أفكار وآراء

التَّقلُّب في سوق الغاز الطبيعي .. لماذا يحدث ؟

28 مايو 2018
28 مايو 2018

نك بتلر - الفاينانشال تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

لماذا ارتفع سعر الغاز الطبيعي بهذا القدر الكبير في آسيا هذا العام؟ فأسعار الواردات اليابانية عند أعلى مستوى لها خلال ثلاثة أعوام بعد أن زادت بنسبة 15% على أساس سنوي. أليس من المفترض أن هنالك تخمة في الإمدادات؟ هذا الوضع يطرح مسألة ما إذا كنّا في بداية دورة فائقة جديدة ستشهد ارتفاعا في سعر الغاز بأكثر من ارتفاعه الحالي. (الدورة السلعية الفائقة أو الكبرى فترة زمنية طويلة ترتفع في بدايتها باطراد ودون هوادة أسعار السلع كسلعة الغاز مثلا ثم تبدأ في الهبوط ببطء إلى مستواها السابق- المترجم.) إن سوق الغاز تفوق في تعقيدها سوق النفط إلى حد بعيد. فهي لا تزال في معظمها سوقا إقليمية (بعكس السوق العالمية الموحدة للنفط) وهناك ثلاث مناطق تجارية رئيسية متميزة له هي الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. يهيمن على المنطقتين الأولى والثانية غاز خطوط الأنابيب الذي يُشتَرى جزء كبير منه على أساس تعاقد طويل الأجل في حين يسعر بعضه بصيغة تسعيرية مربوطة بالنفط، لكن المشهد يتغير بسرعة، فحجم تجارة الغاز الطبيعي المسال الذي يمكن نقله بواسطة السفن تضاعف في الأعوام العشرة الأخيرة مشكلا بذلك عامل مساواة جزئية بين مختلف المناطق التجارية للغاز، كما أن الولايات المتحدة التي أُعتقد في السابق أن تكون مستوردة رئيسية للغاز هي الآن مصدرة له بفضل الغاز الصخري. فالإنتاج الأمريكي منه يشهد ارتفاعا ويمكن أن يزيد بأكثر من مستواه الحالي إذا حفز ارتفاع أسعار النفط والغاز على المزيد من الاستثمار والحفر. وبحسب آخر توقعات وكالة الطاقة الدولية من المقرر أن تشرع الولايات المتحدة في تصدير الغاز بكميات تفوق حجم صادرات قطر بحلول منتصف العشرينات من هذا القرن- أي العقد القادم. أما روسيا التي تهيمن صادراتها على السوق الأوروبية فعازمة على زيادة حجم تجارتها وإحلال أي تدهور في الإنتاج ببحر الشمال. لكن قدرتها على التصدير لهذه السوق صارت محل ارتياب وهي في النهاية مسألة سياسية. وعلى جانب الطلب يواجه الغاز منافسة من الموارد المتجددة بسبب السياسات العامة المخططة لخفض انبعاثات الكربون وأيضا الهبوط الحاد في كلفة إنتاج الكهرباء من توربينات الرياح وألواح الخلايا الضوئية. ثم هناك الصين التي ارتفع فيها الطلب من 2% من الطلب النهائي للطاقة في عام 2000 إلى أكثر من 6%. (الطلب النهائي للطاقة هو إجمالي الطاقة المستهلكة بواسطة المستخدمين النهائيين مثل العائلات أو الصناعة أو الزراعة ولا تشمل الكميات المستخدمة في قطاع الطاقة نفسها – المترجم.) والشيء الحاسم هنا هو أن معظم هذه الزيادة في الطلب يتم الوفاء بها بواسطة الواردات. ومن المقرر أن تصبح الصين هذا العام ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم بعد اليابان. إن التنبؤ بأسعار الغاز عملية دقيقة. حَوَت ورقة مفيدة من معهد أكسفورد لدراسات الطاقة توقعاتٍ مفصلة لإمدادات الغاز ولكنها ضعيفة جدا فيما يخص جانب الطلب. ولسوء الحظ فإن الطلب هو الذي يحرك الزيادة الأخيرة في سعر الغاز. وفي سوق بهذا التعقيد ستكون المقاربة الأفضل رصد عوامل قليلة يمكنها أن تغير المحصلة. العامل الأول هو الطلب الصيني على الغاز المستورد والذي ظل المحرك الحاسم وراء ارتفاع الأسعار. هل سيستمر ذلك؟ يبدو من المؤكد أن هناك المزيد من الارتفاع في حجم الطلب. فالصين تريد وضع حد لانبعاثات الكربون مع المحافظة على النمو الاقتصادي. ويجري تشييد بنية أساسية للغاز (من المحطات الكبيرة للواردات إلى خطوط الأنابيب المحلية.) لكن إيقاع التغيير أقل يقينا. والاعتقاد السائد هو أن اندفاعة الصين لإنتاج الغاز الصخري قد فشلت وأن إنتاج الغاز المحلي في مجمله سيتدهور على الأرجح. لكنني غير مقتنع بذلك. فالمثابرة تؤتي أكلها كما ثبت في تجربة الولايات المتحدة. ولن أفاجأ حين أرى الصين وهي تنجح في تحقيق طموحاتها في إنتاج الغاز الصخري بل حتى في تجاوزها. كذلك يشكل توافر الموارد البديلة للإمدادات في الصين جانبا مهما. والدليل هنا واضح. فقد شهد إنتاج الكهرباء من الرياح وأشعة الشمس نموا سريعا. لكن حَدَّ من هذا النمو انعدام البنية الأساسية المطلوبة لإدخال الطاقة المنتجة من هذين المصدرين في شبكة الكهرباء. على أية حال ستتوافر هذه البنية الأساسية بمرور الوقت وستجلب المزيد من الطاقة من الموارد المتجددة. لكن القيد الأهم سيترتب عن نظرة الصين الاستراتيجية لمكانها في العالم. فإحدى النتائج غير المقصودة للنمو السريع الذي شهده اقتصاد الصين خلال الأعوام الثلاثين الماضية كانت تزايد اعتمادها المطرد على الواردات. لقد ارتفعت الواردات الصينية من النفط إلى 8.4 مليون برميل في اليوم عام 2017 بمعدل يزيد عن 10% قياسا بوارداتها في عام 2016. كما زادت واردات الغاز بنسبة 27% في العام الماضي أيضا، بحسب وكالة رويترز للأنباء.

