أفكار وآراء

الشراكة الاستراتيجية مع الصين والعمق الحضاري

29 مايو 2018
29 مايو 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي وحلل سياسي -

الإعلان خلال الأسبوع الماضي عن البيان المشترك بين السلطنة وجمهورية الصين الشعبية وتبادل برقيات التهاني بين جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - وفخامة الرئيس الصيني بمناسبة مرور أربعة عقود على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مسقط وبكين يعبّر عن المستوى الممتاز من العلاقات بين البلدين الصديقين.

ولا شك أن هذا التطور المهم في إقامة شراكة استراتيجية يرفده علاقات حضارية ممتدة لقرون من خلال رحلة السندباد العماني والملاحة المباشرة بين ميناء كانتون في الصين وميناء صحار وهي رحلة السفينة صحار والتي تم تجسيدها مجددا في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي ولا تزال تلك السفينة التاريخية شاهد عيان من خلال وجودها في حي البستان في محافظة مسقط، وفي واحد من أشهر ميادين ميناء كانتون الصيني.

ماذا تعني الشراكة

لا شك أن العلاقات العمانية - الصينية شهدت خلال السنوات الأخيرة تطورا نوعيا خاصة في مجال الاستثمار والتجارة وفي مجال تسويق النفط العماني إلى الأسواق الصينية ولا شك أن الإعلان عن تلك الشراكة وأن تكون السلطنة جزءا من مبادرة (الحزام والطريق) التجارية التي تضم عددا من الدول في آسيا الوسطي وإيران وباكستان وأفغانستان، ووجود بنك آسيا، سوف يكون له انعكاس إيجابي في مجال الموانئ البحرية وربطها بدول ذات ثقل سكاني مما سوف ينشط مجال التجارة البحرية وتبادل الحاويات وفي مجال الاستيراد والتصدير من خلال حزام اقتصادي يعيد مسار طريق الحرير التاريخي.

إن الصين وهي ثاني اقتصاد في العالم لديها إمكانات كبيرة على المستوى السكاني والصناعي، ومن هنا فإن الاستثماري الصيني في منطقة الدقم والمقدر بالمليارات من الدولارات، وإقامة المدينة العمانية - الصينية وأيضا استقدام الخبرة الصينية في المجال اللوجستي، سوف تكون له نتائج مهمة، خاصة أن موانئ السلطنة في صحار وصلالة والدقم وصور تعد موانئ مفتوحة عللا البحار، أي بحر العرب والمحيط الهندي وأيضا بحر عمان .

وسوف تشكل الشراكة الاقتصادية والتي تم اعتمادها من القيادتين العمانية والصينية نقلة نوعية خاصة في المجال الاقتصادي والاستثماري وأيضا الاستفادة من الخبرة الصينية وأيضا تنشيط المجالات العلمية وتبادل الخبرات وتعزيز الشراكة على صعيد الموانئ البحرية مما يعزز التنوع الاقتصادي وإيجاد خيارات تعزز من قدرات السلطنة التنافسية في إطار شراكة استراتيجية مع دولة عملاقة كالصين التي يتجاوز سكانها أكثر من مليار و200 مليون نسمة وحققت قفزات اقتصادية أبهرت العالم وتخطت اليابان العملاق الآسيوي الآخر، ومن هنا فإن السلطنة ومن خلال تلك الشراكة سوف تضيف بعدا اقتصاديا من خلال رؤيتها لتنوع الاقتصاد واستغلال موقعها البحري الفريد وفتح مجالات عديدة مع الصين.

الحزام الاقتصادي

الحزام الاقتصادي الذي يشمل دولا عديدة في آسيا هو إحياء لطريق الحرير ومن هنا بدأت الصين في بناء أحد الموانئ المهمة في منطقة جوادر الباكستانية باستثمارات تتجاوز 60 مليار دولار من خلال شبكة طرق تربط بين باكستان والصين كما أن هناك مناطق اقتصادية سوف تنشأ لتنشيط التجارة مع دول الحزام في وسط آسيا وغربها مما سوف ينشط التجارة البحرية ويفتح آفاقا كبيرة للتعاون والشراكات بين تلك الدول. ولا شك أن وجود السلطنة في إطار هذا الحزام سوف ينشط الموانئ العمانية ويفتح التجارة مع دول ذات كثافة سكانية عالية، وتوجد فرصا كبيرة للمنتجات العمانية وإعادة التصدير، مما ينعش التجارة الخارجية وأيضا وجود مشروعات إضافية واستثمارات تعود بالنفع على السلطنة وتوفر آلاف الفرص للشباب العماني والكوادر الوطنية. ولا شك أن الحزام الاقتصادي الذي يمر على دول مثل باكستان وإيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطي سوف يوجد نشاطا اقتصاديا وتجاريا كبيرا، وسوف يشكل نقلة نوعية تتماشى مع الخطط التنموية للسلطنة خاصة رؤية عمان 2040 والتي بدأت التحضيرات لها من قبل الجهات المختصة، وإشراك القطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطنين في مناقشة محاورها المختلفة والتي تحقق في نهاية المطاف الرخاء والازدهار للمجتمع العماني وأجياله الحالية والقادمة من خلال تنمية مستدامة لا تعتمد على قطاع وحيد ولكن من خلال قطاعات واعدة ومقومات كبيرة تملكها السلطنة. إن الشراكة الاستراتيجية مع دولة كبرى كالصين لها مردود إيجابي خاصة أن البلدين لهما حضور حضاري وتجاري منذ قرون كما تمت الإشارة، كما أن البلدين يشتركان في قيم السلام حيث إن الصين تركز على الاقتصاد والعلوم، وهي دولة ذات مساعٍ حميدة في مجال الدعوة إلى الاستقرار في آسيا والعالم، ولها دور مشهود في عدد من الأزمات الإقليمية والدولية وهناك سمات مشتركة بين البلدين والشعبين وعلاقات الصداقة التاريخية سوف يكون لها انعكاس في مجال تنشيط الجوانب الاقتصادية وفي مجال التجارة البحرية وفي مجال الاستثمار خاصة أن السلطنة بها مواقع ذات جذب تجاري كميناء الدقم وموانئ صلالة للحاويات وميناء صحار الصناعي وأيضا المختص بأنشطة متعددة، ومن هنا تعد خطوة الشراكة بين البدين ذات مردود مهم على مجمل العلاقات الاقتصادية وفي المجالات الأخرى.

