أفكار وآراء

عمان والصين شراكة استراتيجية

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

صدر مؤخرا بيان مشترك بين السلطنة وجمهورية الصين الشعبية بشأن إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية احتفاءً بمرور أربعين عاما على العلاقات الدبلوماسية الثنائية التي بدأت في 25 مايو 1978 بين البلدين. هذا البيان الذي يعتبر الأول من نوعه، ويصدر عن قادة البلدين يسجل تقييما عاليا للتقدّم والتطوّر الكبير الذي حققته العلاقات الدبلوماسية خلال السنوات الأربعين الماضية. والجميع على علم بأن العلاقات العمانية الصينية ليست وليدة اليوم وإنما هي علاقات متجذرة في التاريخ، وتعود لقرون مضت، حيث تركت الحضارتان العمانية والصينية بصمات عديدة في مختلف الجنبات. وخلال هذه العقود الأربعة الماضية تعززت وترسخت الصداقة بين البلدين في مختلف المجالات التي تتعلق بالطاقة والاقتصاد والتجارة والثقافة وغيرها من الجوانب الأخرى، الأمر الذي يعزز المصالح السياسية ويساهم في دفع التنمية والرخاء المشترك للبلدين.

فالصين بقوتها البشرية والاقتصادية والسياسية- باعتبارها إحدى الدول التي لها حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي- تعد البلد المستورد الأكبر للنفط العماني منذ أن تم تصدير النفط إلى هذه الدولة، فيما هناك علاقات كبيرة في عدة مجالات أخرى تشمل الاستثمار المشترك في مجالات التقنية والطاقة والمجالات الصناعية. وهناك اليوم الكثير من القواسم المشتركة بين البلدين- وفق تصريحات المسؤولين العمانيين والصينيين- بشأن تلك العلاقات التي استطاعت تحقيق الكثير من التعاون في المجال الاقتصادي والتجاري خلال السنوات الأخيرة، في الوقت الذي تكسب فيه السلطنة احترام وثقة مختلف دول العالم تجاه السياسات التي تتبناها في المنطقة، الأمر الذي يمنحها اهتماما بالغا وتقديرا عاليا لما تنتهجه من سياسات خارجية سلمية، وما تلعبه من دور فريد وبناء في صون أمن وسلامة المنطقة، والنأي بنفسها عن التدخل في الشؤون الخارجية للدول، ومساهمتها المتميزة في إيجاد السلام العالمي وتقريب وجهات نظر الدول فيما يتعلق بالحروب المشتعلة في المنطقة. فالصين أصبحت اليوم تنظر للسلطنة على أنها دولة مهمة في منطقة الشرق الأوسط والقارة الآسيوية نتيجة لثقتها في تلك السياسات، ونهجها الذي يدعو إلى التسامح والسلام في العالم. ومن هذا المنطلق فقد تطرق البيان الأخير لهذا الشأن وإلى العديد من الجوانب الأخرى شملت التواصل والتشاور بين قيادتي البلدين تجاه القضايا التي تهم الأوضاع الدولية والإقليمية ودعمها للقضايا المتعلقة باستقلال البلدين وسلامة أراضيهما، مع التأكيد والالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتزام السلطنة بمبدأ الصين الواحدة.

وفي الجانب الاقتصادي فقد تحقق الكثير من المنجزات بين الطرفين. وتأتي الاستثمارات الصينية في السلطنة لترسّخ هذه العلاقات، بحيث أصبح لها تواجدا ملموسا من خلال مشروعات مشتركة ضخمة تجري إقامتها حاليا في منطقة الدقم الاقتصادية. وتأتي اليوم المدينة الصناعية الصينية العمانية التي تقام في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم على رأس هذه المشاريع، حيث تقدّر قيمة استثماراتها بنحو 10 دولارات، ويمثل نموذجًا للتعاون في المجال الصناعي. فهذه المدينة الصناعية الصينية العمانية بالدقم تحظى اليوم باهتمام بالغ من قبل أوساط الأعمال وحكومتي البلدين، وقد تم وضع حجر الأساس لهذه المدينة، وتجري أعمال الإنشاء على قدم وساق.

وفي المجال التجاري، فقد أصبحت السلطنة رابع أكبر شريك تجاري للصين في العالم العربي. وقد وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2016 إلى 14.17 مليار دولار، فيما تأتي الصين في المرتبة الأولى في قائمة الدول المستوردة للنفط العماني، حيث بلغت قيمة الصادرات النفطية العمانية إلى الصين في عام 2016 نحو 35.061 مليون طن مشكلا ما نسبته 9.2% من إجمالي ما تستورده الصين من النفط في العالم وفق البيانات الصينية، وبقيمة 11.13 مليار دولار، مما يشكل 78.6% من إجمالي حجم التجارة الخارجية بين البلدين. وهذه الأرقام في تزايد مستمر، فمنذ بداية العام الماضي 2017، ومع ارتفاع أسعار النفط العالمية، شهدت التجارة العمانية الصينية زخما من النمو. ففي الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 11.87 مليار دولار بارتفاع 14.3% عن عام 2016، ووصل حجم الصادرات الصينية إلى السلطنة 1.79 مليار دولار بنمو 7.8% عن 2016، فيما بلغ حجم ما تستورده الصين من السلطنة 10.8 مليار دولار بارتفاع 15.54% عن السنة المنصرمة. وتبذل الصين في هذا الصدد مزيدا من الجهود على صعيد التجارة الخارجية للاستيراد والتصدير، وزيادة حجم التبادل التجاري. وقد أصبحت المنتجات الصينية تتوفر اليوم في جميع أنحاء السلطنة وبمختلف درجات الجودة، في الوقت الذي يمكن للمنتجات العمانية أن تجد لنفسها طريقا في الأسواق الصينية التي تمثل أضخم سوق في العالم بعدد سكان 1.4 مليار نسمة، وسوقا مفتوحة للسلع غير النفطية.

