أفكار وآراء

عجز النظام الدولي عن حفظ السلام والأمن الدوليين

19 يونيو 2018
19 يونيو 2018

عاطف الغمري -

يعيش العالم اليوم عصرا يتميز بالعجز عن حفظ السلام والأمن الدوليين، وهو المهمة الرئيسية والأولى التي أنشئت الأمم المتحدة من أجلها. بينما يعد هذا الهدف وهو خاص بالأمن الجماعي، هو عماد النظام الدولي الذي قام بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945، لكن ما حدث من تحولات دولية أوصلت العالم إلى ظروف مختلفة، صارت تقتضي بالضرورة إعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة، ليتواءم مع هذه التغييرات، ولتتمكن بالفعل من حفظ السلام والأمن الدوليين، والقدرة على إيجاد حلول للأزمات الدولية، مثلما يحدث في سوريا من انتهاك لقواعد النظام الدولي، ومن خروج على كافة قواعد القانون الدولي، بالتعدي على سيادتها كدولة، من قوى خارجية، سواء كانت دولا أم منظمات متطرفة وإرهابية، إلى الحد الذي جعل خبراء القانون الدولي، يصفون سوريا بوصفها الراهن بأنها دولة محتلة.

ورغم إدراك القوى الدولية، خاصة الكبرى، التي تتمتع بوضع خاص ومتميز في المنظمة الدولية، لكل تلك الحقائق، فإنها تمنع بكل الطرق أي محاولة لتعديل الميثاق، وإعطاء المنظمة الدولية القدرة والإمكانات التي تجعلها قادرة بالفعل على أن تكون أمينة على قواعد الميثاق الذي وقعته، وأن تحمي نظام الأمن الجماعي الدولي.

والسبب وراء تلك العقبة، أن تعديل الميثاق يلزمه موافقة ثلثي الأعضاء، كما أن المادة «40» من الميثاق تدعو للتعديل، وبحيث يتم إدراجه على جدول أعمال الجمعية العامة، لكن الدول الكبرى هي التي تعرقل أي محاولات لتعديل الميثاق.

يضاف إلى ذلك استخدام الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، والذي يتيح لأي دولة منها استخدمه، أن تمنع صدور أي قرار، حتى ولو كان من شأنه حماية الأمن الدولي، وإيجاد تسوية لأي مشكلة دولية أو إقليمية.

ولا يقتصر الأمر على الاستخدام الفعلي للفيتو، بل أيضا التهديد من جانب دولة ما باستخدامه، وهو ما يعرقل أي جهود تجرى لمحاولة صياغة قرار يتعلق بتسوية مثل هذه المشكلة.

ومثل هذا الوضع يعد تعويقا لوضع مبادئ القانون الدولي موضع التنفيذ، فالقانون الدولي يتيح فرصة اللجوء إلى مجلس الأمن إذا لم تنفذ دولة ما ما ينص عليه القانون، لكن ما يحدث في الواقع أن اللجوء إلى مجلس الأمن في هذه الحالة، تصادفه مواقف تمنع تنفيذ قراره، أي أن مبادئ القانون الدولي هي شيء، بينما تنفيذها شيء آخر.

ويبدو في بعض الحالات أن قواعد القانون الدولي قد تجد مناخا ملائما لتطبيقها في ظروف معينة ونادرة، ولكنها تتغير في الأغلب الأعم مع الظروف.

فبعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، نجح النظام الدولي ومن خلال قرارات الأمم المتحدة في ردع العدوان، وإنهاء نتائجه التي حاولت الدول المعتدية فرضها، ذلك بعد ضغوط الرئيس الأمريكي أيزنهاور على حليفتيه بريطانيا وفرنسا، وإنذاره لإسرائيل بالانسحاب من سيناء، بعد أن أعلنت رسميا ضمها إلى خريطة إسرائيل، وهو ما انصاعت إليه وانسحبت منها عام 1957.

وحدث نجاح مماثل بانعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، نتيجة المواقف الموضوعية للرئيس الأمريكي جورج بوش – الأب – وانصاعت إسرائيل وقتيا لضغوطه عليها، وإن كانت قد تنصلت فيما بعد مما كانت قد التزمت به، في عهود رؤساء لاحقين جاءوا بعد بوش الأب، وخاصة في عهد ابنه بوش الابن.

لكن تلك النماذج تعتبر حالات فردية، ولا تمثل أداء طبيعيا للمنظمة الدولية، وحيث يقف مجلس الأمن، والدول الكبرى في حالة عجز صريح عن إنقاذ دول وشعوب تتعرض لعدوان صريح، وغزو صارخ لأراضيها، واعتداء على سيادتها، ولعل ما يجرى في سوريا الآن شاهد على ذلك.

إن العالم قد تغير تماما منذ انتهاء الحرب الباردة، وما كان يحكم السلوكيات الدولية خلالها من توازن، وما لحق بذلك من ترويج لمبدأ التدخل في شؤون دول أخرى تحت دعاوى الأسباب الإنسانية، ثم وقوف قوى كبرى عاجزة أو متواطئة، مع تصرفات قوى إقليمية مختلفة وفي ظروف متغيرة ، في اجتياح أراضى دول في المنطقة، بل وصلت تصرفاتها إلى حد احتلال أجزاء من أراضيها، بتواجد عسكري في شكل أو آخر، وعلى نحو مخالف تماما لما يقرره القانون الدولي، وما ينص عليه ميثاق الأمم المتحدة.