أفكار وآراء

المشروعات الصغيرة والمتوسطة..المسيرة والتحديات

28 مايو 2018
28 مايو 2018

د.صلاح أبونار -

جاء فوز سلطنة عمان بالمرتبة الثالثة عربيا والثالثة والثلاثين عالميا، في مؤشر ريادة الأعمال الدولي 2017، شهادة عالمية على تقدم ريادة الأعمال في السلطنة، ومعها التقدم المتواصل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. شكل عام 2013 علامة فارقة في مسيرة تطور المشروعات الصغيرة والمتوسطة. ففي يناير من ذلك العام، انعقدت بتوجيه من صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه - ندوة «سيح الشامخات». لم تستهدف الندوة إطلاق استراتيجية لتنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة.

فتلك الاستراتيجية كانت أطلقت بالفعل عام 1995، مع إعلان استراتيجية « رؤية عمان 2020»، بمحاورها الأساسية: محور تقليص دور الدولة الاقتصادي، ومعه الخصخصة وتحقيق التوازن ، وتطوير البنية التشريعية والمؤسسية. ومحور التنويع الاقتصادي، ومعه دفع القطاع الخاص، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وموقع البلاد الجغرافي. ومحور مواصلة التنمية الإنسانية، ومعه بناء مؤسسات المشاركة الاجتماعية، وتنمية مهارات وقدرات العمانيين.

أما الندوة فلقد استهدفت إجراءات مؤسسية وتشريعية، سعيا للدعم العملي والمحدد لنمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة. شكل المرسوم السلطاني رقم 36 لسنة 2013، بتشكيل الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إشارة انطلاق لتلك السياسات . واعقبه صدور المرسوم السلطاني بتأسيس صندوق«الرفد» للقيام بدور تمويلي. وعلى مدى العامين التاليين صدر التعميم 12 - 2013 بالسماح لموظفي الدولة بالتفرغ لإنشاء مشاريعهم الخاصة، مع الاحتفاظ برواتبهم لعام كامل. والتعميم 7 - 2013 من مجلس المناقصات، بتخصيص 10% على الأقل من مشتريات ومناقصات الدولة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتعميم البنك المركزي مايو 2013 ، بتخصيص 5% من محفظة الإقراض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وسلسلة من القرارات بتخصيص مواقع وأراض في مختلف المحافظات، كحاضنات ومراكز للمؤسسات وكمواقع لتأسيس مشاريعها. ورافق ذلك إطلاق برامج تدريبية لتأهيل إداريي الدولة للتعامل مع المبادرات، وإدخال مقررات ريادة الأعمال في المدارس والجامعات، وإطلاق جائزة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.

وفي 26 - 28 يناير 2015 انعقدت ندوة ثانية، لتقييم تنفيذ قرارات ندوة سيح الشامخات. واتخذت الندوة نمطين من القرارات. سعت في الأول لإضفاء درجة أعلى من الإلزامية والانتظام، على تنفيذ قرارات الندوة الأولى مثل إلزام الجهات الحكومية بمنح المشاريع الصغيرة والمتوسطة حدا أدنى من مشتريات ومناقصات الدولة. مع توسيع الالتزام ليشمل الشركات الخاصة المنفذة لأعمال الجهات الحكومية، عبر إلزامها بتقديم كشوف بالأعمال الموكلة للشركات الصغيرة والمتوسطة، تدرج في عقود تنفيذها للأعمال الحكومية. وسعت في الثاني نحو تأسيس التزامات جديدة للدولة تجاه تلك المشاريع، مثل إعفاء الشركات الجديدة لمدة سنتين من التزامات التعمين، وإمهال القديمة اربع سنوات لتنفيذ نفس الالتزامات، ومنح الموظف المدني حق الإجازة بدون راتب لأربع أعوام للتفرغ لإدارة مشروعه.

