المنوعات

مغربي «مُقعد» يخط مصحفا على جلد الماعز

17 يونيو 2018
17 يونيو 2018

القنيطرة «المغرب» ـ الأناضول: عمر الهادي؛ خطّاط مغربي يعاني من إعاقة جسدية لم تمنعه من الابتكار والإبداع، فكتب مصحفا شريفا كاملا على جلد الماعز، باستعمال مكواة لحام.

تطلّب الأمر 3 سنوات، حتى يقدّم عمر للعالم مصحفا منقوشا بعزيمة لا تنضب، وشغف عارم بما يقوم به، ليحقق بذلك حلما لطالما راوده، ويبرهن أن الإرادة الإنسانية قادرة على قهر جميع التحديات.

وقبل نهاية شهر رمضان المبارك، وضع عمر، بطريقة متميزة وفريدة من نوعها، اللمسات الأخيرة على المصحف الذي كتبه برواية ورش.

مصحف من 564 صفحة، ويزن حوالي 100 كيلوجرام، دوّنته أنامل عمر على جلد الماعز، وزيّنته بالنحاس تم خاطته بأسلاك واقية من المياه.

تحفة يأمل عمر في أن يعيد خطّ نسخة أخرى منها، بنفس المواصفات، أي على جلد الماعز، لكن برواية حفص.

عمر أمّي، فقد حرمه وضعه الصحي من الدراسة وتعلّم القراءة والكتابة، غير أنه تعلّم الخطّ والكتابة بمتابعة البرامج التلفزيونية للخطاط المغربي محمد قرماد.

كان على عمر أن يجري العديد من البحوث حتى يتعلّم الكتابة بالخط الفارسي، وخط الثلث، والخط الديواني، والخط الكوفي الذي أتعبه خلال تعلمه باعتباره خطا هندسيا يحتاج إلى المسطرة، في وقت يعجز فيه عن تحريك يده اليسرى.

غير أن إصراره على تحدّي الصعاب، فتح أمامه طريق النجاح، ليصبح فنانا وخطاطا بارعا، خط آلاف اللوحات مستعملا الثوب والخشب.

لكن الحلم الذي ظل يراوده في خضم كل ذلك، كان أن يكتب مصحفا بجلد الماعز، وهو ما تحقق أخيرا، رغم المطبات.

وتتطلب الكتابة بالمكواة على جلد الماعز صبرا ودقة وطول نفس ووقتا طويلا، وهي المعطيات التي قد لا تتلاءم حتى مع الوضع الصحي لـ«عمر»، لكن إرادته انتصرت على جميع الصعوبات.

بوجه بشوش وابتسامة لا تفارق محياه، استعرض عمر، الرجل الستيني، للأناضول، مشوار حياته رفقة زوجته التي تحدت أسرتها من أجل مقاسمته الحياة، وهو الرجل «المقعد» الذي لا عمل له.

حديث حمله إلى البدايات، بجميع تلك الشعارات التي كان يحملها في صدره لمواجهة واقعه «المرّ» كما يقول.

«لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطادها»، و«مسافة الميل تبدأ بخطوة»، عبارات يحفظها منذ صغره، ليتحدّى بها عثراته المتتالية في الحياة، بداية من حرمانه من الدراسة وعدم تمكنه من مرافقة أبناء حيه لطلب العلم بسبب «إعاقته»، وصولا إلى عجزه عن إيجاد أي «حاضن» لإبداعاته الفنية.

وإيمانا بأن الموهبة والفن لا يحتاجان ضرورة لتعلّم القراءة والكتابة، توجّه عمر نحو الإلمام بطرق تطويع الخشب والحديد والنحاس، وتحويل هذه المعادن إلى مهارات فنية راقية.

عجزه عن الحصول على التعليم كغيره من أترابه، دفعه لخوض تحدّ من نوع آخر، حيث حفظ القرآن الكريم منذ سن السابعة.

وعقب 16عاماً قضاها زاحفا من أجل التنقل من مكان لآخر، تمكّن عمر أخيرا من صنع عكازه الخاص، ليجدف عبره خارج عتبة بيته الصغير، ويلتقي أبناء حيّه، والوصول إلى باقي أحياء جرادة (شمال شرق)، المدينة التي ولد وترعرع فيها لفترة من حياته.

ولمدة 16 عاما، ظلت والدته تحمله على ظهرها كلما رافقها إلى الطبيب طلبا للعلاج، أو لزيارة أحد من أفراد العائلة، ما دفعه لابتكار أفكار لصنع أدواته الخاصة التي تمكّنه من تخفيف الحمل على والدته، وتسهيل حياته اليومية. في مدينة القنيطرة شمالي المملكة، وداخل غرفة صغيرة بمنزل حوّله عمر إلى متحف فني جميل، يقضي الأخير أجمل أيامه ولياليه في العمل دون كلل أو ملل.

ومنذ سنوات مضت، كان الابتكار حليفه؛ صنع معصرة صغيرة للزيتون، من عجلات شاحنة، كما استعمل بقايا خلاط كهربائي لصناعة آلة صغيرة لنجارة الخشب.

ولتيسير حركته، صنع عمر مكتبا «دائريا»، وحاملة للأقلام من دراجة كرسيه المتحرك.

نجاة التومي، زوجة عمر قالت للأناضول: «لكل مجتهد نصيب، وزوجي رجل مجتهد ومبدع، يعتمد على نفسه، في كل شيء، لدرجة أننا لا نشعر معه بأنه شخص من ذوي الإعاقة».