وفي الجانب السياحي فقد أصدرت السلطنة مؤخرا قرارا بمنح التأشيرات السياحية غير المكفولة لمواطني عدة دول من بينها الصين، الأمر الذي سوف يساهم في زيادة عدد السياح الصينيين إلى السلطنة خلال السنوات المقبلة، في الوقت الذي أعدت فيه السلطنة استراتيجيتها السياحية 2040 لجعل القطاع السياحي أحد القطاعات الرئيسية في سياسة التنويع الاقتصادي التي يتم تنفيذها حاليا. وقد كانت هذه الخطوة الإيجابية محل تقدير الحكومة الصينية، الأمر الذي سيعمل على تطوير العلاقات بين البلدين في القطاع السياحي، ويعزز من حركة السياح والتجار الصينيين إلى السلطنة، وبالتالي يساهم الأمر على تحسين مستمر للتعاون بين البلدين في مجال السياحة وغيره. ووفقا للبيانات الصينية، فهناك حاليا نحو 120 مليون صيني يسافرون خارج الصين سنويا بهدف السياحة، وينفقون ما يصل إلى 170 مليار دولار، وهم يمثلون واحدا من اهم الأسواق المصدرة للسياح في العالم. وقد هيأت السلطنة الظروف المواتية لتطوير القطاع السياحي واستقبال السياح من مختلف دول العالم، الأمر الذي يساهم في زيادة الدخل ونمو الاقتصاد الوطني.

وقد تناول البيان الأخير جميع تلك التطورات مع ترحيب السلطنة لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وبأن تكون عُمان شريكا رئيسيا في هذا المشروع، مع العمل على تسريع وتيرته. فالصين ترى أن السلطنة لديها إمكانيات هائلة للتنمية وهي محطة مهمة على طول «الحزام والطريق» وتتمتع عمان بمميزات جيوغرافية بارزة منها سهولة النقل البحري ووقوعها على مقربة من العديد من الأسواق الواعدة. ومن المقرر أن تلعب المدينة الصناعية دورا كبيرا في دعم التوجهات المستقبلية للبلدين في هذا الإطار، نتيجة للموقع الاستراتيجي لهذه المدنية والقرب من الأسواق الواعدة، والسياسات التي بدأت تنفذها السلطنة لتسهيل وجذب الاستثمارات إلى منطقة الدقم، الأمر الذي يساهم في تسريع وتيرة نمو القطاعات غير النفطية العمانية وتحقيق التنوع للهيكل الاقتصادي والدخل الوطني للسلطنة. فهذه المدينة الصناعية تعد اليوم نمطا راقيا للتعاون الاقتصادي والتجاري بين دول العالم، ومركزا يجمع العديد من الصناعات، وهو ما يحقق فوائد أعظم بكثير من المشاريع الاستثمارية المنفردة. وقد تطرق البيان الأخير إلى هذه المحاور، بجانب التعاون في مجالات الطاقة والتكنولوجيا، ودعم توجهات الشركات والسوق والمبادئ التجارية في البلدين، مع تقديم التسهيلات لمشاريع الصين في تلك المنطقة، والتوظيف الكامل للمزايا الاقتصادية التكاملية لدى البلدين من خلال عمل وقرارت اللجنة الاقتصادية والتجارية المشتركة. ويشمل ذلك أيضا توسيع التعاون في مجالات البنية الأساسية والحدائق الصناعية واللوجستية والسكك الحديدية والموانئ ومحطات توليد الكهرباء وغيرها وتدعيم التطور الشامل للعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، بالإضافة إلى دعم الشركات العاملة في مجالات تجارة النفط الخام والتنقيب وتطوير موارد النفط والغاز الطبيعي والخدمات الهندسية والتكرير والبتروكيماويات وغيرها في البلدين. كما أعرب البيان عن حرص البلدين على دفع التعاون المالي والبحث في إمكانية التعاون في مجال العملة وتوظيف الدور الفعال للعملة المحلية في التجارة والاستثمار بين الجانبين، بجانب التواصل الإنساني والثقافي والابتكاري والأمني والتقني، وبذلك أصبح البلدان يشاركان اليوم في المبادرات القائمة، الأمر الذي يساهم في تعميق الثقة المتبادلة والتعاون العملي من جهة وفي مد جسور الخير لجميع أبناء المنطقة والعالم من جهة أخرى.