ويمكن اعتبار تأسيس الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ونظيرها التمويلي « صندوق الرفد» ، نقله نوعية في مسيرة نمو هذه المشاريع. وقد نظمت الهيئة عملها على عدة محاور. محور اقتصادي - إداري يتكون من برامج التدريب على إدارة المشاريع، وتوفير المعلومات الضرورية عن الأسواق والاستثمار، ودراسة العروض وتقديم الاستشارت، والمتابعة الدورية للمشاريع. ومحور اقتصادي – مالي يتكون من إنشاء حاضنات الأعمال ومراكزها، والمساهمة في تيسير التمويل والتسويق، ووضع الآليات الضامنة للقرارات السابقة المنفذة لالتزمات التمويل والتسويق، وتسهيل فرص الحصول على الأرض. ومحور تنظيمي عام عبر تطوير المؤسسات والقوانين المنظمة لعمل المشاريع، وبناء المؤسسات الداعمة لها، وتنسيق العلاقات بينها وبين مؤسسات الدولة. ومحور تثقيفي، من خلال نشر ثقافة ريادة الأعمال، وبناء نظام معلومات إليكتروني للراغبين في ممارسة النشاط.

وفقا لتقارير « ريادة » تنمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بمعدل عال، ولكنه بمنطق الأمور نمو متفاوت الوتيرة. فيما بين أعوام 2013 -2015 و2017 تطورت أعداد المؤسسات الجديدة المسجلة على النحو التالي: المؤسسات الصغرى (اقل من5 عمال) من 6164 الى 22978 مؤسسة ، والصغيرة ( 6 – 25 عاملا) من1746 الى 6679 مؤسسة ، والكبيرة ( 26 – 99 عاملا) من 1208 الى مؤسسة 2179. أما العدد الإجمالي فهو أضخم من هذا كثيرا، وفقا لأرقام الكتاب الإحصائي السنوي لعام 1998 ، شكلت المؤسسات التي يقل رأسمالها عن مائة ألف ريال عماني، أي ما ندعوه بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة تقريبا، حوالي 96% من إجمالي عدد المؤسسات. ووفقا لبيانات وزارة الاقتصاد وصل عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عام 2009 الى 118368 مؤسسة.

ورغم هذا التقدم المتواصل الذي حققه هذا القطاع الحيوي، لايزال أمامه الكثير لكي يحققه. ولكن إذا اردنا تحقيق كامل الآمال المعقودة عليه، يتعين الرصد الدقيق لمشاكله وتحدياته. وهنا ستفيدنا نوعية معينة من الدراسات، وهي دراسات الاستطلاع الميداني لآراء رواده والمتطلعين إليه.

ما طبيعة رؤية المجتمع العماني لعمل هذه الشركات؟ إيجابية بما يكفي لخلق مناخ مناسب لازدهارها والانضمام إليها؟ ايجابية تماما. في دراسة لسلمان نوصرات وجون ويكراماسيبجي تناولت عيّنة من رواد المشاريع، وافق 74 % بقوة على أن أغلبية المجتمع يدعمون المؤسسات من خلال شراء منتجاتها. ووافق 88% على انه إذا فشلت مؤسسة منها في عملها، سيمنحها المجتمع فرصة اخرى للعمل في نفس المجال، ووافق 79% على ان العمانيين يودون المساهمة فيها من خلال القروض.

إلا أن هذت الدعم الاجتماعي العام والعالي لشركات هذا القطاع، ستنخفض نسبته كثيرا عندما يطرح سؤال الدعم في صورة خيار وظيفي، عبر المقارنة بخيار العمل الحكومي. في دراسة أجراها عبدالله بن حمود الجفيلي، قال 82% من أصحاب الشركات، إن أغلبية المجتمع تطمح في الوصول الى مناصب حكومية عليا. ولكن النسبة ستنخفض كثيرا عندما يكون السؤال موجها الى شباب لم يعمل بعد. في دراسة للمركز الوطني للمعلومات والإحصاء ، أظهر 50.5% من طلاب التعليم العالي الذكور تفضيلهم للعمل الحكومي في عام 2015، مقارنة بنسبة 80.6% للأنات. وفي عام 2016 قال 51% من الذكور انهم يفكرون في إقامة مشاريع خاصة، بالمقارنة بنسبة 40% للإناث. وفي نفس الدراسة نلاحظ ارتفاع نسبه الذكور المفضلين للعمل الحكومي، من 42% عام 2013 إلى 50.5% عام 2015. ولكن هذا المؤشر السلبي يكبح دلالته ارتفاع نسبة الذكور الذين يفكرون في إقامة مشروعات خاصة من 39% عام 2015 الى 51% عام 2016.

