1355485
1355485
روضة الصائم

كتب عمانية : «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار» جامع في الأديان والأحكام بأقوال العلماء وآرائهم

09 يونيو 2018
09 يونيو 2018

القاهرة - العزب الطيب الطاهر -

كتاب «لباب الآثار الوارد على الأولين والمتأخرين الأخيار»، هو واحد من الكتب التي تحتويها مكتبة كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة، ومن إصدارات وزارة التراث القومي والثقافة، وقام بتحقيقه عبد الحفيظ شلبي، لمؤلفه العالم السيد مهنا بن خلفان بن محمد بن عبد الله بن محمد البوسعيدي، العالم الفقيه الذي ولد في القرن الثاني عشر من الهجرة وعاش بمسقط، حينما كان والده خلفان بن محمد قائما بالأعمال الإدارية والمالية للسيد الإمام أحمد بن سعيد، وعلى هذا أطلق عليه خلفان بن محمد اسم الوكيل.

وقد نشأ السيد مهنا رحمه الله مجتهدا في طلب العلم ونشره حتى صار ممن يشار له ورعا وزهدا وفقها ويرجع إليه الناس في حل مشاكلهم، وكان معاصرا للشيخ العلامة جاعد بن خميس الخروصي رحمه الله وبينهما تبادل آراء في مسائل علمية، ويروى أن السيد خلفان بن محمد الوكيل والد السيد مهنا أرسل إلى الشيخ جاعد مسائل علمية يطلب منه الجواب عليها فيما يخصه، فأجابه الشيخ على مسائله وكتب له معها: أتسألني وعندك ولدك السيد مهنا، وهذا يدل على رسوخ قدم المهنا في العلم واطلاعه الواسع، وقد عاش السيد مهنا طيلة عمره قائما بأعمال الخير، وكان يقضي أكثر أوقاته في المسجد الذي بناه أبوه بمسقط سنة 1182هـ والذي يعرف الآن بمسجد الوكيل.

وقد أجاب المؤلف رحمه الله على كثير من المسائل الفقهية، وقد شرع في تأليف الكتاب بهمة عالية في جمع الكتب وترتيب فتاوى العلماء ليضم كل مسألة في بابها، وطلب من الشيخ الفقيه سعيد بن عامر الطيواني أن يكون ملازما له ليقوم بكتابة كتاب « اللباب» حيث أنه كان في آخر عمره أعمى البصر فاتح البصيرة فأجاب الشيخ سعيد طلبه، وتوفي السيد مهنا رحمه الله، عام الخمسين بعد مئتي سنة وألف سنة هجرية.

ونظرا لتعدد أجزاء الكتاب فسنركز على الجزء الأول الذي يتكون من سبعة أبواب، الأول منها يتناول طلب العلم وفضله، ويبدو أن ذلك سمة في معظم الكتب التي تتناول الفقه العماني الموجودة في مكتبات جامعة الأزهر، ويشرح المؤلف فيه بعض المسائل المتعلقة بمدح طالب العلم وفي الفتيا وقبولها وفي ضمان المفتي ومن يرفع عنه الخطأ ومن لا يرفع، مستهلا الباب بالإشارة إلى آيات من القرآن الكريم « ولقد آتينا داود وسليمان علما» «وعلمك ما لم تكن تعلم » «يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا»، فضلا عن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ومنها «تعلموا العلم فإن تعليمه لله خشية وطلبه عبادة والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة لأنه معالم الحلال والحرام، وهو منار سبيل الجنة والأنيس في الوحدة والصاحب في الغربة بالعلم يعرف الله ويوحده وبه يطاع ويعبد، وهو إمام والعمل تابعه يلهمه الله السعداء ويحرمه الأشقياء، فضل العلم أحب إلى الله من فضل العبادة وخير دينكم الورع، ومن لم يتعلم العلم عذبه الله على الجهل وما عند الله شيء أفضل من العلم والفقه، ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد، والعلم كله القرآن وهو الأصل والتنزيل وما بعده من العلم تفسير له وتأويل.

وقيل في هذا الصدد، كفى بالعلم شرفا أن كل أحد يدعيه وإن لم يكن من أهله، وكفى بالجهل حزنا أن كل واحد يبرأ منه وإن كان به موسوما.

وفى هذا الشأن يقول المؤلف: من لم يكن له نور من ربه فما له من نور يستدل عليه، وذلك هو العلم النافع فالعلم هو الدليل على قصد السبيل إلى الملك الجليل والعلم كله القرآن وهو التنزيل، وما بعده من العلم تفسير وتأويل فهو الهدى والنور والشفاء لما في الصدور من أمراض الغرور وأدوار الفجور.

ويشير المؤلف إلى المسائل المتعلقة بالعلم والعلماء والتعلم ومنها ما يتصل بتعليم القرآن الكريم أهو فرض على الجميع أم من فروض الكفاءة فيعلق بقوله: إنه قد قيل من فروض الكفاية إذا قام به البعض أجزى عمن لم يقم به «، ويلفت المؤلف في هذا السياق إلى بعض أسرار سورة الفاتحة، التي تسمى أم القرآن الكريم بما تحتوى عليه من الصفات والأسماء الدالة على كيفية التوحيد، وكمية التفريد وكذلك احتوائها على نسيج مدارج الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، على معارج العلم والعمل الصالح وعلى طريق الاستقامة، وهى تسمى الكافية والواقية والشافية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم « هي شفاء من كل داء،لأنها تثنى في كل صلاة وفى كل ركعة منها، كما أن لها أسرارا عظيمة، حتى إنه يروى عن الإمام محمد الغزالي أنه ذكر فيها من الخواص ألفاظا ظاهرة وألفاظا باطنة، وهى سبع آيات بالاتفاق مكية ومدنية، لأنها نزلت مرتين مرة بمكة، يوم فرضت فيها الصلاة ومرة بالمدينة حين حولت القبلة.

ويفصل المؤلف بقدر كبير من التفاصيل مختلف المسائل المتصلة بالإجماع والقياس والبراهين والتأويل والرأي والاختلاف والحجة، مستعينا بآراء الفقهاء السابقين والمعاصرين له وما اعتمد عليه من الكتب القديمة، معترفا بفضل مؤلفيها مؤكدا إنه لا يجوز لأحد أن يقبل ولا يعمل ولا يحكم ولا يفتي ولا يدلي بغير الحق ولو ظنه وتوهمه وحلا في قلبه، فلا يسعه ذلك فقد جاء في الأثر ليس لأحد أن يفعل معصية ولو ظن أنها طاعة، وقد قال الله سبحانه وتعالى في قصة موسى «حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق» أي حقا علي أن لا أقول على الله غير الحق.