1352733
1352733
روضة الصائم

العامري: المجلس الأعلى للقضاء يهدف إلى ترسيخ قيم وأخلاقـــيات العمل القضائي

04 يونيو 2018
04 يونيو 2018

رسم السياسة العامة للقضاء وتطويره وتيسير إجراءات التقاضي.. من أبرز اختصاصاته -

أجرى اللقاء: سالم بن حمدان الحسيني -

لشهر رمضان الفضيل مكانة عظيمة لدى كل مسلم ومسلمة، وصيامه مقرون بتقوى الله عز وجل وهو الأمر الذي ينعكس على سلوك المسلم قولا وفعلا واعتقادا، فقد وجدنا أن لهذا الشهر الفضيل الأثر البالغ على المتخاصمين، البعض يغض الطرف عن بعض حقوقه المشروعة مخافة الوقوع فيما لا تحمد عقباه، فيقرر أمام المحكمة ترك الدعوى، والبعض الآخر يركن إلى الصلح، والبعض يطلب وقف الدعوى لمدة من الزمن، وهناك من يطلب تأجيلها إلى ما بعد الشهر الفضيل، وكم من أنفس كانت ألحن بحجتها في الخصومات قبل الشهر الفضيل تجدها خلاله بعيدة عن الجدال وقساوة القلب ذاعنة بالحق وأدائه، وكم من صاحب حق سمحت نفسه السخية خلال الشهر الفضيل عن المطالبة بحقه ابتغاء وجه الله، أو تنازل عن إجراءات التنفيذ الجبري في حق من ثبت الدين عليه، وكم من جان أقر بالجرم المسند إليه، فلم يجد بدا بعد أن طرقت فؤاده النفحات الرمضانية إلا أن يندم على فعلته والإقرار بها صدقا في التوبة وعزما على عدم العودة إليها.. ذلك ما أكده فضيلة الشيخ الدكتور ثاني بن سالم بن مبارك العامري قاضي محكمة استئناف ورئيس الإدارة العامة للمحاكم.

وقال فضيلته في حوار خاص لروضة الصائم أن مختلف درجات المحاكم مناط بها تحقيق العدالة الناجزة بين أفراد المجتمع، سواء كانوا من المواطنين أو المقيمين على هذه الأرض الطيبة، وذلك بما يكفل صون الحقوق، وضمان إعادتها إلى أصحابها، وبما يساهم في تحقيق أمن وطمأنينة الأفراد على النفس والعرض والمال، ويؤدي إلى ردع الخارجين عن القانون وإعادتهم إلى رشدهم.. نقرأ المزيد في هذا الجزء الأول من اللقاء:

فضيلة الشيخ يسرنا بداية أن نتعرف عليك وعلى التحاقك بسلك القضاء والمناصب التي تقلدتها حتى الآن؟

الدكتور ثاني بن سالم بن مبارك العامري، من مواليد 6 مايو 1972م ، حاصل على شهادة الدكتوراه بدرجة مشرف جدا من جامعة الزيتونة بتونس، وقد التحقت بسلك القضاء بتاريخ 22 يناير 1997م أي ما يناهز قرابة 22 سنة حتى الآن، وقد كانت البداية بمسمى مساعد قاض، ثم نائب قاضي، واستمر الوضع كذلك حتى تطبيق قانون السلطة القضائية حيث حصلت على مسمى قاضي محكمة ابتدائية ثان، بعدها قاضي محكمة ابتدائية أول، ثم قاضي محكمة استئناف منذ 7 سنوات وحتى الآن، وخلال تلك الفترة أسند إليّ رئاسة العديد من المحاكم الابتدائية كالمحكمة الابتدائية بالمصنعة وقريات وصحار وصحم وبركاء وغيرها، وكذلك بعض محاكم الاستئناف كمحكمة الاستئناف بصحار، كما كنت عضوا في الإدارة العامة للتفتيش القضائي خلال فترات مختلفة وكذلك عضوا بالمكتب الفني التابع للمحكمة العليا، وإلى جانب ذلك ومنذ قرابة سنة ونصف ولّيت رئاسة الإدارة العامة للمحاكم ولا أزال.

