1371320
1371320
المنوعات

بارقة أمل بإنقاذ تحف هندسية متداعية جراء الإهمال في رومانيا

23 يونيو 2018
23 يونيو 2018

بايل هركولانه (رومانيا) «أ.ف.ب»:- يبذل شباب مولعون بالتراث في رومانيا جهودا حثيثة لإنقاذ تحف هندسية شكلت في الماضي مفخرة بلادهم على مدى قرون لكنها دفعت ثمنا باهظا جراء الإهمال المزمن.

تعمل وانا تشيريلا بكد مع خوذة وقاية على الرأس داخل قاعة كبرى ذات ماض عريق في قلب الحمامات الامبراطورية في مدينة بايل هركولانه في الجنوب الروماني قرب صربيا وبلغاريا.

وقد أطلقت وانا مع حوالي عشرة من زملائها طلاب الهندسة مشروعا لإحياء هذا المجمع الضخم المشيد بين 1883 و1886 خلال حكم الامبراطورية النمساوية المجرية والذي يتداعى بسرعة كبيرة بسبب إهمال السلطات وعملية خصخصة مشوبة بثغرات.

وتقول الشابة «يجب البدء باتخاذ تدابير طارئة لإبعاد المخاطر وتدعيم المبنى»، مبدية أملها في أن تساعد البلدية في جمع 100 ألف يورو تتطلبها المرحلة الأولى وهو مبلغ لازم قبل البدء بعملية ترميم. ويروي المؤرخ دورين بالتيانو لوكالة فرانس برس أن بايل ركولانه التي وصفها أمبراطور النمسا فرانتس يوزف الأول بأنها «أجمل منتجع ساحلي في أوروبا»، كانت محببة لدى الرومان في العصور القديمة بفضل الأثر «الخارق» لينابيعها الحرارية.

وتقول أسطورة محلية إن هرقل توجه يوما إلى هذا الوادي حيث نزل في المياه واستراح، ومن هنا أصل تسمية المدينة التي تضم في وسطها تمثالا برونزيا لهذا البطل الروماني.

كذلك فإن الإمبراطورة سيسي وقعت في حب هذا المكان الخلاب حيث نزلت فيها مرات عدة في ثمانينات القرن التاسع عشر، بهدف العلاج من التهاب المفاصل وللقيام بنزهات طويلة.

- محو الماضي؟ - لكن اليوم، وحدها لوحات موضوعة على جدران الحمامات تذكر بالزيارات العلاجية للعائلة الامبراطورية. وثمة في المكان حوالي ثلاثين حوض استحمام كانت مغطاة بالرخام الأحمر وباتت اليوم مفتتة وتعلوها أنابيب صدئة.

وخلال الحكم الشيوعي، أزيلت من الموقع رموز كثيرة بينها تماثيل لملوك رومانيا القدماء، إلا أن السياح واصلوا توافدهم وفق بالتيانو. وفي 2001، شكل بيع أجمل مباني المدينة في مقابل مبلغ زهيد لرجل أعمال متهم بالضلوع في أنشطة مشبوهة هو يوسف ارماس محطة إضافية في المسار التراجعي في هركولانه.

فبدل الاستثمار لتنشيط المدينة، بذل هذا النائب الاجتماعي الديمقراطي كل ما في وسعه لمحو تاريخها وتشييد منشآت جديدة فيها. ويجري القضاء تحقيقا حاليا وهو وجه اتهامات لأشخاص عدة بينهم ارماس باختلاس أموال ولرئيس بلدية سابق بالفساد.

وتقول الخبيرة في السياسات الثقافية ماريا بيرزا «هذه سياسة السماسرة العقاريين وهي تقوم على ترك المعالم تتداعى لينفذوا بعدها مشاريعهم». وعرفت آلاف التحف الهندسية في رومانيا مصيرا مشابها إذ وقعت ضحية جشع السماسرة العقاريين والتلكؤ وحتى التواطؤ من جانب السلطات المحلية، وفق الناشطين المدافعين عن التراث.

غير أن وانا تشيريلا لا تفقد الأمل. وهي تقول «وقوفنا متفرجين غير وارد. إن لم ننجح في إنقاذ هركولانه، فإن جزءا من هويتنا سيضيع إلى الأبد».

- جهود مثمرة - وفي الجانب الآخر من رومانيا على ضفاف البحر الأسود (شرق)، ثمة معلم آخر يتداعى هو كازينو كونستانتا أحد أهم المعالم الهندسية في بداية القرن العشرين. هذا المبنى الذي شيده المهندس المعماري السويسري الأصل دانيال رونار، أثار إعجاب قيصر روسيا نيقولاي الثاني خلال زيارة إلى كونستانتا في يونيو 1914.

غير أن الموقع اليوم بات موئلا للحمام الذي يعشش تحت السقف العريض، فيما الأرضية الرخامية والسلالم الأنيقة التي تقود إلى الطبقة العلوية مزروعة ببراز الطيور والريش. ويؤكد رئيس بلدية كونستانتا ديسيبال فاغاداو لوكالة فرانس برس «منذ أكثر من عشر سنوات، نحاول إيجاد حل قابل للحياة لنعيد لهذا المكان عظمته الماضية».

وقد بيع الكازينو لشركة خارجية في 2007، غير أن بلدية كونستانتا أنهت العقد بعد أربع سنوات من دون استثمار أي قرش في المدينة. وقد فر رئيس البلدية السابق رادو مازاره المسؤول عن هذا الفشل، إلى مدغشقر.

وفيما هذا المبنى هو في صلب نزاع قضائي بين البلدية والحكومة، قررت جمعية تضم مهندسين رومانيين شبابا تحما اسم «ارشيه» الاستثمار لإنقاذه. ونجحت المنظمة غير الحكومية في الحصول على قرار بإدراج الموقع على قائمة «المواقع الأكثر مواجهة للخطر» في 2018 من إعداد جمعية «أوروبا نوسترا» المدافعة عن التراث.

وتقول المهندسة المعمارية دانيلا كوستيا لوكالة فرانس برس «الخبراء الأوروبيون سيقترحون على البلدية حلولا لترميم الكازينو». وفي الانتظار، تنظم «ارشيه» حفلات وسهرات قراءة لتشجيع سكان المدينة على «استعادة» هذا المعلم.