Ahmed-New
Ahmed-New
أعمدة

نوافذ :سيبقى العيد ..

15 يونيو 2018
15 يونيو 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يظل العيد، وكما هو دائما، ترنيمة نغم شجية لا تخفت، متخذة من النفس والقلب مشروعها الكبير، تدغدغ مخيلة الأطفال، قبل الكبار، وتقلق راحتهم، فليلة العيد من أطول الليالي التي تمر عليهم، يتحسسون من خلالها ملابسهم الزاهية المرتبة، ويتفقدون بين لحظة وأخرى الحناء الجميل الذي يزين الأرجل وأصابع اليدين، ويحتضنون محفظة النقود بألوانها المختلفة في انتظار يوم الغد لتملأها النقود، ولم يبق شيء سوى طلوع الصباح للانطلاق نحو مصلى العيد، حيث يجتمع الجميع كبارا وصغارا، في مشهد لا يتكرر إلا قليلا.

لا تظلموا العيد، بتصرفات البشر، فالعيد مشروع إنساني ممتد، منذ نشأته الأولى، عندما عانق الإنسان السرور وعرف معنى آخر للحياة، وعندما تفرغ لذاته قليلا، مدركا أن في الكون عيدا، وإن تكررت مشاهداته، إلا أنه يبقى لكل مشهد خصوصيته، فعندما تشرق شمس الحياة كل اليوم، فذلك عيد، وعندما ينير القمر امتداد الكون فذلك عيد، وعندما تنساب الجداول عبر أخاديد الأرض مخلفة هذا الامتداد الخضري الجميل، فذلك عيد، وعندما تشع الثغور بابتسامات المحبة فذلك عيد، وعندما تتعانق الأجساد متخذة من الأرواح لغة الحوار، فذلك عيد، فالحياة متلبسة بمعنى العيد، فالحياة، حقيقتها، عيد، وعلينا أن نستشعر ثيمة العيد في كثير من محطاتنا الإنسانية.

من يتفق مع الشاعر العربي الكبير أبي الطيب المتنبي:

«عيد بأية حـــــــــــال عــــــــدت يا عيد

بما مضى أم بأمـــر فيك تجـــــــديد

أما الأحـــــــــبة فـــــــالبيـــداء دونهــــــم

فليت دونــــــــــــــك بيــــــــدا دونهــــــــا بـــيد

لولا العلا لم تجب بي ما أجوب بها

وجناء حــــــــــرف ولا جرداء قــــــــيدود

وكان أطيب من سيفي معـــــــــــانقـــة

أشباه رونقه العـــــــــــــيد الأمـــــاليد

لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي

شــــــــــــــــيئا تتيمـــه عــــــــين ولا جـــــــيد»

فعليه أن يدرك أن تلك لحظة من لحظات التجلي، عاشها المتنبي لظروف هو يعلمها، ويبقى من الظلم أن نستحضر حالته هذه لنسقطها على واقع مختلف، فلا نقيم للعيد وزنا، ولا نرى في وجه الحياة عيد.

استوحوا للأيام عيد، حتى وإن تعذر، واستمطروا من أزاهير قلوبكم معاني للعيد تبقى، حتى وإن أجدبت الحياة من صور للعيد، وفق رؤية ضيقة، فذلك رهان بقائكم على وجه الأرض سعداء، فالأرض لها صورة مكفهرة في بعض جوانبها، فلا تذهبوا إلى تلك الناحية فتعكر عليكم صفو مودتكم، وإنما ابحثوا عن جنائنها المخضرة، وأنهرها المنسابة، وطيورها المرفرفة على أغصان أشجارها الوارفة الظلال، فالعيد بهجة، والبهجة عنوان كبير للسرور.

تراكمت السنون على أجسادنا، فوهنت وتكورت، وتقاصرت معها الأحلام والأماني، حيث بدأت الحياة تشيخ هي الأخرى، فلا تستسلموا لا للزمن، ولا للسنن الفيزيائية للجسد، امتطوا صهوات المحبة، فللمحبة ألف عنوان موزعة بين سرور وغبطة، وبين ود ولقاء، وبين عناق وصفاء، فمن يعانقك يوم العيد، يقينا، تخلص من جميع عوائقه، ومن جميع تجاذباته، ومن جميع محبطاته، ومن جميع أدرانه، ولم تبق إلا هذه الروح الصافية النقية، فتهيأوا لها بمثل ذلك، ولا تدعوا أثرا لبقية من حقد تعودون إليها بعد أن تتوارى تلك الأجساد التي عانقتكم بمحبة.

في يوم العيد هناك لمحة من نور، هناك صفاء من كون، هناك شفافية من ضمير، هناك أيد يزداد تمددها مخضبة بالرضا، وعلينا أن نستشعر ذلك كله، فالعيد لا يقبل إلا هذه اللمحة الكونية المضيئة في سماوات الأنفس الترعة بالود، لا عليكم من تفاصيل الأحداث، فإنها مهلكة، ومؤذية، ومقرفة، امتثلوا للحظة الهروب منها، حتى لا تؤذيكم في يوم عيدكم، فلا مكان لهذه المناخات كلها، فاليوم للعيد مكان.