روضة الصائم

الإسلام نهى عن الخلق السيئ وشرع حسن الخلق

03 يونيو 2018
03 يونيو 2018

نقائص إنسانية عالجها الإسلام -

القاهرة: محمد إسماعيل -

منذ أن خلق المولي - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتي مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية.

فهو قبل أن يحرم أو ينهي عن شيء وضع البديل له وبين للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه...

وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة.

قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- في كتاب «مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين»: إن من النقائص الإنسانية التي لا تليق بالمسلم ولا يصلح حاله به ولا يكتمل إيمانه إذا اتصف بها سوء الخلق، وقد نهي الإسلام أتباعه عن سوء الخلق وشرع لهم حسن الخلق.

ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان: الجهل والظلم والشهوة والغضب.

فالجهل: يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن، والكمال نقصا، والنقص كمالا.

والظلم: يحمله على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضى، ويرضى في موضع الغضب.

والشهوة: تحمله على الحرص والشح والبخل، وعدم العفة، والنهمة، والجشع، والذل، والدناءات كلّها.

والغضب: يحمله على الكبر، والحقد، والحسد، والعدوان، والسّفه.

ولقد وردت في السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تذم سوء الخلق، وترغب في حسنه، ومن ذلك ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»، (متفق عليه)، وعنْ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خَصْلَتَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ: الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ). أَخْرَجَهُ التِّرمذيُّ.

وَنقيصة سُوءُ الْخُلُقِ ضِدُّ حسنه، وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ يُنَافِي الإِيمَانَ، فَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ: (سُوءُ الْخُلُقِ يُفْسِدُ الْعَمَلَ، كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ). وَأَخْرَجَ ابْنُ مَنْدَهْ: (سُوءُ الْخُلُقِ شُؤْمٌ، وَطَاعَةُ النِّسَاءِ نَدَامَةٌ، وَحُسْنُ الْمَلَكَةِ نَمَاءٌ)، وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ: (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ تَوْبَةً، إِلاَّ صَاحِبُ سُوءِ الْخُلُقِ؛ فَإِنَّهُ لا يَتُوبُ صَاحِبُهُ مِنْ ذَنْبٍ إِلاَّ وَقَعَ فِيمَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ). وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: (لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْخُلُقِ). وأيضا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما جبل الله تعالى ولياً له إلا على حسن الخلق والسخاء»، وعن جابر قال قيل يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال: «الصبر والسماحة»، وقال عبد الله بن عمرو قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خلقان يحبهما الله عز وجل وخلقان يبغضهما الله عز وجل فأما اللذان يحبهما الله تعالى فحسن الخلق والسخاء وأما اللذان يبغضهما الله فسوء الْخُلُقِ وَالْبُخْلُ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا استعمله في قضاء حوائج الناس). وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في افتتاح الصلاة: «اللهم اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيء الأعمال وسيء الأخلاق لا يقي سيئها إلا أنت»، (رواه النسائي والدار قطني بإسناد صحيح)، وجاء أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء»، (رواه أبو داود والترمذي). ويؤكد الدكتور سعيد عبد العظيم في كتاب «خلق المسلم»، أن العبد يبلغ بفضيلة حسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف في العبادة، وإن العبد ليبلغ بنقيصة سوء خلقه أسفل درك جهنم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله إن فلانة تكثر من صلاتها وصدقتها وصيامها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها، قال عليه أفضل الصلاة والسلام: «هي في النار»، قال: يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصلاتها وأنها تتصدق بالأثوار (قطع الأقط) من الأقط (شيء يتخذ من مخيض اللبن الغنمي) ولا تؤذي جيرانها، قال: «هي في الجنة»، (رواه أحمد والبزار). والآيات والأحاديث في ذم نقيصة سوء الخلق، ومدح حسن الخلق كثيرة جداً، ويكفي منها قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف:199]، وقوله: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن} [فصلت: 34]. وقال الفضيل بن عياض: «لا تخالط سيء الخلق فإنه لا يدعو إلا إلي شر»، وقال أيضا: «لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سئ الخلق»، وقال يحيى بن معاذ: «سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات»، وصحب ابن المبارك رجلا سئ الخلق في سفر فكان يتحمل منه، ويداريه فلما فارقه بكى فقيل له في ذلك فقال: «بكيت رحمة له، فارقته وخلقه معه لم يفارقه.

وجمع بعضهم علامات سوء الخلق فقال: «أن يكون قليل الحياء كثير الأذي، قليل الصلاح، كذوب اللسان، كثير الكلام، قليل العمل، كثير الزلل، كثير الفضول، لا برا ولا وصولا، ولا وقورا، ولا صبورا ولا شكورا، غير راضٍ، ولا حليما، ولا رفيقا، ولا عفيفا، ولا شفيقا، لعانا، سبابا، نماما، مغتابا، عجولا، حقودا بخيلا، حسودا، غضوبا، نكدا، يحب شهواته ويبغض فيها، فهذا هو سوء الخلق.

وقال الإمام الغزالي -رحمه الله في كتاب «إحياء علوم الدين»: (الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، وهي الأبواب المفتوحة إلي نار الله تعالي الموقدة التي تطلع على الأفئدة)، وقال أيضا: «الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس، إنها أمراض تفوت علي صاحبها حياة الأبد». فعلى المسلم أن يسارع بالتخلص من نقيصة سوء الخلق، ويقبل علي فضيلة حسن الخلق، وعليه بطاعة الله في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأعلم أن جماع حسن الخلق في أن تعطي من حرمك وتصل من قطعك وتعفو عمن ظلمك، وأن البر شيء هين، وجه طليق وكلام لين، ولأن تصاحب وتقتني حية أهون من أن تعيش بخلق سئ، وأن حسن الخلق أعظم من الجواهر التي تحرص علي اقتنائها.