في معرض تحليل تلك الدراسات لوعي رواد المشاريع الخاصة والمتوسطة، لأهم المشاكل التي يواجهونها، أبرزت ثلاثة مشاكل أساسية.

أولها تتعلق بوعيهم بمدى قدراتهم على الإدارة الناجحة لمشروعاتهم. في دراسة نوصرات وويكراماسيبجي وافق 42% على توفر الفرص التعليمية للشباب وكبار السن التي تؤهلهم لتأسيس مشاريعهم الخاصة، ورفض 48% وجودها. ولكن فرص التعليم شيء، وامتلاك الدرجة المثلى المطلوبة للإدارة الناجحة، شيء آخر. وهنا ستختلف المواقف باختلاف الدراسات. في دراسة نوصرات وافق 35%، على أن المهارات المؤسسة على الفرص التعليمية متوفرة في عمان، ورفض 32% الفكرة. ولكن دراسة الجفيلي تخبرنا بالعكس، فلقد أفاد 31% بامتلاكهم القدرات الإدارية الأساسية، ونفى 54% ذلك. وإذا انتقلنا من التعميم الى التخصيص، سنجد إقرارا بتفاوت امتلاك القدرات. وفقا لبيانات الجفيلي قال 63% إنهم يمتلكون القدرة على صياغة خطط الأعمال، وأفاد 29% بالعكس. ولكن في دراسة لبدرية هلال وسعيد البلوشي وسامينا باجوم، رأت الأغلبية انهم يفتقدون برامج البحث والتطوير.

وثانيها تتعلق بوعيهم بمشاكل التسويق. وفقا لدراسة نوصرات وويكراماسيبجي ، أفاد 39% أن مشاريعهم لديها إمكانية ملائمة للوصول للأسواق، وأفاد 29% بالعكس. ولكن في دراسة بدرية وسعيد وسامينا، رأى 59.2% إنهم لا يمتلكون ما يكفي من المعرفة بأمور التسويق.

وثالثها وأهمها مشاكل التمويل، وهنا نرصد أيضا تفاوت النتائج والدلالات. في دراسة لعبد العزيز الخروصي سنعثر على صورة إيجابية. ففي معرض رد المبحوثين على مدى نجاحهم في الحصول على التمويل قال 51 من رواد المشاريع الصناعية انهم نجحوا وأفاد 12 بالعكس، وقال 87 من رواد المشاريع التجارية إنهم نجحوا وأفاد 47 بالعكس. ولكن رواد المشاريع الخدمية ، قال 40 منهم بنجاحهم وأفاد 50 بالفشل. هذا النجاح كما هو واضح نجاح نسبي ، وفي حدوده المتحققة ليس خاليا من المشاكل. وفقا لدراسة بدرية وسعيد وسامينا، يرى56.4% أن المشاريع تفتقد التمويل المناسب لها ورأى 11.2% فقط العكس، كما اشتكت الأغلبية من ضعف القروض طويلة الأجل.ووفقا للجفيلي يرى 60% أن إجراءات التمويل طويلة ومعقدة، ولايرى 12% ذلك.

ونخرج من التحليل السابق بنتيجتين.

الأولى: بالتوازي مع الإجماع الاجتماعي على الدعم العملي لهذا القطاع، يتصاعد إقبال الشباب عليه كخيار وظيفي، ويتعادل الآن مع إقبالهم على خيار الوظيفة الحكومية، ومن المرجح أن يتفوق عليه خلال الأعوام القادمة، إذا أحسنا معالجة مشكلاته.

والثانية: مع الاعتراف بضخامة الجهد المبذول لدعم هذا القطاع، فإنه لايزال يواجه كما يرى روادة مشاكل تحد نموه. تتراوح بين مشاكل مستوى التأهل الذاتي للرواد، ومشاكل الدعم المؤسسي لنموه في مجالي التسويق والتمويل بالتحديد. إلا أنها مشاكل ذات طبيعة نسبية، فليس ثمة إجماع عليها، ولا تحظى بنفس درجة القوة في كل المجالات، وتختلف باختلاف مجال المؤسسات.