1349560
1349560
روضة الصائم

حارات عُمانية: مزار تراثي وسياحي (2-2) - حارة الحمراء القديمة تحتضن شـواهد لدور العـلـــم والعـــبادة

30 مايو 2018
30 مايو 2018

الحمراء: عبدالله بن محمد العبري -

تحتوي حارة الحمراء القديمة على شواهد بارزة لدور العلم والعبادة والتي بقيت تحكي مدى حب الإنسان للعلم والعلماء وتمسكه بتلك الدور والمساجد ووضع أسس متينة لحياته فجمع بين العمل والعلم والعبادة والمجالس التي يستقي منها أدب الحياة والمشورة، حيث كانت مدارس تحفيظ القرآن الكريم تغرس في النشء جذور العادات والتقاليد العريقة قبل أن تلقن الأطفال العلم وتبني الأجيال على مبدأ العلم والعمل والكفاح من أجل الحياة فكان التدرج في مستويات نهل العلم وتعليم الصلاة بما تشتمل عليه من قواعد وآداب وتعويد الأطفال منذ الصغر على المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها في المسجد فكانت الأوقات مقسمة بين طلب العلم والعبادة والعمل والترفيه عن النفس.

ومن بين المدارس التي كانت منارة للعلم مدرسة العالي التي بقيت شاهد عيان على تلك المدارس حتى الآن ومدرسة السافل وقد أزيلت لتوسعة الطريق بعد أن بدأت السيارات في دخول الولاية ومدرسة مسجد السحمة التي تدرس فيها علوم اللغة العربية والفقه الإسلامي وقد أزيلت أيضا مع إعادة بناء وتوسعة مسجد السحمة واستبدلت بمدرسة أخرى بالقرب من موقعها الأول، حيث خصصت لتحفيظ القرآن الكريم وكانت مدارس تحفيظ القرآن مقرونة بالمساجد وأحيانا مقرونة بالمجالس إلى جانب المسجد ويبرز من ذلك المسجد والمدرسة وسبلة العالي المرتبطة ببعضها البعض.

كما حرص الإنسان القديم على تأسيس المجلس الشعبي قبل بداية بناء كل حارة فكان المجلس في الحارة بمثابة نقطة التجمع في كثير من الأوقات وكانت تمارس فيه الحرف والصناعات التقليدية كالغزل والنسيج وصناعة الخوصيات ومن أبرز تلك المجالس مجلس الصلف والمقترن بمسجد الصلف وهو المرجع العام لأبناء الولاية يتم فيه التقاضي والأحكام وإنصاف المظلوم ومنه تنطلق الأنظمة التي تحدد مسيرة الحياة بالولاية وسبلة السحمة.

كذلك وهناك المجالس الأخرى والتي غالبا ما تعرف بالسبل من بينها سبلة العالي وسبلة الغاربي والسبلة الشرقية وسبلة الشرامحة وسبلة السافل وغيرها ولكي يعيش الإنسان القديم في أمان فقد أحاط الحارة بدفاعات لحمايتها من دخول الغرباء من خارج الولاية، حيث قام ببناء أبراج للمراقبة تحيط بالولاية من جميع الجهات والتي منها برج الكبكبة وبرج الحديث وبرج دك الولجة وبرج مصلى العيد وبرج الشريعة الذي حظي بمشاريع الترميم وبرج شوين في الشمال وبرج المقبرة وبرج شعاشع في الشرق الذي اندثر ولم يبق له أثر كما اندثرت بعض هذه البروج والبعض لا زال قائما وقد حظيت بعضها باهتمام وزارة التراث والثقافة التي أولتها نصيبا من مشاريع ترميم المعالم الأثرية.

أما حماية الحارة فقد تمت إحاطتها بمنازل ذات ارتفاعات عالية وبين كل عدد من المنازل تم إيجاد صباح «المعروف بالبوابة» ومن أشهر تلك الصباحات صباح المغري وصباح العالي الذي بقي شاهدا على تلك الصباحات بأبوابها وأسقفها حتى الآن وصباح الربع وصباح عريش السدرة وكانت البيوت التي تحيط بالحارة ملتصقة بعضها ببعض حتى لا يكون هناك منفذ للدخول من غير الصباحات.

ولتكتمل منظومة الحياة فقد جرى فلج الحمراء بطريقة هندسية فريدة بين بيوت الحارة والمزارع والذي شقته الأيادي البارعة وسط الصخر ليسقي كل شجرة في بساتينها الخضراء ومزارع النخيل المكونة للرقعة الزراعية الممتدة من منبع الفلج حتى أطراف الولاية فقد دأب الإنسان القديم على أن تكون الزراعة أساس الحياة فمنها تستخرج المواد التي تدخل في الصناعات الأخرى وقد كان الاعتماد على إنجاز العمل الزراعي بالقوة البدنية والدواب.

إلى ذلك يعد سوق الحمراء في الماضي المركز التجاري الوحيد في المنطقة لكونه يقع بين مفترق طرق كثيرة لثلاث محافظات حاليا وهي جنوب الباطنة والظاهرة والداخلية ويأتيه الباعة والمشترون من الولايات على ظهور الجمال يحملون بضائعهم مثل الأسماك والملح والسردين والعوال وغيرها لبيعها هنا ويتسوقون بضائعهم من هذا السوق كالتمور والليمون المجفف في ذلك الوقت، حيث كانت الحمراء تشتهر بأجود أنواع الليمون الغني بالماء الرطب والألياف المجفف وكذلك العسل المحلي والدبس والسمن والمحاصيل الزراعية المختلفة وكان لسوق الحمراء أنظمة متبعة من خلال تقسيم قاعات السوق وإيجاد أماكن مخصصة لرسغ الدواب حتى ينتهي أصحابها من بيع بضائعهم والتسوق أيضا، حيث يستمر نشاط السوق حتى أوقات الليل وتجرى الحسابات على ضوء السراج التقليدي الذي استخدمه التاجر والإنسان العماني في الماضي.