضة فكرية وثقافية وروحية لبناء مجتمع بعيد عن الفتن وزوبعة العنف التي دمرت وفرقت وهجرت شعوبا كثيرة.

لتعميق هذا المضمون، تستضيف مدينة مستغانم، الحاضنة لصاحب الفكرة، من 15 إلى 19 يوليو المقبل الطبعة السبعين للمؤتمر الدولي حول دراسة وتطوير تدريس الرياضيات تحت شعار «الرياضيات والعيش معا» بمشاركة علماء وباحثين وخبراء من 19 دولة سيقدمون 30 مداخلة، يليها شهر سبتمبر المقبل الطبعة الثانية لجائزة «الأمير عبد القادر» للتشجيع والترويج على العيش معا والتعايش السلمي في حوض البحر الأبيض المتوسط والعالم.

كما أظهرت الاحتفالات المقامة بالمناسبة، والمتبناة رسميا ومدنيا، حاجة الجزائريين إلى بذل مجهود بصدق وإخلاص لخدمة الوطن والسعي لتبليغ هذه الرسالة، أي العيش معا في سلام، المتجذرة في الضمير الجزائري، لجميع الأمم في ظل احترام الاختلاف والتنوع، من أجل إقامة عالم يعيش جميع أفراده في كنف السلام والتضامن والانسجام.

واستعادت ما توجته مساعي الدولة الجزائرية في ترقية ثقافة التعايش السلمي بين الجزائريين على مدار سنوات بتشييد الصرح القانوني المتمثل في ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على أنقاض المأساة الوطنية التي عاشتها الجزائر خلال التسعينيات من القرن الماضي.

ويتميز النموذج الجزائري عن النموذج المستهلك للمصالحة الذي أعدته المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان من خلال انتهاج طريق الاستفتاء بغية التوصل إلى حل توافقي استنادا إلى نص قانوني فريد ومتميز، وهو الميثاق من أجل السلم والمصالحة الذي زكاه الشعب الجزائري يوم 29 سبتمبر 2005 وأثبت فعاليته من خلال النتائج التي حققها على أرض الواقع.

وحسب التقرير النهائي المتعلق بتطبيق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، المتضمن نتائج نشاط خلية المساعدة القضائية لتطبيق تدابير الميثاق منذ تأسيسها (من يونيو 2006 الى يونيو 2015)، فإن عدد المستفيدين من تدابير ميثاق السلم والمصالحة الوطنية بلغ 8752 شخصا في نهاية 2014، من بينهم 2226 شخصا غادروا المؤسسات العقابية خلال السداسي الأول من 2006، وتم بموجب نص قانون المصالحة استثناء كل المتورطين في المجازر الجماعية والذين ثبت ضلوعهم في التفجيرات في الأماكن العامة وفي جرائم الاغتصاب.

كما تمت معالجة 44 ملفا من 500 ملف متعلقة بالأطفال المولودين بالجبال و270 ملفا خاصا بمعتقلي مراكز الجنوب.

وقد أكد معدو التقرير أن المصالحة الوطنية نجحت، بدليل أنه خلال عشر سنوات من تطبيقها لم يسجل أية تصفية حسابات ولا انتقامات بين الأشخاص المتورطين في الأعمال الإرهابية والضحايا.

وهي ذات الفكرة التي دافعت عنها الجزائر، مؤخرا، خلال الدورة الـ204 للمجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) حول اليوم الدولي للعيش معا في سلام، حيث أكدت على لسان وزيرها للشؤون الخارجية، أن ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي اُنتقد من قبل بعض المنظمات غير الحكومية من منطلق أنه سيبرئ جميع من أراقوا دماء الجزائريين قد برهن أنه رافد قوي لإعادة بناء وحدة الأمة والانسجام الوطني ووحدة البلاد.

وكان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في رسالته التاريخية سنة 2015 ، بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة للمصادقة على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية قد ثمن الحصيلة التي أفرزها تطبيق هذا النص القانوني، مؤكدا أن لم الشمل الذي تحقق بفضل خيار الخلاص هذا، شكل الجدار الذي عصم الجزائر من المناورات والدسائس التي استهدفتها باسم الربيع العربي.

وبذات المناسبة، أكد بوتفليقة أن إجراءات الوئام المدني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية ستنفذ بحذافيرها وبلا أدنى تنازل، بعد أن سجل بعض ردود الفعل الناجمة عن فتح جراح لم تندمل بعد، أو عن الخوف من العودة إلى الماضي الأليم.