التبادل التجاري

التبدل التجاري والاستثماري يتزايد بين البلدين وهناك استثمارات صينية في منطقة الدقم تتجاوز عشرة مليارات دولار، كما أن نسبة كبيرة من النفط العماني يصدر للصين وهو اكبر سوق وهناك تجارة التصدير النشطة بين البلدين ومن هنا فإن موضوع الملاحة وإصلاح السفن في الحوض الجاف بالدقم علاوة على وجود استثمارات كبيرة في موانئ السلطنة سوف يعزز تلك الشراكة مع دخول الطيران العماني للسوق الصينية كما أن السياحة الصينية تعد مهمة فهناك ملايين الصينيين يجوبون العالم ومن خلال الشراكة يمكن للسلطنة استقطاب نسبة جيدة من السياح من الصين.

الفرص واعدة بين البلدين من خلال اعتماد الشراكة الاستراتيجية والتي سوف تشمل التنسيق السياسي وأيضا في مجال التعليم والتدريب وفي مجال التكنولوجيا وفي مجال الفضاء والأقمار الاصطناعية حيث إن السلطنة مهتمة بهذا الجانب من خلال رؤيتها الشاملة.

إن الشراكة الاستراتيجية مع دول مهمة كالصين أو غيرها تعد على جانب كبير من الأهمية لتعزيز الفرص الإيجابية وتنشيط الاقتصاد الوطني حتى تصبح السلطنة مركزًا للتجارة الإقليمية والدولية وهي مؤهلة لذلك من خلال موقعها الجغرافي الفريد المطل على بحر العرب والمحيط الهندي من الجنوب والشرق وأيضا بحر عمان والخليج من الشمال وهذه بحار مفتوحة تعطي فرصا واعدة خاصة بوجود الموانئ الحالية والموانئ المتوقع إنشاؤها من خلال الخطط الخمسية القادمة.

المرحلة الأهم

تأتي الخطوة المهمة المتمثلة في الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية بين السلطنة والصين، لتعبر عن رؤية عمانية عميقة في ظل التنافسية في المنطقة والتوتر الإقليمي في المنطقة، وفي ظل عزم السلطنة على تحقيق انطلاقة في مجال الرؤية الاقتصادية، من خلال الحد من الاعتماد على النفط حيث إن أسعار هذا القطاع مرتبط بتقلبات سياسية، ولا يمكن الركون إليه ثانية، وإن كان مصدر دخل شأنه شأن القطاعات الحيوية الأخرى، كالغاز والسياحة والثروة المعدنية والسمكية والقطاع اللوجستي والخدمات. ومن هنا فإن المرحلة تعد مهمة في إطار تنوع الاقتصاد والانطلاق نحو تطبيق المبادرة الوطنية (تنفيذ) من خلال المختبرات الخاصة بكل قطاع، ومن هنا فإن تلك الشراكات الاستراتيجية مع الصين، أو مع دول أخرى في المستقبل تمكن السلطنة من تنويع شراكاتها وإيجاد مناخ تجاري واستثماري وأسواق واعدة، تعطي الاقتصاد الوطني المزيد من الانطلاق والحيوية. ومن جانبنا فإن مزيدا من المرونة والشفافية والتشريعات التي تسهل من الإجراءات والبعد عن البيروقراطية، هي أدوات تساعد على تحقيق هذه الرؤية وتجعل من السلطنة دولة جاذبة للاستثمار والتجارة، مما ينعكس علي السلطنة واقتصادها وشعبها بالازدهار في مجال التنمية المستدامة، وبما يحقق رؤية عمان (2040) والتي تتكاتف الجهود الوطنية لبلورتها وتحقيق أهدافها النبيلة.