أفكار وآراء

قانون العرض والطلب وأسعار النفط

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

نيكولاس لوريس- هَيرَتِدْج فاونديشن -

ترجمة قاسم مكي -

حل موسم قيادة السيارات في الولايات المتحدة. ويرى سائقوها في ارتفاع أسعار الوقود إشارة غير مرحب بها. لذلك يخوض الساسة في لعبة توجيه اللوم ويتهمون إدارة ترامب بالتسبب في معاناة سائقي السيارات عند مضخات الوقود (جعلهم يدفعون المزيد من النقود.) لكن ما الذي يحدث حقا؟ وهل هنالك أي شيء يمكن لواضعي السياسات أن يفعلوه ؟ يوضح قانون العرض والطلب الكثير في هذا الصدد. فبسبب أن النفط سلعة يتم تداولها عالميا تؤثر عوامل مختلفة حول العالم على عرض النفط والطلب عليه. كما يؤثر هذان العاملان بدورهما على ثمن الوقود الذي يدفعه الأمريكيون في محطات الوقود . من المؤكد أن الطلب مرتفع في الوقت الحاضر. فحسب وكالة الطاقة الدولية، زاد الطلب العالمي على النفط بنسبة 1.6% في عام 2017. قد لا تبدو هذه النسبة كبيرة. لكنها أكبر بقدر مؤثر من نسبة 1% التي تمثل متوسط الزيادة في الطلب على مدى عشرة أعوام. الجدير بالذكر أن أسعار الوقود المرتفعة كثيرا ما تكون نتيجة لتعافي الاقتصاد. ففي الولايات المتحدة وحول العالم يعني النمو القوي للاقتصاد أن مؤسسات الأعمال والعائلات (الأسر المعيشية) تستخدم المزيد من النفط. أما في جانب العرض، فقد سبق أن قررت منظمة أوبك وأصدقاؤها خفض الإنتاج في نهاية عام 2016 وطوال عام 2017 في مسعى منها لزيادة الأسعار. وباعتبار حجم الإنتاج في عام 2016 أساسا للخفض، قلص 21 بلدا منتجا للنفط إجمالي الإنتاج بما يقرب من 1.8 مليون برميل في اليوم. وتجاوزت بلدان مثل المملكة السعودية حصص خفض إنتاجها في حين أنتجت بلدان أخرى نفطا أكثر من الحصص التي ذكرت أنها ستلتزم بإنتاجها. ونتج عن انهيار اقتصاد فنزويلا وأيضا أنجولا انخفاض كبير في حجم نفطهما. لذلك صار من السهل لأوبك الوفاء بأهداف خفض إنتاجها. لكن من المستبعد أن تتسم استراتيجية أوبك بالاستدامة (من الصعب أن تدوم لفترة طويلة.) فأوبك لم يكن في مقدورها أبدا تقييد الإمدادات والسيطرة على الأسعار لفترة طويلة جدا لأن النفط يأتي من مجموعة متنوعة من المنتجين (أعضاء وغير أعضاء في أوبك.) ولدى العديدين منهم حافز قوي على عدم الالتزام وزيادة إنتاجهم فوق الحصص المقررة بشكل ما . وحتى عندما كانت أسعار النفط أقل، فشل بعض أعضاء وحلفاء أوبك في الوفاء بالتخفيضات المقررة لهم. وإذا استمرت الأسعار في الارتفاع والإنتاج في التدهور في فنزويلا وأنجولا ، سيتعزز أكثر الحافز على عدم الالتزام أو التخلي عن الاتفاق. وفي الحقيقة لقد ذكرت وكالة رويترز مؤخرا أن أوبك قد توافق على زيادة الإنتاج في اجتماعها الرسمي القادم في يونيو الحالي. وثمة مؤشر آخر جيد. فالاختراقات التقنية غير العادية التي يتم توظيفها الآن لاستخراج النفط في الولايات المتحدة تزيد من عدم فاعلية استراتيجية أوبك في الأجل الطويل. فمع قرار أوبك وحلفائها خفض الإنتاج في عام 2017 ضخت شركات النفط الأمريكية المزيد من الإمدادات. وذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة تجاوز 9.3 مليون برميل في اليوم عام 2017 محققا بذلك زيادة بنسبة 5% عن مستوى الإنتاج في عام 2016. وفي نوفمبر 2017 فاقت إمدادات النفط الأمريكية 10 ملايين برميل في اليوم محطمة بذلك الرقم القياسي على مدى نصف قرن تقريبا. كما أن الولايات المتحدة في سبيلها للتفوق على المملكة السعودية وروسيا كأكبر منتج للنفط في العالم. وفي الحقيقة تشير آخر تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج الولايات المتحدة قد يصل إلى ما يقرب من 12 مليون برميل في اليوم في عام 2019 . إن ثورة الطاقة الأمريكية حكاية لافتة تؤكد على المنافع التي يمكن أن يحققها الإبداع البشري والشغف بمشروعات الأعمال الرائدة. رغم ذلك يدعو واضعو السياسات الإدارة الأمريكية إلى «عمل شيء» للتلطيف من مشاعر التعاسة التي تنتاب السائقين كلما عرجوا على محطات الوقود لإعادة تعبئة سياراتهم. لكن الأسعار المرتفعة التي تكون وراءها قوى السوق ليست سببا قاهرا لدفع الحكومة الفيدرالية إلى التدخل في أسواق الطاقة. فالأسعار هي، بعد كل شيء، أداة لتوصيل المعلومات إلى منتجي ومستهلكي الطاقة. فحين ترتفع الأسعار يكون ذلك الارتفاع حافزا للشركات كي تستخرج المزيد من النفط وتزيد من الإمدادات. بجانب ذلك، تحفز الأسعار المرتفعة أيضا رواد الأعمال إلى الاستثمار في بدائل مبتكرة للنفط سواء كانت تلك البدائل بطاريات أو سيارات تستخدم محركاتها الغاز الطبيعي أو الوقود الحيوي. كما يدرس السائقون (على خلفية ارتفاع الأسعار) خياراتهم الاستهلاكية أيضا. بمعنى هل يلزمهم اللجوء إلى الاستخدام الجماعي للسيارات (الترحيل الجماعي بسيارة واحدة) أو إيجاد وسائل انتقال بديلة أو (في فترة لاحقة) شراء سيارات أكثر كفاءة في استهلاك الوقود. لذلك على إدارة ترامب والكونجرس إزالة الحواجز والسياسات الحكومية التي ترفع الأسعار بطريقة اصطناعية. فمثلا سيؤدي تبسيط عملية السماح باستخراج ونقل النفط إلى رفد السوق بالمزيد من النفط. وسيتيح نقل مهمة حماية البيئة (من المركز الفيدرالي) إلى الولايات إدارة أكفأ لها وأكثر خضوعا للمحاسبة. كما تؤدي التعليمات الحكومية التي تقرر نوع الوقود الذي يجب على السائقين استخدامه وأية سفن يمكنها نقل النفط من ساحل إلى ساحل (في الولايات المتحدة) إلى ارتفاع الأسعار عند مضخات الوقود وتخدم حماية مصالح خاصة فقط. على واشنطن الامتناع عن اللجوء إلى «اللا حلول» التي تتطفل على أسواق النفط والاتجاه بدلا عن ذلك إلى تصحيح التشوهات التي تسببت فيها الإدارات السابقة.

•الكاتب زميل بمؤسسة هيرتدج فاونديشن ومختص بتحليل سياسات الطاقة والبيئة