أفكار وآراء

ليبيا.. بين التزامات «باريس» واشتباكات «درنة»

11 يونيو 2018
11 يونيو 2018

مختار بوروينة  -

[email protected] -

التزمت الأطراف الأربعة الرئيسية الفاعلة في حل الأزمة الليبية، في ختام اجتماع دولي في باريس، قبل أيام، بتطبيق خريطة طريق تضم ثماني نقاط، دون التوقيع عليها كما كان مقررا، تستهدف حلا سياسيا لخروج بلادهم من الأزمة وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية في 10 ديسمبر المقبل وقبول نتائجها، على أن يسبق ذلك وضع الإطار الدستور لهذه الاستحقاقات في 16 سبتمبر القادم.

و جاء في «الإعلان السياسي» الذي تمت قراءته بحضور المسؤولين الليبيين ونحو عشرين بلدا وأربع منظمات دولية (الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية) (الثلاثاء 29 مايو) الالتزام بالعمل البناء مع منظمة الأمم المتحدة من أجل تنظيم انتخابات تتسم بالمصداقية والسلمية وتوفير كل الظروف لتنظيمها واحترام نتائجها .

تم اعتماد الإعلان السياسي من طرف كل من رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، فايز السراج، وقائد الجيش الليبي المشير، خليفة حفتر، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح عيسى، الذين قاموا بطلب من الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون، بإعلان موافقتهم على خريطة الطريق فورا ودون أي تردد.

واعترف المسؤولون الليبيون الأربعة بالأهمية التي تكتسيها بلورة الأسس الدستورية للانتخابات، مؤكدين دعمهم للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، غسان سلامة، في إطار مشاوراته مع السلطات الليبية بشأن اقتراح دستور وروزنامة المصادقة عليه، والالتزام بوضع القاعدة الدستورية للانتخابات والمصادقة على القوانين الانتخابية الضرورية والإعداد لها مع جميع المؤسسات الليبية بغية ترقية الهدف المشترك المتمثل في تحقيق استقرار ليبيا ووحدتها، خاصة بعد تمكن المساعي الأممية والليبية من تحديث قوائم الناخبين في مارس 2018 بإحصاء مليون ناخب جديد، يضافون إلى الهيئة الانتخابية لسنة 2014 والتي كانت تضم 1.48 مليون ناخب مسجل.

وتضاف التزامات باريس إلى التزام المسؤولين الليبيين رسميا بقبول الشروط المطبقة على الانتخابات كما جاءت في العرض الذي قدمه غسان سلامة في 21 مايو أمام مجلس الأمن الدولي بتأكيد التزامهم بقبول نتائج الانتخابات، والسهر على توفر تمويل مناسب وإجراءات متينة في المجال الأمني، وأن كل من يعرقل المسار الانتخابي سيعرض للمساءلة، مثلما تكلف قوات الأمن الليبية الرسمية بدعم من منظمة الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية والمجتمع الدولي بضمان المسار الانتخابي وممارسة حق جميع الليبيين في التعبير سلميا وديمقراطيا عن إرادتهم بشأن مستقبل بلدهم رافضين أي تدخل في مسار التصويت.

بهذا يكون اتفاق ندوة باريس مؤكدا لما تضمنه، قبل ذلك، مجلس الأمن الدولي في جلسة خاصة للاستماع إلى عرض للمبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا،غسان سلامة، حول التقدم المسجل في تنفيذ خطة الأمم المتحدة في ليبيا للخروج من الأزمة السياسية وتطورات العملية السياسية في ليببا، مع التطرق إلى الأوضاع الأمنية التي تتخبط فيها.

كما لم تتأخر دول جوار ليبيا في الالتقاء فيما بينها حيث استضافت الجزائر، قبل ندوة باريس الأممية وبساعات، الاجتماع التشاوري الرابع بحضور وزراء خارجية كل من الجزائر، وتونس ومصر، لبحث تطورات الملف الليبي، وسبل المساعدة في بناء التوافق الوطني وتحقيق التسوية السياسية للأزمة الليبية.

الاجتماع جاء متزامنا مع تكثيف الجهود الأممية من أجل كسر حالة الجمود التي تنتاب المسار السياسي للأزمة الليبية واستكمال خارطة الطريق من خلال عقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحشد الجهود الرامية إلى توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، ودعم الليبيين حتى يتمكنوا من الأخذ بزمام الأمور للخروج من الأزمة وإيجاد حل لمعاناة الشعب الليبي التي طالت.

وتتوافق مقترحات الاجتماعات الدورية لآلية دول الجوار العربي لليبيا، والتي تعقد بين الدول الثلاث بصفة مستمرة، مع الخطة الأممية وتركز على التباحث المتواصل والمتعدد الأطراف بشأن تحقيق التوافق الوطني والدفع بالحل السياسي.