وبالطبع الإشكال ليس التكلفة ولكن إيجاد حالة من الاعتماد الخطر على الإمدادات الخارجية. توجد بعض الأدلة التي تشير إلى أن الارتفاع في واردات الغاز خلال الأشهر القليلة الماضية باغت القيادة الصينية. ومن الصعب تصور سماحها باستمرار ذلك. نعم سينمو الطلب الصيني لكنه سيكون طلبا مدارا.

أما العامل الرئيسي الثاني الذي يؤثر على أسعار الغاز فهو توافر الإمدادات. والرقم الذي ينبغي الاهتمام به في هذا الجانب هو حجم الصادرات الأمريكية. لم ترتفع أسعار الغاز المحلية في الولايات المتحدة ووضع الإمدادات قوي بفضل الزيادة في إنتاج النفط الصخري الذي يجلب معه كميات كبيرة من الغاز المصاحب. وخلال العام الماضي زادت صادرات الغاز من الولايات المتحدة بأربعة أضعاف حيث بلغت ما يقرب من 2 بليون قدم مكعب في اليوم. وإذا استمر مستوى الصادرات في الارتفاع ستستقر السوق العالمية للغاز مرة أخرى. من المؤكد أن الطلب على الغاز ينمو لكن لا يوجد نقص في الإمدادات.