نود أن تعطوا القارئ الكريم فكرة عن اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء؟ وترتيب المحاكم وعددها في السلطنة؟

يترأس مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان -حفظه الله- المجلس الأعلى للقضاء، وقد تم تشكيله وتحديد أهدافه واختصاصاته وصلاحياته بموجب المرسوم السلطاني رقم (9/‏‏ 2012م)، ويهدف المجلس إلى العمل على استقلال القضاء وتطويره وترسيخ قيم ومثل وأخلاقيات العمل القضائي ورعاية نظمه، ومن أبرز اختصاصاته وصلاحياته رسم السياسة العامة للقضاء، والعمل على ضمان حسن سير العمل بالمحاكم والادعاء العام وتطويره، والعمل على تيسير إجراءات التقاضي وتقريبه للمتقاضين وغيرها من الاختصاصات التي نصت عليها المادة الثانية من المرسوم المشار إليه. أما عن المحاكم بالسلطنة فهي مرتبة على درجات ثلاث وفق التالي :

المحكمة العليا: وهي محكمة واحدة مقرها محافظة مسقط وتُشكل الدوائر بها من خمسة قضاة، وقد تم افتتاح المبنى الجديد للمحكمة بتاريخ 26/‏‏مايو/‏‏2016م، حيث يعد نقلة نوعية في سبيل تمكين القضاء العماني من أداء مهمته على أكمل وأرقى وجه، كما يعكس الاهتمام السامي برفعة القضاء وإبراز مكانته العالية.

محاكم الاستئناف: وعددها ثلاث عشرة محكمة، وتُشكل فيها الدوائر من ثلاثة قضاة، وهي متوزعة على محافظات السلطنة باستثناء محافظة مسقط حيث بها محكمتا استئناف أحدها بولاية بوشر والثانية بولاية السيب نظرا للكثافة الكبيرة بهما، وقد شيدت عدة مجمعات قضائية على أحدث الطرز المعمارية، مع مراعاة خصوصية العمارة الإسلامية والتاريخية للسلطنة، ومن ذلك مجمع المحاكم بمسقط وكذلك في صحار ونزوى إضافة إلى مجمعين آخرين بإبراء وعبري.

المحاكم الابتدائية: وهي موجودة في معظم ولايات السلطنة، ويبلغ عددها أربع وأربعين محكمة، وتُشكل فيها الدوائر من قاضي واحد باستثناء الدوائر الثلاثية (الكلية) بالمحاكم الواقعة بالمجمعات القضائية حيث تشكل من ثلاثة قضاة.

ما هو الدور الاجتماعي الذي يمكن أن تقوم به المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف المنتشرة في ربوع السلطنة؟

لا شك أن مختلف درجات المحاكم مناط بها تحقيق العدالة الناجزة بين أفراد المجتمع، سواء كانوا من المواطنين أو المقيمين على هذه الأرض الطيبة، وذلك بما يكفل صون الحقوق، وضمان إعادتها إلى أصحابها، وبما يساهم في تحقيق أمن وطمأنينة الأفراد على النفس والعرض والمال، ويؤدي إلى ردع الخارجين عن القانون وإعادتهم إلى رشدهم، وهذا كله في حد ذاته دور هام وبارز في الاستقرار المجتمعي والعيش الرغيد لأفراده.

والى جانب ما تقدم ونظرا للخصوصية التي يتمتع بها المجتمع العماني منذ قديم الزمان، ألا وهي سمة التسامح بين أفراده وسمو النفس فوق كل خلاف أو نزاع، فقد راعت القوانين ذلك من خلال النص صراحة على ضرورة عرض الصلح ابتداء على الخصوم من قبل هيئة المحكمة قبل البدء بالإجراءات المقررة لنظر الدعوى، وهو ما نصت عليه المادة (99) والمادة (285) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، وتعزيزا لذلك فقد أنشئت لجان التوفيق والمصالحة ووضع لها قانون خاص ينظمها بموجب المرسوم السلطاني رقم (98/‏‏2005م) تعنى بتسوية النزاعات قبل إقامة دعوى بشأنه أمام القضاء. ولا شك في أن ذلك يساهم مساهمة مباشرة في تماسك المجتمع ورأب الصدع، وتجنيبه ويلات النزاعات التي قد تحتدم بين بعض أفراده، والصلح كما هو معروف أرأف بالأطراف وأحفظ للعلاقة المجتمعية فيما بينهم، بخلاف الحكم الذي لا تكون منفعته في الغالب إلا لطرف واحد دون سواه.