عبر الترحيب الدولي باتفاق الفرقاء الليبيين على تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، كان التأكيد، في الوقت نفسه، على أن يكون الالتزام بما تم الاتفاق عليه والعمل على إنجاحه فعلا لا قولا، وفي تصريح لأحد الأطراف الأربعة ما يعبر عن ذلك، بقوله، أن أي اتفاق بين الأطراف الليبية لن ينجح إلا في حال ما توقف التدخل السلبي في ليبيا من قبل بعض الدول، كما يجب أن يتوحد الموقف تجاه ليبيا إقليمياً ودولياً وأن يتخذ المجتمع الدولي موقفًا حازمًا تجاه من يحاول عرقلة المسار الديمقراطي، مع الدعوة إلى وقف الاقتتال وتوحيد المؤسسة العسكرية والاحتكام إلى الحوار لإنهاء الأزمة التي طال أمدها.

بعد سبع سنوات من سقوط القائد الليبي السابق، معمر القذافي، لا تزال ليبيا تعاني من عدم استقرار سياسي ومؤسساتي وأمني، في وقت يشهد فيه شرق وجنوب البلاد تدهورا أمنيا للأوضاع منذ منتصف شهر أبريل الماضي، تسبب في مقتل العديد وأثار قلقا في أوساط السلطة الليبية والبعثة الأممية.

وقد اشتدت المعارك الدائرة في مدينة درنة شرق ليبيا بين قوات تابعة لـ«خليفة حفتر» وقوات ما يعرف بـ«مجلس شورى مجاهدي درنة وضواحيها» حيث سقطت عدة قذائف في أكثر من موقع بحي السيدة خديجة غرب درنة، وأكدت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا انه منذ احتدام الصراع في 15 مايو الماضي سقط ستة مدنيين وأصيب 14 آخرون بجروح، بينما قتل العشرات من العناصر المتقاتلة فيما أدى الصراع إلى نزوح بين 300 و500 أسرة من منطقة الفتائح شرقي المدينة.

وذكرت البعثة انه منذ بداية النزاع المسلح في المدينة، منتصف أبريل الماضي، ازدادت المخاوف الليبية والأممية من انتقال الصراع إلى المناطق الآهلة بالسكان المدنيين مما يرفع التحدي الجديد أمام الأمم المتحدة لتوفير الحماية للمدنيين وإيصال المساعدات الضرورية لهم، مؤكدة في الوقت نفسه أن دخول المساعدات الإنسانية إلى درنة «محدود جدا» ولا تزال المواد الإنسانية بانتظار صدور الموافقة على إدخالها، علما أن الاحتياجات الملحة هي في قطاع الصحة وستزداد هذه الاحتياجات باستمرار الحصار.

وكانت أنباء، قد أفادت بقيام ما تسمى قوات «حماية المدينة» بتفجير جسر شلال وادي درنة جنوب المدينة وإسقاطه، باعتباره أحد مداخل «درنة» الاستراتيجية، وفي تطور آخر، دعت مجموعة من منظمات المجتمع المدني في العاصمة طرابلس، إلى التظاهر أمام مقر بعثة الأمم المتحدة، رفضا للتصعيد العسكري في درنة، وأكدت في بيان لها أنها ستدعو الأمم المتحدة إلى فرض منطقة حظر طيران على مدينة درنة وكذلك الجنوب الليبي.

من جهة أخرى، ونظرا للتصعيد الذي يشهده جنوب البلاد لا سيما في مدينة سبها، دعا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في ليبيا، المناطق العسكرية (الغربية - طرابلس- الوسطى) بتجهيز قوة عسكرية من أجل حماية وتأمين الجنوب، وهو قرار جاء اثر الأحداث التي شهدتها المدينة، التي تعتبر أكبر مدن الجنوب، في الأيام الأخيرة من اشتباكات عنيفة خلفت أكثر من 45 قتيلا وجريحا بحسب بعثة الأمم المتحدة، حيث تدور الاشتباكات في سبها منذ مطلع فبراير الماضي بين قبيلتي «أولاد سليمان» أو «التبو» وتسببت بنزوح أكثر من 200 عائلة من مناطق الاشتباكات. تتواصل الاشتباكات المسلحة في شرق وجنوب البلاد وسط دعوات ليبية وأممية بضرورة تحكيم العقل واحترام القانون الإنساني الدولي، وتقر بشأنها خارطة الطريق الأممية في مرحلتها الأولى على وجوب تعديل الاتفاق السياسي (الصخيرات الموقع عام 2015)، لتبدأ المرحلة الثانية وهي عقد ملتقى وطني يهدف إلى فتح الباب أمام الذين تم استبعادهم (من جولات الحوار السابق) بينما تنتهي المرحلة الثالثة بتنظيم انتخابات في البلاد.. ومعها يتكرر السؤال، هل ستقوى الالتزامات المعلن عنها، عديد المرات، على وضع حد للانقسام وسط الأطراف الفاعلة في ليبيا حيث تتصارع على الشرعية والسلطة في ليبيا قوتان أساسيتان، هما: حكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس (غرب)، وقوات خليفة حفتر المدعومة من مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق (شرق)، مع أنهم قد التقوا بباريس قبل أيام؟