وتلبية لدعوات ضحايا المأساة الوطنية، قام بوتفليقة سنة 2011 بإصدار إجراءات تكميلية في إطار تطبيق المصالحة الوطنية بموجب المادة 47 من الميثاق، على غرار تعويض النساء المغتصبات والسماح بالسفر إلى الخارج للأشخاص الممنوعين من مغادرة البلاد، غير أن هذه القرارات التي تخص بعض الحقوق المدنية للمستفيدين من وقف المتابعات القضائية وانقضاء الدعوى العمومية في إطار ميثاق المصالحة لا تخول لهم الرجوع إلى ممارسة أي نشاط سياسي، حسب مضمون المادة 26 من الميثاق.

وتسعى الجزائر اليوم إلى تفعيل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتلك النتائج المحققة ميدانيا مع تثمين القيم الإنسانية وطنيا ودوليا ومواصلة العمل على تعزيز جهود ترقية ثقافة السلم والمصالحة الوطنية والتعايش السلمي على الصعيد الدولي ، عبر اقتراحها مبادرة إحياء اليوم العالمي للعيش معا في سلام.

وقد ذكر ممثل وزارة الشؤون الخارجية خلال الدورة الـ37 لمجلس حقوق الإنسان لمنظمة الأمم المتحدة المنعقد شهر فبراير الماضي، بجنيف، أن العيش سويا في ظل السلام يعتبر جوهر سياسة المصالحة الوطنية التي عرفت امتدادا على الصعيد الدولي .

ومنطلق هذا الامتداد هو الاستراتيجية الشاملة ومتعددة القطاعات التي وضعتها الجزائر و تطبق حاليا بشكل فعال، وتدرج العنصر السياسي والاقتصادي والتربوي والديني والثقافي بهدف القضاء على كل ما من شأنه تشجيع التطرف ونشر الأفكار المتطرفة بفعل التهميش والإقصاء خاصة لدى فئة الشباب، وعلى تعزيز الديمقراطية كـخيار استراتيجي، وعلى سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية ترمي إلى تحسين الظروف والإطار المعيشي للمواطنين وتكريس العدالة الاجتماعية وعصرنة الاقتصاد، بالإضافة إلى وجود عمل يتم على هامش ذلك تجاه المدرسة والمسجد والحركة الجماهيرية والمؤسسات العمومية من أجل ترقية قيم التشارك والعفو والتسامح والانفتاح على الآخر واحترام الفوارق والاندماج والتضامن والحوار ونبذ العنف.

ويتضمن الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية الذي زكاه الشعب الجزائري بأكثر من 97 بالمائة، بعد أن صادق عليه البرلمان بغرفتيه، جملة من الإجراءات تهدف الى استتباب السلم وتعزيز المصالحة الوطنية ودعم سياسة التكفل بملف المفقودين والى تعزيز التماسك الوطني.

ففيما يتعلق بالإجراءات الرامية الى استتباب الأمن ينص الميثاق على «إبطال المتابعات القضائية في حق الأفراد الذين سلموا أنفسهم الى السلطات اعتبارا من 13 يناير 2000، تاريخ انقضاء مفعول قانون الوئام المدني» و على «إبطال المتابعات القضائية في حق جميع الأفراد المنضوين في شبكات دعم الإرهاب الذين يصرحون بنشاطاتهم لدى السلطات الجزائرية المختصة».

ويقر النص إجراءات ملموسة ترمي إلى الرفع النهائي للمضايقات التي لا يزال يعاني منها الأشخاص الذين جنحوا إلى اعتناق سياسة الوئام المدني، كما يدعم كذلك ما يتخذ من إجراءات ضرورية لصالح المواطنين الذين تعرضوا - عقابا لهم على ما اقترفوه من أفعال- لإجراءات إدارية اتخذتها الدولة، التي تتحمل على ذمتها مصير كل الأشخاص المفقودين في سياق المأساة الوطنية وستتخذ الإجراءات الضرورية بعد الإحاطة بالوقائع.

ويعتبر الأشخاص المفقودون ضحايا للمأساة الوطنية ولذوي حقوقهم الحق في التعويض، وتتكفل المصالحة الوطنية بـمأساة الأسر التي كان لأعضاء منها ضلع في ممارسة الإرهاب، حيث يؤكد الميثاق على أنه من الواجب الوطني اتقاء نشأة الشعور بالإقصاء في نفوس المواطنين غير المسؤولين، عما أقدم عليه ذووهم من خيارات غير محمودة العواقب، كل ذلك من أجل تشجيع وإشاعة قيم العفو والتسامح والتضامن والتكافل والانسجام بين مختلف أفراد المجتمع.