أظلنا شهر فضيل ذو فضل وقدر عظيم في قلب كل مسلم ألا وهو شهر رمضان المبارك، هل ترى من أثر في ذلك على الدعاوى المرفوعة أمام المحاكم كما ونوعا؟

بلا شك أن لهذا الشهر الفضيل فضلا على سائر الشهور، ومكانة عظيمة لدى كل مسلم ومسلمة، وصيامه مقرون بتقوى الله عز وجل قال تعالى (يا أيها الذين أمنوا كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، وتقوى الله عز وجل ينعكس على سلوك المسلم قولا وفعلا واعتقادا، ذلك أن التقوى تورث المسلم الخوف والخشية من الله عز وجل، الأمر الذي يدعوه إلى امتثال أوامره سبحانه واجتناب نواهيه، فالمسلم التقي يكون أحرص على صفاء العلاقة وحسنها بينه وبين خالقه، وكذلك الحال بينه وبين الآخر سواء كان ذلك الآخر قريبا أو بعيدا، وهذا كله يدفع إلى تعزيز العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع ويعمق صلاتها، وهو بدوره يؤدي إلى نبذ النزاعات والخلافات ويقلل من الأبعاد والمناحي التي قد تأخذها بعض تلك النزاعات وما يصاحبها من أحقاد وضغائن، بل إن البعض يغض الطرف عن بعض حقوقه المشروعة قبل الآخر مخافة الوقوع فيما لا تحمد عقباه أو يسيء العلاقة، ومن هذا المنطلق كان للشهر الفضيل الأثر البالغ على المتخاصمين، حيث يلاحظ أن البعض يقرر أمام المحكمة المختصة ترك الدعوى، والبعض الأخر يركن إلى الصلح، والبعض يطلب وقف الدعوى لمدة من الزمن، والبعض يطلب تأجيلها إلى ما بعد الشهر الفضيل، وكم من أنفس كانت ألحن بحجتها في الخصومات قبل الشهر الفضيل تجدها خلاله بعيدة عن الجدال وقساوة القلب وبالتالي تذعن بالحق وأدائه، وكم من صاحب حق سمحت نفسه السخية خلال الشهر الفضيل عن المطالبة بحقه ابتغاء لوجه الله، أو تنازل عن إجراءات التنفيذ الجبري في حق من ثبت الدين عليه، وكم رأينا من زوجين التأمت فيما بينهما العلاقة الزوجية وصفت نفساهما من كل ضغينة أو حقد، واستبدلوه بالمودة والرحمة بعد أن أظلهما شهر الرحمات، وكم من جان أقر بالجرم المسند إليه، بعد محاولات عديدة منه لتضليل المحكمة والفرار من وجه العدالة والإفلات من العقاب فلم يجد بدا بعد أن طرقت فؤاده النفحات الرمضانية إلا أن يندم على فعلته والإقرار بها صدقا في التوبة وعزما على عدم العودة إليها.

وإلى جانب هذا وذلك فقد أسهمت الجمعيات الأهلية والجهود التطوعية المباركة خلال الشهر الفضيل في الإفراج عن العديد من المسجونين بسبب المطالبات المالية التي كانت تثقل كاهلهم وتقيد حريتهم، فابتهجت بهم نفوس أبنائهم، ورجعوا إلى كنف وأحضان أسرهم ليكملوا صوم خير الشهور، ويشقوا لأنفسهم طريقا جديدا بعيدا عن حقوق الآخرين. كل ما تقدم كان له الأثر الفاعل على الدعاوى كما ونوعا، وهذا بلا شك يرجع سببه إلى بركات ونفحات هذا الشهر الفضيل.