روضة الصائم

الإنفاق العام والإنفاق الخاص

24 مايو 2018
24 مايو 2018

المفتي العام للسلطنة: الإنسانُ الذي ينفقُ في سبيلِ اللهِ إنما يُنفقُ على نفسِه لأنَّ عاقبةَ هذا الإنفاقِ ترجعُ إليه.

يبيّنَ لنا اللهُ سبحانه وتعالى أنَّ كلَّ ما يُنفقُه العبدُ إنما يعودُ إليه:  وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْر فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْر يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ  ( البقرة/‏‏272)، فالإنسانُ الذي ينفقُ في سبيلِ اللهِ إنما يُنفقُ على نفسِه؛ لأنَّ عاقبةَ هذا الإنفاقِ ترجعُ إليه، أما المُنْفَقُ عليه فإنّه يستمتِعُ بما يُعطى في هذه الحياةِ الدنيا، وإنما يُؤجرُ على ذلك إنْ شكرَ اللهَ تعالى على هذه النعمةِ، وتصرّفَ أيضاً في المالِ بحسبِ ما أمرَه اللهُ سبحانه وتعالى أن يتصرّفَ فيه، وقد بيّنَ لنا اللهُ سبحانه وتعالى السُّبُلَ التي يجبُ أن يُنفَقَ فيها المالُ، وفي هذا البيانِ ما يدلُّ على أنَّ الإنفاقَ يكونُ خاصّاً، ويكونُ عامّاً، والإنفاقُ العامُّ يكونُ منظَّماً وغيرَ منظَّم، فالإنفاقُ الخاصُّ هو الإنفاقُ على العِيالِ، والإنفاقُ العامُّ هو سائرُ الإنفاقِ، وهو ينقسمُ إلى قسمين: قسم منظّم، وقسم غيرِ منظّم، فالإنفاقُ المنظّمُ هو الزكاةُ المشروعةُ التي فرضَها اللهُ سبحانه وتعالى في أصناف مخصوصة من المالِ بنسَب مبيّنة مخصوصة إذا بلغتْ مقداراً مخصوصاً، والإنفاقُ العامُّ هو الإنفاقُ الخارجُ عن الزكاةِ، وهو يجبُ على المسلمِ إذا لم تسدَّ هذه الزكاةُ حاجاتِ الفقراءِ والمساكينِ وسائرِ المسلمين، فاللهُ سبحانه وتعالى يقولُ:  لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ  ( البقرة/‏‏177)، فهذه حقوقٌ من غيرِ الزكاةِ بدليلِ قولِه سبحانه وتعالى من بعد:  وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ  ( البقرة/‏‏177)، فيجبُ على المسلمِ أن يُنفِقَ من المالِ من خارجِ الزكاةِ إذا لم تسدَّ الزكاةُ حاجاتِ الفقراءِ والمساكينِ، فليس من الإيمانِ في شيء أن يبيتَ المسلمُ وهو شبعان، وجارُه جائعٌ محتاجٌ إلى هذا المالِ.

فقد رُوِيَ في الحديثِ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنّه: «ما مِن يوم تطلعُ شمسُه إلا وملِكٌ ينادي اللهمَّ أعطِ مُنفِقاً خلَفاً وأعطِ مُمسِكاً تلفاً»، فمن يبخلْ فإنما يبخلُ عن نفسِه، ومن ينفِقْ فإنّما ينفِقُ على نفسِه، فيجبُ على العبدِ أن يحرصَ على الإنفاقِ في سبيلِ اللهِ سبحانه، وأن يتقرّبَ إلى اللهِ تعالى بكلِّ ما ينفِقُه، لا يبتغي بشيء من ذلك سوى مرضاتِه عزَّ وجلَّ، فبحسنِ النيةِ يكونُ الإنفاقُ العاديُّ الذي ينفقُه الإنسانُ على نفسِه، وينفقُه على عائلتِه من القرُباتِ التي يتقرّبُ بها العبدُ إلى اللهِ سبحانه وتعالى، وقد جاءَ في حديثِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في تعدادِ أنواعِ الصدقةِ: «حتى ما تجعلُه في فيّ امرأتِك»، ذلك كلُّه مع حسنِ النيةِ، وصلاحِ الحالِ، والاستقامةِ في الباطنِ وفي الظاهرِ.